كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (لا تزال أليس): ألم الحب والألزهايمر

قبلَ الغوص في تفاصيل الرواية، لابد من التّعرف على بطلتنا (أليس هولاند): عالمة النفس الإدراكي المعتدّة بنفسها كثيراً، والتي يمكننا القول بأنها تملك كل شيء; الحياة المهنية الذهبية، الدهاء وسرعة البديهة، وظيفة ثابتة في أفضل جامعات العالم هارفرد وعائلة رائعة، وكلّ ما يصاحب ذلك من شعورٍ بالاطمئنان وبأن الحياة لايمكن أن تسوء، فنحن كبشر نميلُ إلى العيش بوهمٍ كبير بأن الأمور السيئة في الحياة لا تحدث لنا، نحن فقط نشاهدها من الخارج ونشعرُ بالسوء بسببها ثم نلتفتُ لمتابعة حياتنا المثاليّة، بل ونعتقد بأننا أصبحنا أبعد بكثير عن مسار المرض والموت والحياة الذي ينطبق على الباقين.

‎قد يكون التفكير بهذه الطريقة هو أحد أنماط التعايش والنجاة على كوكب كالأرض ولكنه كذلك قد يصبح أخطرَ شيء قد يضربك عندما يجد المرض طريقه إليك ليحطّم كل أحلامك ويصدمك بواقعٍ كنت تظنه أبعد من أن يكون واقعك.

‎وعندما قررت الحياة أنه حان دور أليس لتسخر منها ولتحطّم عالمها، فعلت ذلك بطريقةٍ فظة جداً، هاجمتها بأقوى نقاطها وأكثرها أهمية لها: عقلها، فبدأت تسرق منها أغلى مالديها، ليتم بعد ذلك تشخيص حالة النسيان المريبة التي بدأت تصيب أليس بأنها الألزهايمر، ليس مرض الألزهايمر فحسب، بل هو نوعٌ نادر من المرض يبدأ في مراحل مبكرة جداً في الأربعينيات والخمسينيات من العمر، أي في تلك المرحلة الذهبية التي تكون فيها في أوجِ مسيرتك المهنية والعائلية وبينما تكون ثقتك بنفسك في أحسن مستوياتها.

‎إن الألزهايمر لايختلف كثيراً عن السرطان إذا ما أردنا تناولَ النظرة الاجتماعية السائدة له، فنحن ما زلنا كمجتمعاتٍ عاجزين عن كسر حاجز الخوف والغموض الذي يحيط به، ولا زلنا عاجزين عن التوصل لأسلوب لائق للتعامل مع المرضى وهذا أبرز ما تناقشه هذه الرواية، فالمرضى المشخّصين كأليس ما زالوا على قيد الحياة على الرغم من كونهم يفقدون انفسهم شيئاً فشيئاً، قد يكونون محظوظين بما فيه الكفاية أحياناً ليمرّوا بتلك الأيام السعيدة التي يعثر فيها دماغهم على بعض القوة لمقاومة المادة النشوانية التي تتقدم كل يوم لتقتل المزيد من العصبونات، أيام كهذه تكون سعيدة وبنفس الوقت صعبة على الأشخاص المحيطين بالمريض، فهي لحظات نادرة يعود بها إليهم من يحبّون، ولكن قد يعدودون بذكريات حزينة أوسعيدة فالأمر أكثر تعقيداً من فكرة التذكر وحسب، وهذا ما تُصوّره الرواية في شخصيات (جون) زوج أليس ووالد أطفالها (آن)، (توم) و(ليديا)، الزوج الناجح في أبحاثه والأطفال الذين كبروا وأسّسوا لأنفسهم حيوات لامعة.

‎تبدأ الرواية بنسيان أليس لبعض التفاصيلِ الصغيرة، كبعض الكلمات أثناء إلقائها لمحاضرة في مؤتمر دُعيت إليه في كلّية ستامفورد، بعد ذلك في نسيانها لطريق عودتها للمنزل عند خروجها اليومي المعتاد للجري لتتذكر بعد ذلك الطريق فجأة، حيث تعود إلى المنزل لتبحث على الإنترنيت على أعراض سن اليأس مُعتقدةً أنه سبب ما أصابها، ‎لتتداعى بعدها ذاكرتها وأحداث حياتها وروايتنا خلال عامين فقط. ثم مع تقدّم الرواية تصوّر لنا الكاتبة أليس الأم وتأثير المرض عليها وهي تفقد أغلى ما أنتجت في حياتها ولعل أسوأ ما قد يجلبه الألزهايمر على المريض هو خوفه من أن ينسى أطفاله، كم سيكون ذلك قاسياً وكم سيكون ذلك لئيماً من جانب المرض؟ هل يوجد الحب حقاً في أدمغتنا أم أنه يتجاوز المنطق والعلم ويقع في منطقة بعيدة عن دماغنا عصيّة على المادة النشوانية والعصبونات المتساقطة؟

‎يمكننا القول بأن هذه الرواية هي من أفضل ما تناول الألزهايمر خاصة وأن تناول هذا المرض والبحث فيه بداً في أوقات متأخرة نوعاً ما نظراً لجهلنا به كمرض حقيقي سابقاً ونسب موضوع النسيان والخرف غالباً للتقدم في السن والشيخوخة المتقدمة.

‎كذلك فإن كمية الواقعية في وصف حالة الأشخاص المحيطين بالمريض ومدى تأثّرهم بهذا المرض الذي يسرق منك أحبائك على الرغم من بقائهم أحياء تستحق الإعجاب حقاً، خاصة عندما نجد الكاتبة قد تناولت كل الجوانب المحيطة بالحالة سواء القبيحة منها أوالمخيفة أوالمثيرة للعواطف.

‎من الجدير بالذكر كذلك بأنه قد تم إنتاج فيلم يحمل نفس عنوان هذه الرواية وكان لهذا كذلك أثر كبير في تسليط الضوء على الألزهايمر ومشكلاته وقلة الحلول والأبحاث الحالية الملمّة به. ولقد نالت الممثلة جوليان مور جائزة أفضل ممثلة بدور رئيسي عن دورها في ذلك الفيلم بجوائز الأكاديمية لعام 2015 (الأوسكار).

‎نهاية فإننا يجب أن نُحذّرك عزيزي القارئ، لا تبدأ بهذه الرواية ما لم تكن جاهزاً للغرق فيها وما لم تكن جاهزاً لركوب الدوامة العاطفية التي ستجتاحك مع كل صفحة، لكنك في ذات الوقت عندما ستنهي آخر صفحاتها وبعد مسحك دموعك ستجد أنك تمتلك تلك المنهجية الجديدة والمختلفة كلياً في النظر إلى مرضى الألزهايمر بشكل خاص والمرضى الذين لا يزالون يعيشون على حافة الحياة والأمل مع أمراض لم نتوصل حتى يومنا هذا إلى علاج لها على الرغم من قدرتنا يومياً كجنس بشري على بدء الحروب والمجاعات وإبداع الأساليب المخيفة لإيذاء بعضنا.

‎معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: ‎لا تزال أليس

‎الكاتبة: ليزا جينوفا.

‎ترجمة: أفنان سعد الدين.

‎عدد الصفحات:280

‎نشر للمرة الأولى عام 2005 ونشر باللغة العربية عام 2015 من قبل الدار العربية للعلوم.

ISBN13

9786140116085