المعلوماتية > الذكاء الصنعي

عشرة أوهام عن تعلُّم الآلة

استمع على ساوندكلاود 🎧

تقوم أمازون بالبحث في طريقة تصفُّحك لموقعها والمنتجات الّتي تجذب اهتمامك لتقترح عليك المنتجات المناسبة لك في المرّات القادمة. يقوم فيس بوك بالتّنقيب والبحث في كلِّ ما تنشره أو تشاهده، وتُعجب به ليحدد ويرتب لك التّحديثات والمنشورات الّتي تظهر لك على الموقع. تقوم جوجل بالتّنقيب فيما تبحث عنه لتحدد الإعلانات المناسبة لتظهر لك. كلّ هذه المهام أصبحت تقوم بها خوارزميّات التّعلُّم بنجاح كبير، وفي كلِّ يوم تتقدم هذه الخوارزميّات لتُدير أنشطة أخرى جديدة تتعلق بنا، سواءً على الإنترنت أو في غيره من المؤسسات العامة والخاصة الّتي نتعامل معها.

تمثّل خوارزميّات التّعلُّم محركاً هائلاً لمجال تعلُّم الآلة، الّذي مكّن الآلات والحواسيب من الإبداع في حلِّ مشكلاتٍ مختلفة لم تجرِ برمجتها فيها من قبل. لقد أصبحت الحواسيب قادرةً على برمجة نفسها بنفسها دون الحاجة لمبرمجين يحددون لها كلّ خطوة تخطوها بدقة.

للمزيد من المعلومات عن خوارزميّات التّعلُّم وتعلّم الآلة يمكنك الرّجوع لهذا الموضوع الّذي نُشِرَ سابقاً على جزأين : الجزء الأول (هنا) و الجزء الثاني (هنا).

خوارزميّات التّعلُّم مرشّحة بكلّ قوة للعب دور أساسيّ في مستقبلنا، ولهذا فليس غريباً أن تنال قدراً كبيراً من الاهتمام حتّى أنّها تصدرت في أحيانٍ كثيرةٍ العناوين الرّئيسة في وسائل الأخبار، إلا أنّ بعض الحقائق قد تاهت في الجدل الدّائر بين فرق من المتشائمين والمتفائلين، وسنحاول هنا مناقشة بعض هذه الأفكار الخاطئة وتوضيح الحقائق.

1- تعلّم الآلة سيتفوق قريباً على الذّكاء البشريّ:

إنّ المتابع للأخبار اليوميّة الّتي تتحدث عن تقدم تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعي، سيتولّد لديه انطباعٌ وكأن أجهزة وبرامج الحاسوب في طريقها للحديث والرّؤية والتّفكير تماماً مثلنا وبعد هذا قد نجد أنفسنا خلف هذه الآلات هذا إن قررت الإبقاء علينا. قطع الذّكاء الاصطناعي رحلةً طويلةً على مدار الخمسين عاماً الماضية بعيداً عن الأضواء، وساهمت اليوم تكنولوجيا تعلّم الآلة في صعوده للواجهة بقوة. بالفعل تستطيع أجهزة الحاسوب إنجاز مهامٍ كثيرةٍ بكفاءةٍ وفي وقت خارق، ولكنّها لا تستطيع محاكاة التّفكير البشريّ ولا توجد طريقةٌ حتّى الآن لتعليم الحواسيب هذا الأمر.

2- تعلّم الآلة هو مجرد تلخيص للبيانات :

في الواقع إنّ الهدف الرّئيسيّ لتعلم الآلة هو توقّع المستقبل، فمعرفة قائمة الأفلام الّتي قمت بمشاهدتها في الماضي هي وسيلةٌ لمعرفة الأفلام الّتي قد تحبُّ مشاهدتها في المستقبل، تماماً كما أنَّ معرفة سجل حسابك لدى البنك سيعطي إشاراتٍ عن إمكانيّة دفع فواتيرك في مواعيدها المُستحقَّة. تستطيع خوارزميّات التّعلّم صياغة الفرضيّات حول قضيةٍ أو مشكلةٍ بعينها ومن ثمَّ تنقيحها لتصبح هذه الفرضيّات حقائق عندما تَصدُقُ توقعاتها.

3- خوارزميّات التّعلُّم تكتشف فقط التّرابط بين ثنائيّات من الأحداث :

قد يراودك عزيزي القارئ هذا الانطباع من معظم ما ذُكر عن تعلّم الآلة في وسائل الإعلام ، وكمثالٍ مشهور على ذلك هو زيادة البحث عن كلمة "إنفلونزا" في جوجل في إشارة مبكرة لانتشار هذا المرض. حسناً، إن هذا شيء جيّد، ولكنّ معظم خوارزميّات التّعلّم تكتشف أشكالاً وأنواعاً قيّمةً من المعلومات ، كالوصول للقاعدة العامة الّتي تحكم حدثاً بعينه أو مجموعةَ أحداثٍ، فمثلاً إذا كانت هناك بقعة غريبة وملونة على الجلد تزداد حجماً باستمرار، فمن الممكن أن تكون إشارةً لسرطان الجلد.

4- يُمكن لتعلّم الآلة اكتشاف التّرابط فقط لا العلاقات السّببيّة:

في الحقيقة إنّ واحدة من أكثر خوارزميّات تعلّم الآلة شهرةً تقوم بتجريب إجراءاتٍ مختلفة، ومن ثمّ ملاحظة تداعياتها أو نتائجها. إنّ هذا هو جوهر الاكتشاف السّببيّ، فعلى سبيل المثال تجرّب مواقع التّجارة الإلكترونيّة العديد من الطّرق المختلفة لعرض المنتج ومن ثمَّ تختار الطّريقة الّتي ساهمت بأكبر عمليّات بيعٍ لهذا المنتَج، حتّى أنت عزيزي القارئ من المُحتَمل أنّك قد شاركت في الآلاف من هذه التّجارب دون أن تعلم ذلك.

كما يُمكن للعلاقات السّببيّة أن تُكتشف، حتّى في بعض الحالات حيث تكون نتائج التّجارب بديهيّة، وكلّ ما يُمكن للحاسوب فعله هو أن يُلقي نظرةً على البيانات السّابقة.

5- زيادة حجم البيانات لدينا ترفع من احتمال أن تكون الأنماط المُستنتَجة وهميّةً وغيرَ حقيقيةٍ:

كلما زاد حجم سجل مكالمات الهاتف الّذي تبحث فيه وكالة الأمن القوميّ الأمريكيّة، زادت احتماليّة تحديد شخص بريء على أنّه إرهابيٌّ مُحتَمل لأنّه توافقَ عن طريق الخطأ مع أحد قواعد التّعرُّف على الإرهابيين. من الممكن أن يقودنا التّنقيب في الأحجام الكبيرة من البيانات إلى نتائج غير حقيقية ولكنّ الخبراء في تعلّم الآلة يستطيعون جعل الأمر في حده الأدنى. على الجانب الآخر فإنّ التّنقيب في أحجام كبيرة من البيانات يقلل من مخاطرة الوقوع في نتائج غير حقيقيّة، حيث تكون للقواعد المُستنتَجة وزناً أعلى وقيمةً أكبر. تستطيع أيضاً بعض خوارزميّات التّعلُّم التّعرُّفَ على الأنماط بالرّغم من توزّع النّمط الواحد على أكثر من حدث وهو ما يجعل هذه الخوارزميّات أكثرَ قوةً، فمثلاً لو أنَّ شخصاً تمّت مُشاهدَتَه يصوّر فيديو لمبنى البلديّة في مدينة نيويورك، وآخر يشتري كميّاتٍ كبيرةً من نترات الآمونيا، فكلُّ حدثٍ على حدى من الممكن ألّا يُثير الشّك ولكنّه إذا تمّ رصد مكالمةٍ تليفونيّةٍ بين الشّخصين فهنا من الممكن أن تتدخل الشّرطة لتتحقق أنّ الأمر ليس له علاقة بالتّخطيط لتفجيرٍ إرهابيٍّ.

6- النّماذج الّتي تتعلمها الحواسيب مُبهمة بالنسبة للبشر:

إذا كانت خوارزميّة التّعلُّم عبارةً عن صندوقٍ أسودَ فكيف نستطيع الوثوقَ في مُخرجاتها وتوصياتها؟

تتفاوت النّماذج في درجة صعوبتها وتعقيدات عملها، فبعضها صعبُ الفهم، كالشّبكات العصبونيّة العميقة المسؤولة عن معظم نجاحات تعلّم الآلة الملحوظة (كالتّعرف على القطط في فيديوهات يوتيوب)، وبعضها أكثر وضوحاً مثل النّوع المسؤول عن تشخيص سرطان الجلد.

7- لا تستطيع خوارزميّات التّعلُّم التّنبؤ بأحداثٍ لم تحدث من قبل:

صحيحٌ أنَّ احتمال حدوثِ شيءٍ ما لم يحدث من قبل مطلقاً هو صفر، ولكنّ تعلّم الآلة تستطيعُ توقّعَ الأحداثِ نادرةِ الحدوث، وبدقةٍ عاليةٍ. في كلِّ يوم تستطيع خوارزميّات التّعلُّم حماية صناديق بريدنا الإلكترونيّ من سيل الرّسائل غير المرغوب فيها مع ظهور أنواعٍ وأشكالٍ جديدة من هذه الرّسائل باستمرار. وكمثالٍ أيضاً على هذه الأحداث أزمة الرّهن العقاريّ الّتي ضربت الولايات المتحدة الأمريكيّة سنة 2008 والّتي في الواقع قد تمّ التّنبؤ بها بشكلٍ واسعٍ، وليس فقط من قبل نماذج المخاطر المستخدمة في معظم البنوك.

8- تتجاهل خوارزميّات التّعلُّم المعارف السّابقة:

المعرفة الحقيقية هي نتاج عمليّةٍ طويلةٍ من الاستنتاج والتّجريب، وهو أمرٌ يصعب محاكاته بمجرَّدِ تشغيل خوارزميّةٍ عامةٍ على قاعدةٍ من البيانات. لكنّ الأمر ليس دائماً هكذا، حيث أنّ بعضّ خوارزميّاتِ التّعلُّم لا تبدأ عملها من الصّفر، ولكنّها تستخدم البيانات لتنقيح المعارف السّابقة عن المشكلة محلّ الدّراسة، وتقديم النّتائج في صورةٍ تستطيعُ الحواسيب فهمها والتّعامل معها.

9- النّماذج الأسهل تُعتَبر الأكثرَ دقةً:

الشّروحاتُ السّهلةُ مفضلةٌ لأنّها أقربُ للفهم وللتّذكُّر والاستنتاج، ولكن أحياناً ما تكون أسهل الفرضيّات هي الأقلّ دقةً للتّنبؤ عن الفرضيّات الأكثرّ تعقيداً حتّى مع توافق كلاهما مع البيانات محلِّ الدّراسة.

يستطيع فيس بوك أن يبني نموذجاً وصورةً لك من خلال البيانات النّاتجة من نشاطك عليه، وهو النّموذج الّذي سيحدّد فيس بوك من خلاله المنشورات والصّفحات المناسبة لك لتراها. يستطيع فيس بوك بناءَ هذه النّماذج من خلال استخدامه لخوارزميّات التّعلُّم، ولكن ليس بالضّرورة أن تكون أوّل صورةٍ تكوِّنها هذه الخوارزميّات عنك هي الأكثرَ دقةً، تماماً مثل الانطباع الّذي ستكوّنه عن شخصٍ تراه لأوّلِ مرة. خوارزميّات التّعلُّم الأكثرَ قوةً تستمرُّ أحياناً في تحسينِ مُخرجاتها حتّى بعد قبولها بالنّسبة للبيانات محلِّ الدّراسة، وهو ما يميّزها عن خوارزميّات التّعلُّم الأقلّ منها قوة .

10- الأنماط الّتي تكتشفها خوارزميّات التّعلُّم يتمُّ قبولها من أوّل وهلة:

لو أنّ إحدى خوارزميّات التّعلُّم استنتجت قانوناً مفادُه أنّ: أيُّ بقعةٍ غريبةٍ وملوّنةٍ على الجلد تزداد حجماً باستمرار ستكون إشارةً لسرطان الجلد. حتّى لو تمتّع هذا القانون بالدّقة المطلوبة، فليس هذا معناه بالضّرورة وجوب تصديقه، حيث أنّ تغييراً بسيطاً في البيانات من الممكن أن يقود لنتائجَ مغايرةٍ لها نفس القدر من الدّقة. لهذا فإنّ النّتائج الّتي نستطيع الوثوق فيما تعنيه، هي القوانين الّتي ستصمد مهما تغيّرت البيانات عشوائيّاً.

الإفراط في التّشاؤم أو التّفاؤل هما آخر ما نحتاج إليه ونحن نحاول التّعرّف على خوارزميّات تعلّم الآلة . نحن بحاجةٍ للبحثِ عن الحقائق، ومحاولةِ فهم التّكنولوجيا الّتي سيكون لها دورٌ أساسيٌّ في رسم ملامح مستقبلنا. إذا كان الوعي باستخدام الحواسيب وتطبيقاتها من أهمّ أدوات العصر الّذي نعيش فيه، فإنّ أهميّة هذا الأمر قد تتراجع في المستقبل القريب لصالح المعرفة الضّروريّة عن خوارزميّاتِ التّعلُّم وتكنولوجيا تعلّم الآلة، وهي المعرفة الّتي ستكون من أهمِّ أدواتِ المستقبل لنا جميعاً.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصادر:

هنا

هنا