الطب > علوم عصبية وطب نفسي

جائحة الرّخو الحادّ وعلاقته بالفيروسات المعويّة

استمع على ساوندكلاود 🎧

بدأت وكالة CDC الأمريكية - المعنية باتخاذ التدابير المناسبة للحد من انتشار الأمراض وتعزيز المستوى الصحي العام - بتلقي أعدادٍ متزايدة من التقارير حول أطفال من مختلف مناطق الولايات المتحدة تطور لديهم ضعف مفاجئ في واحدٍ أو أكثر من الأطراف العلوية أو السفلية، ترافق ذلك أيضاً مع تبدلاتٍ شعاعية وُثقت بجهاز المرنان المغناطيسي MRI ظهر فيها تغيرات التهابية غير طبيعية في المادة الرمادية (حيت تتواجد أجسام الخلايا العصبية) من النخاع الشوكي، يُعرف هذا المرض باسم التهاب النخاع الرخو الحاد (Acute Flaccid Myelitis) علماً بأن هذه الحالة السريرية شبيهة بالداء الشهير "شلل الأطفال Poliomyelitis "ووفقاً لتعريف مركز CDC لهذه الجائحة فإن تشخيص التهاب النخاع الحاد الرخو يطلق على كل حالة ضعف حاد في الأطراف يسجل ابتداء من الأول من أغسطس 2014، على أن يترافق هذا الضعف مع تبدلات شعاعية تتواجد بشكل رئيسي في المادة الرمادية من النخاع الشوكي عند أي مريض يقل عمره عن 21 عاماً!

بالانتقال إلى المحاولات لمعرفة السبب الكامن وراء تطور هذا الداء، فقد ظهرت الشكوك حول دور الفيروس المعوي EV-D68 في تطور هذه الحالة و ذلك نتيجة التزامن بين تشخيص هذا الشكل من الشلل العصبي وانتشار جائحة تنفسية غير مسبوقة في الولايات المتحدة عُزل فيها الفيروس ذاته، غير أن التقارير المبكرة أظهرت عزل الفيروس المعويEV-D68 لدى 8 من أصل 41 مريض أي بنسبة 20%، كما لم يتم العثور على فيروس معوي في السائل الدماغي الشوكي للمرضى الخاضعين للاختبارات. ومن ثم ورد تقرير أظهر دور نوع آخر من الفيروسات هو الفيروس المعوي 105 Enterovirus C في تطور هذا الالتهاب النخاعي الحاد.

وبالعودة إلى الحالة السريرية التي كشفت النقاب عن دور الفيروس المعوي 105 C في تطور التهاب النخاع الرخو الحاد فقد أشار التقرير الوارد إلى مركزCDC أنه في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2014 تطور لدى طفلة تبلغ من العمر 6 سنوات ليس لديها سوابق مرضية تذكر ضعف تدريجي ذو بدء حاد في الطرف العلوي الأيمن، و بعد التعمق في القصة السريرية تبين أنه وخلال الأسبوعين السابقين لقبول المريضة في إحدى مشافي ولاية فيرجينيا عانت هي وأسرتها من تعب عام ترافق مع سعال خفيف وسيلان أنفي، ثم تطور لدى المريضة قبل 4 أيام من استشفائها ترفع حروري خفيف (38 درجة مئوية) استمر لمدة يوم واحد، كما عانت المريضة من صداع جبهي، وتعب عام، وألم متقطع في الأذن اليمنى والإبط الأيمن، وقبل يوم واحد من اللجوء إلى الاستشارة الطبية لاحظ والدا الطفلة هبوطاً في كتفها الأيمن بالإضافة إلى صعوبة في استخدام يدها اليمنى! هذا وتجدر الإشارة إلى عدم حدوث أي تبدل في الحالة البصرية أو العقلية، كما لم تترافق الحالة مع صعوبات في النطق أو البلع أو التنفس ولم تُسجل أية اضطرابات بولية أو معوية.

توافق الفحص السريري مع شكوى المريضة حيث أظهر ضعفاً في الذراع اليمنى أشدّه في القسم القريب منها مع غياب المنعكسات الوترية العميقة فيها، كما لوحظ ضعف في منعكس الرضفة Patellar Reflex في الطرف السفلي الأيمن، أما الفحص الحسّي فكان ضمن الحدود الطبيعية، وأخيرا ذُكر وجود طفح حطاطي منتشر على الظهر.

أبرز ما تم كشفه بواسطة الفحوص المتممة المخبرية والشعاعية زيادة واسعة طولية في كثافة المادة الرمادية للنخاع الشوكي كما أظهر المرنان المغناطيسي (كان مرنان الدماغ طبيعياً)، أما تحليل السائل الدماغي الشوكي فعلى الرغم من أنه أظهر ارتفاعاً في تعداد كلٍّ من كريات الدم البيضاء على حساب اللمفاويات وتعداد الكريات الحمراء مع ارتفاع مرافق في مستويات البروتين، فإن الملفت كان سلبية الفحوص المجراة على هذا السائل لتحري الفيروسات المعوية، علماً أن مسحة البلعوم الأنفي كانت إيجابية للفيروس المعوي C 105 ، وأخيراً لابدّ من الإشارة إلى أنّ حالة الطفلة تراجعت بشكل عفوي وتحسن القسم القريب من الذراع اليمنى خلال أشهر مع استعادة قوة القسم البعيد من الذراع بشكل كامل تقريباً.

وعلى الرغم من أن هذه الحالة نُسبت إلى الفيروس المعوي C 105 فقد أشار التقرير إلى عدم إمكانية نفي وجود التهاب مرافق بالفيروس المعوي EV-D68 نظراً لعدم تحري المستويات المصلية لأضداد الفيروس الأخير بعد شفاء الطفلة .

وبذلك يمكننا القول أنه وحتى الآن لم يُحدد بعد السبب الحقيقي لهذه المتلازمة العصبية وأنه من المحتمل أن يكون هنالك العديد من الفيروسات ذات الفوعة العصبية Neurovirulence لعبت دوراً في تطور جائحة التهاب النخاع الرخو الحاد.

المصادر:

هنا

هنا