الفيزياء والفلك > فيزياء

اضمحلال الفراغ، الكارثة الكونية الأخيرة

استمع على ساوندكلاود 🎧

من بين كل الطرق التي قد تقضي على كوننا، إنَ اضمحلال الفراغ، هي الطريقة الأكثر فاعلية.

في كل مرة يقدم العلماء طريقة جديدة تقضي على الكون، فهناك التمزق الكبير للزمكان، والموت الحراري الذي يتمدد ويبرد فيه الكون فيصبح فارغا من المادة، وهناك الانسحاق الكبير، حيث تتغلّب قوى الجذب فتجعل الكون ينكمش على ذاته على عكس التمدد الحالي، ولكن الطريقة الأفضل كانت دائما هي اضمحلال الفراغ، إنها طريقة فعالة وسريعة ونظيفة لكنس كل الكون فجأة.

لفهم ماذا يعني اضمحلال الفراغ، يجب أن نأخذ في الاعتبار، مجال هيجز الذي يتخلل كوننا. فكما تتغيّر شدة المجال الكهربائي، بناءًا على فرق الجهد أو الفولت المسبّب له؛ تتغيّر شدةُ حقل هيغز أيضاً، بناءاً على فرق الطاقة المسبّب له، فكلما زاد الفرق كلما زادت شدة المجال. فكّر في فرق الجهد أو فرق الطاقة كسطحٍ مائل، وبالجسم الذي يتأثر بالمجال، على أنهُ كرة؛ كُلما ارتفع السطح من جهة واحدة أكثر كلما تدحرجت الكرة أسرع. وتزداد سرعة الكرة -أي تكتسب طاقة أكثر- كلما كان الفرق في الإرتفاع بين جانبي السطح أكبر؛ الفرق في الإرتفاع في مثالنا هذا مثل فرق الجهد في المجال الكهربائي، وفرق الطاقة في مجال هيجز.

إن مجال هيجز يحدد ما إذا كان كوننا في إحدى الحالتين : فراغ حقيقي، أو فراغ زائف.

الفراغ الحقيقي، كما لو كنت تجلس مستقرا ومتوازنا على الأرض مباشرة دون أدنى إرتفاع. والفراغ الزائف كما لو كنت تقف على حافة جبل، فإن أي دفعة خفيفة من أحدهم تُسقِطك باتجاه القاع، ولن توجد طريقة لتفادي سقوطك.

نسمي الكون في حالة الفراغ الزائف، بالكون شبه المستقر (Metastable) لأنه لا يضمحل؛ أي لا يسقط نحو الأسفل، نحو المستوى الطاقي الأخفض والأكثر استقرارًا، إلا أنه أيضًا، بعيدٌ عن الاستقرار .

هناك مُشكلتان تُهدِدان الحياة، في كون شبه مستقر: إحداهما هي أنك إن خلقت حالةً طاقيةً عاليةً بما فيه الكفاية، يمكنك نظريًا أن تدفع منطقة صغيرةً جدًا من الكون من حالة الفراغ الزائف إلى حالة الفراغ الحقيقي. تشكّل هذه المنطقة الصغيرة فقاعة من الفراغ الحقيقي، وتَتَمَدد في جميع الاتجاهات بسرعة الضوء. يُمكنُ لِفُقاعةٍ كهذه أن تَكونَ مُدمرة على المستوى الكوني.

والأخرى هي أن ميكانيكا الكم تعتبِرُ أنهُ من المُمكن لأيّ جُسيم، أن يخترِق حاجزًا بين منطقتين أيًا كان هذا الحاجز. تُدعى هذه الظاهرة، بِظاهرة النفق الكمومي؛ وينطبق هذا أيضًا على منطقتي الفراغ الحقيقي والزائف. لذلك يُمكِنُ لِكونٍ يقبع هانئًا في حالة الفراغ الزائف، أن يَجِدَ جُزءً مِنه فجأة في حالة الفراغ الحقيقي، وذلك عبر التقلبات الكمومية العشوائية، مما يسبب كارثةً كونية.

ارتفعت تقديرات احتمالية اضمحلال الفراغ كثيرًا في الفترة الأخيرة. لأن قياسات كتلة بوزون هيغز يبدو أنها تشير إلى أن كوننا شبه مستقر؛ إلا أن هناك أسباب جيدة تدفعنا للتفكير بأن فيزياءً جديدةً سوف تتدخل لتنقذ الموقف.

أحد هذه الأسباب هو فترة التضخم المفترضة في مراحل الكون المبكرة، حين تمدد الكون بسرعةٍ شديدةٍ في جزءٍ صغيرٍ جدًا من الثانية. ومن المرجح أن هذا أنتج طاقات عاليةٍ جدًا، كافية لدفع الكون إلى حالة الفراغ الحقيقي.

وحقيقةُ أننا ما زلنا هنا تفرض إحدى الاحتمالات الثلاث الآتية: إما أن التضخم حدث عند مستوياتٍ طاقيةٍ، أخفض من أن تدفع الكون من فوق الحافة نحو الفراغ الحقيقي. أو أن فترة التضخم لم تحدث بالأصل؛ أو أن الكون أكثر إستقرارًا مما تشير إليه الحسابات.

ولو كان الكون شبه مستقرٍ فعلًا، فتقنيًا، يمكن للانتقال أن يحدُث، عن طريق التفاعلات الكمومية، بين الفراغ الزائف والفراغ الحقيقي في أي وقت. من المُستبعد أن يحدث هذا الآن، لأن متوسط عمر الكون "شبه المُستقر"، هو أكبر بكثيرٍ من عمر الكون الحالي، ولذلك فلا داعي للقلق. ولكن ماذا سيحدث لو شرع الفراغ بالاضمحلال؟

ستتمدد جدران فقاعة الفراغ الحقيقي في كافة الاتجاهات بسرعة الضوء، لذلك لن تتمكن حتى، من رؤيتها وهي تتجه نحوك. ولأن جُدران فُقاعَةِ الفراغ الحقيقي، تمتلك كَميَةً كَبيرةً مِن الطاقة، فإنك على الأغلب، ستحترق بمجرد أن تمر جدران الفقاعة عبرك.

لِحالات الفراغ المختلفة ثوابتٌ كونيةٌ طبيعيةٌ مختلفةٌ، لذلك قد تتعرض البنية الأساسية للمادة لتغيير كارثي. لكن الوضع ليس بكل هذا السوء: ففي عام 1980، وجد عالما الفيزياء النظرية سيدني كولمان، وفرانك دي لوتشا، أن أي فقاعة من الفراغ الحقيقي، سوف تعاني من انهيار ثقاليٍ فوري، أي أنها ستنهار على نفسها بمجرد تَشكُلِها.

وقالا أنَّ هذه النتيجة محبطةٌ، فعلى الرغم من أن احتمالية عيشنا في كون في حالة فراغ زائف ليست فكرة مبهجة، وأن اضمحلال الفراغ كارثة كونية بيئية عظمى؛ ففي حالة جديدة من الفراغ ستظهر ثوابت طبيعية جديدة؛ وبعد اضمحلال الفراغ، ستكون الحياة كما نعرفها مستحيلةً، بل ستكون الكيمياء المسؤولة عن الحياة كما نعرفها مستحيلةً أيضًا. إلا أن ما يجعل المرء يشعر ببعض العزاء الفلسفي، أنه مع مرور الوقت، ربما سيحتضن هذا الفراغ الجديد مخلوقات قادرة على الشعور بالبهجة. لكن هذا الخيار مُستَبعَدٌ الآن.

لنعرف ما الذي يحدث داخل فقاعة الفراغ الحقيقي على وجه اليقين، نحن بحاجة لنظريةٍ تصف الكون المتعدد الذي يشكل كوننا جزءًا منه، ولا نملك مثل هذه النظرية الآن. إلا أنّنا نعرفُ ما يكفي للقول، بأنّ ما سيحدث لن يكون جيدًا. ولكن لحسن الحظ نحن آمنون نسبيًا، حتى هذه اللحظة على الأقل.

المصدر: هنا

إقرأ أيضًا، أربع سناريوهاتٍ مُحتملة لنهاية الكون! هنا