الكيمياء والصيدلة > كيمياء حيوية

أكسيد النتريك قد يساهم في علاج أحد التأثيرات الجانبية الخطيرة المترافقة مع نقل الدم

استمع على ساوندكلاود 🎧

علاجٌ جديد قد يسهم في تحجيم إحدى الظواهر الجانبية الخطيرة التي تترافق مع عمليات نقل كريات الدم الحمراء والتي تعرف باسم فرط ضغط الدم الرئوي (Pulmonary hypertension)، وهي حالةٌ من ارتفاع ضغط الدم في شرايين القلب والرئتين يمكن أن تسبّب حدوث فشل القلب. تقترح الدراسة الجديدة استخدام علاجٍ يتكوّن من غاز أكسيد النتريك (أحادي أكسيد الآزوت NO)؛ وذلك بتعريض خلايا الدم الحمراء، التي تمّ جمعها وحفظها ومعالجتها بغرض النقل، إلى هذا الغاز.

«تعدّ عمليات نقل الدم واحدةً من أكثر خمس إجراءات طبّية تتمّ تأديتها من قبل الأطباء حول العالم» بحسب أستاذ الطبّ وارين زابول (Warren D. Zapol)، المؤلّف الرئيسي للدراسة والباحث في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن. «في كثيرٍ من الأحيان يكون نقل الدم علاجاً منقذاً للحياة بتعويض كريّات الدم أو بقية العناصر الدموية المفقودة كنتيجةٍ للنزف الحادّ التالي للرضوض، أو الحوادث، أو العمليات الجراحية. وإنّ أغلب عمليات نقل الدم لا تتم بنقل الدم بكامل محتواه، وإنما تكون عمليات نقلٍ لبعض مشتقّات الدم، والتي تكون كريات الدم الحمراء أكثرها شيوعاً».

نظراً لمحدودية توفّر إمدادات خلايا الدم الحمراء المخزّنة حديثاً، تسمح وكالة الغذاء والدواء الأمريكية بإجراء عمليات نقلٍ لخلايا الدم الحمراء البشرية المخزّنة لفترةٍ تصل حتى 42 يوماً. ولكن، تقترح العديد من الدراسات الحديثة أنّ نقل خلايا الدم الحمراء المخزّنة لفترة تتعدّى الثلاثين يوماً قد يؤدّي إلى حدوث فرط ضغط الدم الرئوي بالإضافة إلى تقليل فرص نجاة الخلايا المنقولة، الأمر الذي يقود إلى عدم حصول خلايا الجسم على حاجتها من الأوكسجين. وكل عام، ما يُقارب 326 ألفاً من المرضى الأمريكيين يتلقّون واحدةً أو أكثر من وحدات خلايا الدم الحمراء التي تمّ تخزينها لأكثر من 30 يوماً.

يعتقد الباحثون أنّه بدخول خلايا الدم الحمراء المخزّنة إلى جسم المتلقّي، فإنّ الهيموغلوبين المتسرّب من الكريات المتخرّبة يقتات على جزيئات أكسيد النتريك التي تنتجها الأوعية الدموية داخل الرئتين. ولأنّ هذا الغاز يعمل على توسيع الأوعية الدموية، فبانخفاض تركيزه سوف تنقبض الأوعية الدموية للرئتين، مما يسبّب ارتفاعاً في ضغط الدم.

تمت هذه الدراسة على عدة مجموعات من الحِملان، بحيث تمّ تخزين خلايا الدم الحمراء، المأخوذة من الحِملان، لمدة 40 يوماً ومن ثم تعريضها لغاز أكسيد النتريك. وبعد ذلك تلقّت المجموعة الأولى من الحِملان خلايا الدم التي تمّت معالجتها بالغاز، في حين تلقّت المجموعة الأخرى خلايا دم حمراء مخزّنة لم تُعرّض للغاز، وتلقت المجموعة الثالثة من الحِملان خلايا دم حمراء حديثة خُزنت ليومين وتم اعتبارها خلايا طازجة.

لكن لماذا أكسيد النتريك بالتحديد؟

أكسيد النتريك هو مركب كيميائي حيوي تنتجه معظم الكائنات الحية، ومن بينها الإنسان، ويملك وظائف فيزيولوجية هامّة جداً. يعتبر أكسيد النتريك إحدى الجزئيات المسؤولة عن نقل الإشارة بين خلايا الجسم (وهي من الوظائف الهامّة جداً لهذا المركب)، لكنّه حظي بالاهتمام الأكبر نتيجةً لفوائده على الجملة القلبية الوعائية؛ إذ تقوم البطانة الداخلية للأوعية الدموية بإنتاج هذا المركّب مما يؤدّي إلى توسّع الاوعية الدموية، وقد استخدم لهذا الغرض كعلاجٍ لفرط الضغط الدموي. فمثلاً يقوم النتروغليسرين بتحرير أكسيد النتريك في الجسم، ولهذا السبب يستخدم كدواءٍ لخفض الضغط. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ أكسيد النتريك يستخدم بالفعل في علاج الأطفال الرضّع المصابين بفرط ضغط الدم الرئوي.

وجد الباحثون أنّ عملية نقل الخلايا الدموية المخزنة التي لم تخضع للمعالجة بغاز أكسيد النتريك قد تسبّبت تقريباً بمضاعفة تقبّض الأوعية الدموية في الرئتين بالمقارنة مع تأثير الخلايا الدموية التي تمّت معالجتها بالغاز. في حين أن قيمة ضغط الدم الرئوي في مجموعة الحِملان التي تلقت خلايا دموية مخزنة ومعالجة بالغاز ومجموعة الحِملان التي تلقت خلايا دموية حديثة كانت متقاربة. انطلاقاً من هذا، خَلُص الباحثون إلى أنّ معالجة خلايا الدم المخّزنة بغاز أكسيد النتريك يسهم في تقليل خطر فرط ضغط الدم الرئوي.

بالإضافة إلى ذلك، وُجِد أنّ المعالجة بأكسيد النتريك قد ساهمت بارتفاع فرص نجاة خلايا الدم الحمراء المخزّنة بعد نقلها. عندما تمّ نقل خلايا الدم المُعالَجة- التي تبلغ من العمر 40 يوماً- إلى الحِملان، فإنّ 87% من الخلايا استمرّت في الدوران بعد ساعة واحدة من النقل، في حين استمرت 75% من الخلايا الدموية التي لم تتمّ معالجتها في الدوران للفترة ذاتها. وبعد 24 ساعة، 78% من الخلايا المُعالَجة حافظت على تواجدها في الدوران، مقارنة بـ 73% من الخلايا الدموية غير المُعالَجة.

إن انخفاض تراكيز أكسيد النتريك كنتيجة لاستهلاكه من قِبل الهيموغلوبين هي إحدى الآليات المحتملة التي تؤدّي لفرط الضغط الرئوي، لكنّ الفريق يستكشف عوامل أخرى أيضاً.

يقول الدكتور زابول: «إنّ التخزين المطوّل لكريّات الدم الحمراء يجعلها قاسية ويقلّل من قدرتها على تغيير أشكالها، وهي ميّزة ضرورية لتأدية عملها وتنقّلها بين الأوعية الدموية الصغيرة. لقد وجدنا أنّ المعالجة المسبقة بغاز أكسيد النتريك قد عملت في الواقع على تجديد حيوية كريات الدم الحمراء، جاعلةً إيّاها أكثر مرونة مما يسمح لها بالتنقل من خلال الأوعية الدموية بسهولة. ويمكن لذلك أن يحدّ من مخاطر فرط ضغط الدم الرئوي».

على الرغم من هذه النتائج الواعدة، يقول الباحثون أنّنا لا نزال بحاجة مزيدٍ من الدراسات باستخدام الخلايا الدموية البشرية لتأكيد التأثيرات المفيدة للمعالجة باستخدام غاز أكسيد النتريك.

نشرت هذه الدراسة في عدد شهر تشرين الثاني من مجلة Anesthesiology، وهي دوريّة طبّية محكّمة تصدر عن الجمعية الأمريكية لأطبّاء التخدير (ASA).

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا