التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية

البيمارستان الأرغواني... دلالة على أوج الحضارة الإسلامية

استمع على ساوندكلاود 🎧

البيمارستان... كلمة مركبة من جزأين – بيمار وتعني المريض وستان وتعني الدار- والبيمارستانات في هذا الوقت هي أبنية تدل على درجة التطور والرقي التي وصل إليها العرب المسلمون في فن العمارة عموماً وفي مجال التطور الطبي بشكل خاص. لمحة تاريخية عن بيمارستان الأرغواني في حلب نقدمها ضمن مقالنا التالي فتابعونا...

بناه أرغون الكاملي سنة 755 هجرية وهو بيمارستان عظيم لا نظير له في العالم من جهة سعته وإتقان عمارته و زخرفته، وهو أفضل الأبنية من نوعه في سوريا ومصر فإن كل مرافقه القديمة ما تزال بحالة جيدة، ويقال له البيمارستان الجديد، حيث أعد أرغون الكاملي له الآلات والخدم ورتبه لحفظ الصحة وأحضر الأطباء له، ورتب جميع ما يحتاج إليه من الأشربة والكحل والمراهم وغير ذلك.

والمبنى هو عبارة عن باحة سماوية على جوانبها من الجهتين الشمالية والجنوبية أواوين ومن الجهة الشرقية والغربية غرف خاصة بالمرضى وهي عموماً ذات بنية معمارية وإنشائية سليمة باستثناء بعض الأجزاء التي كانت تقوم مديرية آثار ومتاحف حلب بترميمها بما يحافظ على وضعها الأصلي.

الشكل (1): الباحة السماوية

له بابان أحدهما تجاه خان القاضي وهو مغلق الآن و الباب الآخر هو الباب الكبير كُتب عليه:

(بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا البيمارستان الملك الناصر مولانا السلطان الملك الصلح ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلد الله ملكه الفقير إلى ربه أرغون الكاملي نائب السلطة العظيمة بحلب المحروسة غفر الله له و أثابه الجنة في شهور سنة 755 ).

للبيمارستان مدخلان أحدهما رئيسي والآخر فرعي، المدخل الرئيسي يتجه إلى الغرب على جانبيه جداران ويعلوه مقرنصة مؤلفة من عدة حطات، ويغلق بباب ذي مصراعين من الخشب المكسو بصفائح من النحاس الأصفر المزين بأشرطة متقاطعة من النحاس تشكل بتقاطعها أشكالاً هندسية متكاملة.

الشكل (2): المقرنصات

وعلى جدار البيمارستان على يسار الباب حجر مكتوب عليه:

(بما كان بتاريخ ثاني عشرين ربيع الآخر سنة ستة وأربعين وثمانمائة، أبطل المقر الشريف العالي المولوي المخدومي الزيني عمر السفاح الشافعي صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الحلبية المحروسة أخد موجب ما يجلبه نضارة مدينة قارة إلى المحروسة من القماش والثمار خارجاً في معلوم كتابة السر بحلب ابتغاه لوجه الله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميعٌ عليم ).

الشكل (3): النقش على يسار الباب

ونلاحظ أن المدخل يؤدي إلى ردهة إلى اليسار فيها حجرة في بعض جدرانها فتحات فيها خزن لوضع الأدوية، وإلى يمين الردهة حجران للانتظار والمعاينات الخارجية وللردهة شباك يطل على الصحن السماوي للبيمارستان مجهز بحاجز من القضبان الحديدية، وفي القسم الأمامي من الجدار الأيسر لهذه الحجرة باب لدرج يصعد إلى سطح البيمارستان وفي مقابله من الجدار الأيمن مدخل إلى حجرة صغيرة هي موزع مشترك وممر بين الحجرات الخارجية وصحن البيمارستان الواسع المستطيل الشكل الذي تتوسطه بركة كبيرة مع نافورة للماء وجانبها الشرقي جب للماء ذو فوهتين متجاورتين لأخذ الماء منها بسرعة، وعلى جانبي الصحن رواقان يرتفع كل منهما على أربعة أعمدة وهي ركائز لأقواس مبنية على مداميك وصلت بين رؤوس الأعمدة.

الشكل (4): الرواق المطل على الباحة السماوية

توجد في صدر الرواقين حجرات صغيرة عددها خمسة في الرواق الشرقي وأربعة في الغربي وجميعها متساوية المساحة /2*2/ تقريباً وفي الجانب الجنوبي من الصحن إيوان تعلوه قبة تستند على الإيوان بواسطة المقرنصات.

واجهة الإيوان عبارة عن قوسين يرتكزان على عمود في الوسط، وفي الجانب الشمالي من الصحن يوجد إيوان آخر واجهته مماثلة لواجهة الإيوان الكبير من حيث المداميك.

الشكل (5): واجهة الإيوان

في نهاية الرواق الشرقي الجنوبي يوجد ممر بطول مترين يؤدي إلى دهليز ضيق طويل لا يتجاوز عرضه /85/سم ذو سقف أسطواني من الحجر وفي هذا الدهليز مداخل لثلاثة أجنحة أحدها الجناح المربع وهو في أقصى الشمال.

وفي نهاية الدهليز يوجد دهليز آخر منكسر يؤدي إلى أربعة غرف صغيرة لا تتسع الواحدة منها لأكثر من شخص واحد ولكل غرفة شباك مجهز بحاجز من القضبان الحديدية ينفتح على ساحة مربعة في وسطها بركة ماء ونافورة، وهذه الساحة المربعة مسقوفة بقبة مقطوعة من أعلاها بحيث تشكل نافذةً مستديرة قطرها حوالي متر وتستخدم للإنارة و التهوية .

الشكل (6): بركة الماء من شباك الغرفة الصغيرة

وبجانب هذا الجناح يوجد جناح مثمن الشكل مدخله قرب النهاية الشمالية للدهليز ويؤدي إلى ساحة مثمنة الشكل في كل جهة من جهاتها غرفتان وفي كل زاوية بين الجدران الأربعة غرفة واحدة عدا الزاوية الشمالية الغربية ففيها الممر؛ يكون بذلك مجموع الغرف إحدى عشر غرفة مفتوحة الأبواب على الساحة التي يزين وسطها بركة في وسطها نافورة ماء، والساحة مسقوفة بقبة.

الشكل (7): الجناح المثمن

وفي النهاية الجنوبية من الدهليز الرئيسي توجد غرفة تعتبر بمثابة موزع مشترك بين دورات المياه ودهليز آخر يتجه نحو الغرب يؤدي إلى غرفتين تستعملان كمطبخ و مستودع، ثم يأتي دهليز آخر بعد الغرفتين يتجه نحو الجنوب يؤدي إلى الباب الفرعي للبيمارستان.

يوجد في البيمارستان ستة رنوك*، أربعة منها أعلى المدخل الرئيسي، واثنان في الإيوان الجنوبي في الحجرات اليمنى و اليسرى، وهي بالكامل تدل على وظيفة "أرغون بن طيجا" استدار "أرغون الكاملي" باني البيمارستان الأرغوني، كما يدل على ذلك النقش الكتابي فوق مدخل البيمارستان.

الشكل (8): النقش الكتابي فوق مدخل البيمارستان

حيث نقش باني البيمارستان "محمد بن أمان بن أبي سلمة" وهو يعرفنا بالمهندس الذي بنى البيمارستان، وفي الصف السفلي للواجهة المقرنصة فوق مدخل الباب أربعة رنوك دائرية وعلى نسق واحد، ضمن الحجر أعلى الشريط الكتابي الممتد على الواجهات الثلاث فوق المدخل وعلامات هذا الرنك المتكرر هي دائرة مستديرة ترمز إلى "المنضدة" الطاولة المستديرة وصاحب هذا الشعار هو الخوجة.

الشكل (9): النقش الكتابي فوق الواجهات

وفي وسط الدائرة شكل هندسي "معين" يرمز إلى البقجة وصاحب هذا الشعار هو الجمدار؛ الموظف الذي يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه، وبالمحصلة فإن المتولي الذي بين هاتين الوظيفتين يحق له أن يكون شعاره "الطاولة المستديرة والبقجة ويكون من خاصية النائب أو السلطان ويعرف بـ الاستادار، وقد شغل هاتين الوظيفتين معاً الاستادار /سيف الدين طيجا/ ربما يحكم القرابة من نائب حلب /أرغون الكاملي بن طيجا/ الذي حكم حلب مرتين وبنى بيمارستانه في المرة الثانية 1354م.

الشكل (10): نقش لشكل هندسي

الحاشية:

*الرنوك: هي الشارات التي اتخذها السلاطين والأمراء منذ القرن السادس الهجري وحتى أوائل القرن التاسع الهجري على عمائرهم وأدواتهم للدلالة على ملكيتهم أو وظائفهم .

المصادر:

1. ابن الشحنة : أبي الفضل محمد ، الدرر المنتخب في تاريخ حلب . تقديم : عبدالله محمد الدرويش . دار الكتاب العربي . عالم التراث . الطبعة الاولى : 1984 .

2. الطباخ : محمد راغب . أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ، المجلد الثاني ، دار القلم : حلب

3. الغزي : كامل ، نهر الذهب في تاريخ حلب ، المجلد الثاني ، دار القلم : حلب ، الطباعة : 1419 هـ

4. Aleppo : Visitors GUIDE. By : Soubhi Saouaf. English Version . By George F.Miller . Aleppo : 1953

5. الأسدي : خير الدين . أحياء حلب واسواقها . حققه ووضع فهارسه : عبد الفتاح رواس قلعه جي . منشورات وزارة الثقافة . دمشق : 1984 .

6. شعث : شوقي ، حلب تاريخها ومعالمها التاريخية ، منشورات جامعة حلب : 1991 .

7. طلس : محمد أسعد ، الآثار الإسلامية والتاريخية ، مطبوعات مديرية الآثار في سوريا . دمشق : 1956 .