الطب > موسوعة الأمراض الشائعة

داء أديسون Addison's Disease

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل تعرفون الرئيس الأمريكي جون كيندي؟ ومن منا لا يعرفه، فهو الرئيس الذي بلغت الحرب الباردة بين بلاده والاتحاد السوفيتي إحدى أشدّ مراحلها سخونةً، وهو مشهورٌ كذلك كونُه الرئيسَ الأمريكيَّ الذي اغتيل عام 1963 (وهو بالمناسبة رابع رئيسٍ يُغتال)، لكنَّ ما لا يعرفه إلا القليل -وهو ما يهمنا في هذا المقال-هو أنَّه مصابٌ بداء أديسون Addison's Disease، فما هذا المرض، ما سببه، وما علاجه؟ نتابع في المقال التالي...

كيف يحدث المرض؟

داء أديسون هو مرض ينتج عن عدم قدرة الغدة الكظرية (الموجودة فوق كلّ من الكُليتين) على إنتاج بعض الهرمونات بالكمية الكافية التي يحتاجها الجسم. في هذا المرض تُنتِج الغدة كمياتٍ قليلةً جداً من هرمون الكورتيزول، كما أنَّ ما تنتجه من الألدوسترون يكون غير كافٍ غالباً. تقع الغدة الكظرية فوق الكُلية وهي جزءٌ من جهاز الغدد الصم الذي يتولى تنظيمَ الكثير من العمليات الحيوية عبر الهرمونات.

تتألف الغدة الكظرية من قسمين:

A. اللب medulla: يفرز الأدرينالين والنورأدرينالين.

B. القشر cortex: يقسم بدوره إلى ثلاثِ طبقات تفرز كلٌّ منها نوعاً من الهرمونات.

1. الخارجية: تفرز السيتروئيدات المعدنية Mineralocorticoids وأهمُّها هرمون الألدسترون الذي يؤدي دوراً مهماً في تنظيم توازن شوارد الصوديوم والبوتاسيوم الأمر الذي يحافظُ على ضغط الدم منتظماً.

2. الوسطى: تفرز السيتروئيداتِ السكرية Glucocorticoids وأهمُّها الكورتيزول الذي يؤدي دوراً مهماً في تحويل الطعام إلى طاقة، كما يؤدي دوراً مهماً في الاستجابة الالتهابية والاستجابة للشدة النفسية.

3. الداخلية: تفرز الأندروجيات Androgens وهي هرمونات جنسية تؤدي دوراً في التطور الجنسي.

في حالة قصور قشر الكظر كما في أي غدة أخرى من الغدد الصم يُمكن أن يكونَ القصور ناتجاً عن خلل في الغدة نفسها وهنا يُسمَّى المرض أولياً (أيّ متعلقٌ بالغدة نفسها). ويمكن أن تكونَ الغدةُ سليمةً تماماً ولكن هناك مشكلة في إحدى العوامل التي تتدخل في إفراز هذه الغدة لهرموناتها وهنا يُسمَّى المرض ثانوياً.

قصور قشر الكظر الأولي Primary adrenal insufficiency:

في هذه الحالة يكون القشر مُتضرراً ولا يستطيع أن يفرزَ هرموناتِه بالكميات المطلوبة، لذلك تسمَّى هذه الحالةُ قصورَ قشرِ الكظر الأولي، وتنتج عن حالةٍ مناعيةٍ غالباً –أي يُهاجم الجسمُ نفسَه لذلك يُسمَّى المرض ذاتياً- إذ يُهاجم الجهازُ المناعيُّ دون سببٍ واضحٍ قشرَ الكظر على أنّه جسمٌ أجنبيٌّ ما يؤدي إلى تدميره، كما يُمكن أن يتدمرَ قشرُ الكظر بسبب:

• إصابتِه بالسل.

• امتدادٍ سرطاني للكظر.

• نزوفٍ في الكظر تؤدي إلى تموّتٍ خَلوي ناتجٍ عن نقصِ الأكسجة.

• إصابتِه بالإنتانات.

قصور قشر الكظر الثانوي Secondary adrenal insufficiency:

في هذه الحالةِ تكون الغدةُ الكظريةُ سليمةً تماماً ولكنَّ الغدةَ النخاميةَ مصابة. تفرزُ الغدة النخامية هرموناً يُسمَّى الهرمون المُنشّط لقشر الكظر ACTHالذي يُحرّضُ قشرَ الكظر على إنتاج هرموناته، ودون هذا التحريض لا يستطيعُ قشرُ الكظر إنتاجَ هرموناتِه ما يؤدي إلى نقص كمية هذه الهرمونات عن الحالة الطبيعية، ولأنَّ الغدةَ الكظريةَ سليمةٌ هنا والسببُ خارجيٌّ تُسمَّى هذه الحالةُ قصورَ قشر الكظر الخارجي.

غدة الكظر (بلون أصفر) أعلى الكلية (بلون بني)

أقسام قشر الكظر

يحدثُ المرضُ في كلّ الأعمار ويصيبُ كلا الجنسين، كما يُمكنُ أن يكونَ مهددِاً للحياة في بعض الحالات، وهو مرضٌ غيرُ شائعٍ نسبياً إذ لا يوجد في العالم سوى 30-40 مليون مصاب.

الأعراض والعلامات Signs & Symptoms:

الأعراضُ هي ما يُحسُّ به المريض، أما العلاماتُ فهي ما يكشفه الطبيب، وتنجم كلتاهما عمَّا يترتبُ على الجسم نتيجةَ قصور قشر الكظر عن القيام بوظائفه:

• نقصُ الوزن الشديد والتعب: لأنَّ للكورتيزول دوراً مُهماً في الاستقلاب، أي تحويلِ الطعام إلى طاقة.

• انخفاضُ تركيز السكر في الدم: لأن للكورتيزول دوراً في رفع تركيز سكر الدم.

• انخفاضُ ضغط الدم: لأنَّ للألدسترون دوراً في رفع ضغط الدم.

• فرطُ تصبُّغ الجلد Hyperpigmentation: بسبب زيادة إفراز النخامى هرمون ACTH.

• الدوار.

• الاكتئاب.

• آلامُ العضلات والمفاصل.

• الشهوةُ للملح Salt craving.

• تساقطُ الشعر.

• مشكلاتٌ في الوظائف الجنسية لدى النساء.

تشخيص المرض Diagnosis:

هناك عددٌ من الفحوصات التي يُمكن إجراؤها للكشف عن المرض، منها:

اختبار تحفيز هرمون ACTH:

من خلال قياسِ تركيز الكورتيزول قبل حقن هرمون ACTHوبعده، وبما أنَّ ACTH يُحفّزُ قشرَ الكظر على إفرازِ الكورتيزول فيرتفع تركيزه، فإنَّه في حالةِ داء أديسون وبسبب دمار نسيج قشر الكظر لن يرتفعَ تركيزُ الكورتيزول.

قياس تركيز الأملاح في الدم:

بسبب انخفاضِ تركيز الألدسترون فإنَّ تركيزَ الصوديوم ينخفضُ بينما يرتفع تركيز البوتاسيوم وكذلك تركيز اليوريا.

قياس تركيز السكر:

يكون تركيزُ السكر منخفضاً.

قياس تركيز الرينين:

هناك ما يُسمَّى محورَ أو جهازَ رينين-أنحيتوسين-ألدسترون renin–angiotensin–aldosterone system، إذ يؤدي انخفاضُ الضغط أو الصوديوم إلى تفعيل الرينين الذي يُفعّل الأنجيتوسين الذي يُفعل بدوره الألدسترون الذي يرفع الضغط، وبما أنَّ الألدسترون منخفضٌ، فإنَّ الجسمَ يَزيدُ تركيزَ الرينين في محاولةٍ منه لتصحيحِ الخلل.

صورة X-Ray للصدر والبطن:

تكشفُ لنا التكلُّسَ الذي يتبعُ تموُّتَ نسيجِ قشر الكظر.

التشخيص التفريقي Differential Diagnosis:

نقصدُ بالتشخيص التفريقي، تمييزَ داءِ أديسون عن غيره من الأمراض التي يتشابه معها في الأعراض والعلامات. وسنكتفي في هذا المقال بتمييز داء أديسون عن قصور النخامة؛ إذ لا تُنتَجُ في هذه الحالة كمياتٌ كافيةٌ من هرمون ACTH ما يؤدي إلى انخفاضٍ في تركيز الهرمونات المُفرُزة من قشر الكظر فيتظاهرُ المرض بعلامات وأعراض مشابهة لداء أديسون، لكنَّ أهمَّ فرقٍ يُلاحظُ هو أنَّ مريضَ أديسون يُعاني فرطَ تصبُّغ في الجلد (سبق وأن علَّلنا ذلك بأنَّه ناتجٌ عن زيادة هرمون ACTH) على عكس مريض قصور النخامة (بسبب نقص هرمون ACTH)، فنُسمي الحالةَ المرضيةَ الأولى "أديسون البني" والثانية "أديسون الأبيض".

العلاج Treatment:

يعتمدُ العلاجُ بشكلٍ رئيسٍ على تعويض النقص في الهرمونات، وذلك بوصف جُرعاتٍ تؤخذ عن طريق الفم من الكورتيزون* أو prednisone أو أسيتات الكورتيزون، أما إذا كانت حال المريض صعبة، أو أنَّه يقيء بشكل كبير ما يحول دونَ استفادة جسمه من الدواء المُعطى عن طريق الفم، فيُمكن حقن الكورتيزون. وبسبب انخفاض الصوديوم، فقد يصف الطبيبُ الصوديوم ليستعملَه المريضُ في حالاتٍ معينة كما هو الأمرُ أثناءَ القيام بالتمارين أو في حالة الإسهال.

علاج أزمة داء أديسون Addison’s Crisis:

أحياناً، تكونُ أعراضُ داء أديسون وعلاماتِه شديدةً جداً ما يجعلُها مُهددِةً للحياة، وتتمثَّل بانخفاضٍ شديد في الضغط وسكر الدم يقابله ارتفاع في البوتاسيوم، وتتطلب هذه الحالةُ تدخُّلاً سريعاً وإسعافياً يتمثَّل بإعطاء سكر dextrose والهيدروكورتيزون ومحلول Saline الذي يحوي أملاح الصوديوم.

اكتشاف داء أديسون:

إنَّ موضوعَ المقال هو "العلم"، لا "تاريخ العلم" لذلك كان من الأفضل تأجيلُ الحديث عن اكتشاف المرض إلى النهاية، ولذلك فإنَّنا سننهي حديثَنا عن المرض بقصة اكتشافه في القرن التاسع عشر...

يعود اسم "داء أديسون" إلى مكتشفه توماس أديسون Thomas Addison الذي كان يعمل في لندن في أربعينيات القرن التاسع عشر، أي في المدة التي اعتلَت فيها الملكة فكتوريا عرش بريطانيا، لم تكنِ العلومُ الطبيةُ وقتَها كما هي عليه اليوم، وكان الداءُ العضالُ آنذاك هو السِّل الذي كان يفتك بالناس دون رحمةٍ ويقف الأطباء حياله عاجزين. لاحظ أديسون -الذي كان يعمل في مشفى The Guy’s Hospital- أنَّ بعضَ المرضى يعانون من فقد الشهية وانخفاض الوزن والضَّعف والإقياء، وبعد دراسته عدداً كبيراً من المرضى، نشر بحثاً عام 1855 بعنوان: ‘Disease of the Supra-renal Capsules’ أي: "مرض المحفظة فوق الكلية" وذلك لأنَّ الكظرَ فوق الكلية. وبعد دراساتٍ طويلةٍ قام بها الأطباء على خُطى أديسون، استطاعَ الطبيبُ Edward Kendall تصنيعَ الكورتيزون ليحصدَ بذلك جائزةَ نوبل للطب عام1950.

صورة الطبيب توماس أديسون

الحاشية:

*الكورتيزون والكورتيزول هما مادتان متشابهتان جداً. يُفرز قشر الكظر الكورتيزول -يملك اسماً آخر هو هيدروكورتيزون hydrocortisone- أما الكورتيزون فيُصنَّع في المختبر وبعد امتصاصه في الأمعاء يتحوَّل في الكبد إلى الكورتيزول.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

مصدر الحاشية:

هنا