الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الطاقةُ النوويّة.. بين سلبيّاتها وإيجابيّاتها - هل تتفوّقُ على غيرها من أشكال الطاقة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

حتى وقتٍ قريبٍ كانت الطاقة النوويّة تُقَدَّم على أنّها طاقةٌ صديقةٌ للبيئة بشكلٍ كاملٍ بعكس الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوريّ. ولنبدأ بالتعرُّفِ على كيفيّة توليدها ضمن المفاعِل النوويّ وما اختلافها عن طاقة الوقود الأحفوريّ بقراءة مقالنا السابق:

هنا

ويمكن تلخيص فوائد الطاقة النوويّة فيما يلي:

- لا تبعثُ بثاني أكسيد الكربون في الجوّ، لذا لا تساهم في الاحترار العالمي.

- لا تنتِجُ أكاسيد الكبريت أو النيتروز.

-لا ينتج عنها رمادٌ، إذ أنّها لا تعتمد على الاحتراق.

- تنتج الحرارة عن الانشطار النوويّ لا عن الأكسدة.

-على خلاف الوقود الأحفوريّ لا توجدُ غازاتٌ منبعثةٌ إلى البيئة المحيطة والنفايات الصلبة تبقى بالمحطة أثناء عمليّة الإنتاج.

كلُّ هذا يبدو رائعاً إلى أن تأتي مشكلة التعامل مع النفايات، فأغلب نفايات المحطّات النووية هي نفاياتٌ صلبةٌ، مثل الوقود المستهلك وبعض كيماويّات العمليّة والبخار ومياه التبريد الساخنة. ومع أنّ كميّةَ النفايات ضئيلةٌ بالنسبة لمقدار الكهرباء التي تُنتِجها، لكنّها تختلف عن أشكال النفايات الأخرى في أنّها عاليةُ النشاطِ الإشعاعيّ ويجب أن يتمّ التخلُّصَ منها بطريقةٍ متخصّصة للغاية. وقد تطرّقنا سابقاً لهذا الموضوع وعرضنا عليكم طريقةً مُبتَكَرَة تخفِّضُ من النفايات النوويّة بنسبةٍ كبيرة:

هنا

يستمرّ الوقود المُستهلَك والمُزال حديثاً من المفاعل النوويّ بإنتاج كميّاتٍ ضخمةٍ من الحرارة كلّما انحلّ وتُضخُّ المياه بشكلٍ مستمرٍّ خلالَه لمدّة عامٍ على الأقل لمنعه من السخونة الفائقة. بالإضافة لذلك فإنّ إشعاع النيوترونات موجودٌ في المفاعلات النوويّة والمادةُ الّتي تعرّضت له تظلُّ مشعّةً بذاتها لفترةٍ طويلةٍ، أو تتلوّثُ مع النفايات النووية. والمواد الكيميائيّة السامّة أو الخطرة التي استُخدِمَت في عمليّات تشغيل المحطّة النوويّة سوف تحتاج للتعامل معها بشكلٍ صحيح ولطريقة تخلُّصٍ مناسبة. يشكّلُ التخلُّصُ الآمن من الوقود المُستهلَك الاعتبار البيئيَّ الأهمّ في صناعةِ الطاقة النوويّة. فالوقود المُستهلَك سيبقى نشِطاً إشعاعيّاً لسنواتٍ طويلةٍ والتخلُّص منه يمكن أن يكون مكلفاً للغاية. وأغلب هذا الوقود يتمّ دفنه وهو الخيار المُفضَّل في الولايات المتحدة، بينما تفضِّلُ دولٌ أخرى إعادةَ استخدام الوقود المُستهلَك، لكنّ هذا يمكنُ تنفيذُه في عددٍ محدودٍ من المراكزِ المُختصَّة. ونقلُ المواد المُستنفَذة إلى هذه المراكز لابدَّ أن يتمّ بأقصى درجات الأمان حيث من الممكن أن تستخدمَ الجماعات الإرهابية هذا الوقودَ في صنع القنابل غير النظيفة –عند خلط المواد المُشعّة مع المتفجّرات المعتادة يزيد هذا من مضاعفة وانتشار التلوّث الإشعاعي الناتج-

على مرِّ السنوات كانت هناك سلسلة تأميناتٍ لرفعِ أمانِ صناعة الطاقة النوويّة. وتمّ تحسين أداء وأمان المُفاعِلات وعرضُ تصميماتٍ لمُفاعِلاتٍ أكثرَ أماناً افتراضيّاً لكن لم يتمّ اختبارها عامّةً بعد. وقد يتمُّ إغفالُ بعضِ العواملِ دونَ قصدٍ أثناءَ عمليّة تصميم المُفاعِلات مثلما حدث مع محطة فوكوشيما والتي كانت على درجة عاليةٍ من الأمان ودقّة التصميم للمحافظة على استقرارها في حال حدوث الزلازل، لكنّ أحداً لم يأخذ بعين الاعتبار إمكانيّة أن يتلوَ الزلزال موجات تسونامي سبّبت الانفجار وهو ما كان من الصعب توقُّعَه أو تلافيه أثناء التصميم.

تُعَدُّ محطّاتُ الطاقةِ النوويّة من أعقدِ الأنظمة تصميماً على الإطلاق، وكأيِّ نظامٍ مُعَقَّدٍ لا يهمُّ الجهد المبذول في تصميمِه أو هندسته لكنّ المهمّ ألّا يفشلَ لأنّ النتائجَ حين ذاك ستكون كارثيّةً.

يحتوي المفاعلُ النوويّ قيدَ العمل مقداراً هائلاً من نواتجِ الانشطارِ النوويّ وفي بعض الأحداث الكارثيّة ينتُجُ تلوثٌ إشعاعيٌّ خطيرٌ في التربة والنباتات، ويمكنُ أن يمتصَّها الإنسان أو الحيوان وعند تعرُّض الإنسان لمستوياتٍ إشعاعيّةٍ عاليةٍ يمكن أن يُتَوفَّى خلال وقتٍ قصيرٍ، أو أن يُصَابَ بالسرطان وأمراضَ أخرى على المدى الطويل.

قامت هيئة الطاقة الذرية الفرنسية بإجراء بعض التقييمات واستنتجت بأنّه لا يوجدُ ابتكارٌ تقنيّ يمكن أن يمنعَ حدوثَ خطأٍ بشريّ قد يترافقُ مع تشغيل المحطّة النوويّة. وأكثر نوعين من الأخطاء الشائعة التي تؤدي للحوادث هي الأخطاء التي تحدثُ أثناء الصيانة والاختبارات وهناك حوادث بسيطة تترافق مع أخطاء بشرية تنتهي بفشلٍ كاملٍ. والخوف الأكبر من الأخطاء الناجمةِ عن امتزاجُ خطأ بشريّ مع عطلٍ ميكانيكيّ قد تؤدّي لتأخيرٍ في اتّخاذ إجراءات الإصلاح في المُفاعِل وينتجُ عنها حدثٌ كارثيّ.

يمكن أن يتعطّلَ المفاعلُ النوويُّ بطرقٍ عديدةٍ، فعدم استقرارِ الموادّ النوويّة قد يولِّدُ سلوكاً غيرَ مُتوقَّع، وتنتُجُ طاقَةٌ لا يمكن التحكُّمُ بها. إذ يُصَمَّمُ نظامُ التبريد ليكون قادراً على التعامل مع الحرارة الفائضة، لكنّ سائلَ التبريد داخل المفاعِلَ سينقُصُ في ذات الوقت، ويمكن لكلِّ شيءٍ أن يذوبَ من الحرارة الزائدة، وهو ما يُعرَف بالانصهار الانهياريّ.

جرت خلال الخمسين عاماً الأخيرة الكثير من الحوادث على مستوياتٍ مختلفة من الخطورة لكنّ الدراسات الدوليّة أثبتت أن خلال هذه الفترة تسبّبت الطاقةُ النوويّةُ بعددِ وفيّاتٍ أقلّ بكثير من عدد الوفيّات الناتجة عن مستويات التلوّث المرتفعة من الوقود الأحفوريّ التقليديّ.

ومن الحوادث الكارثيّة حادث تشيرنوبل بأوكرانيا عام 1986 والّتي تبقى علامةً فارقة في تاريخ الأمان النووي والوقاية الإشعاعية، إذ غيّرت مفاهيمَ عديدةً تغييراتٍ جذريّةً. وقمنا بالتحدُّثِ عنها في مقالاتٍ سابقة عديدة:

محطةُ تشيرنوبل النووية... أخطاءٌ بشريةٌ أدَّت لأخطرِ كارثةٍ نوويةٍ شهدَها التاريخُ البشريُّ حتى الآن:

هنا

كارثة تشيرنوبل - أثرها على المحاصيل والمنتجات الغذائية:

هنا

وشاهد بالفيديو شاهدات على كارثة تشيرنوبل:

هنا

صورة: الوحدة الرابعة بمحطّة تشيرنوبيل بعد تدميرها في الحادث

ومن الحوادث الخطيرة الأخرى حادثة فوكوشيما باليابان 2011 والتي كانت لها حصّةٌ في مقالٍ سابقٍ : مفاعل فوكوشيما النووي والكارثة مستمرة

هنا

صورة: محطّة فوكوشيما أثناء الحادث

يحرص المدافعون عن الطاقة النووية على الإشارة إلى مزاياها، وبالطبع هناك العديد منها. ويُعتقَدُ أيضاً أنّ بناءَ مزيدٍ من محطات الطاقة النووية من شأنه أن يُقلِّلَ من تكلفة الوحدة. ومع ذلك، فإنّ المشكلة الكبيرة حينذاك، ستكمن في كيفيّة التخلّص من كميّات النفايات النوويّة الإضافيّة المُتوَلِّدة.

المصدر:

هنا