البيولوجيا والتطوّر > التطور

هل سنشهد اختفاء أضراس العقل قريباً؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

في البداية، ما هي بنية السن؟

يتألفُ كلُّ سن من قسمين: التاج والجذر، ولا يظهرُ منه إلا التاج الذي يبرز داخل الفم، في حين يعملُ الجذر المطمور في اللثة على دعمِ وتثبيتِ السن في عظم الفك. تقع الرحى (الأضراس) في الجزء الخلفي من الفم، وتملك جذرين أو ثلاثة بخلاف بقية الأسنان التي لها جذر واحد. تظهر الرحى الثالثة أو ما يُسمَّى أضراسَ العقل في آخر الفكين العلوي والسفلي (اثنان في كلّ فك)، وهي آخر الأسنان المُتشكلة في الفم؛ إذ تبرز في عمر متأخر نسبياً من حياة الإنسان.

ما مراحلُ نمو الأسنان ولمَ تحتاجُ أضراس العقل وقتاً طويلاً حتى تبرز؟

تجري عملية نمو الأسنان -من أسنانٍ لبنيةٍ إلى أسنان دائمة- بشكلٍ منتظمٍ على مدى سنوات؛ إذ يبرزُ الضرسُ الأول في سن السادسة بينما يبرز الضرسُ الثاني في سن الثانية عشرة، أما أضراسُ العقل، فتبدأ بالتكون في عيد ميلادك العاشر تقريباً؛ إذ تتشكَّل في تجويف صغير داخل عظم الفكين العلوي والسفلي. ينمو التاج أولاً، ويكتمل نموُّه عادةً في سن الرابعة عشرة، وبعد ذلك مع تطوّر الجذر ونموّه، يبدأ الضرس بالصعود تدريجياً عبر العظم باتجاه التجويف الفموي، وببلوغ سن السادسة عشرة، يكون الفك قد وصل إلى حجمه الثابت، الأمر الذي يحددُ احتمالَ وجودِ حيزٍ كافٍ لبروز ضرس العقل في مكانه الطبيعي من عدمه، ففي حال عدم وجود مكان لبروزه، يبقى هذا الضرس محجوزاً ضمن عظم الفك، ويُمكن للضرس المحجوز أن يتخذَ وضعياتٍ مختلفةً في محاولة منه لإيجاد طريقة للبروز بنجاح.

ولكن، هل كانت للأسنان قديماً وظيفتُها الحالية نفسُها؟

أثبتتِ الدراساتُ الأُحفورية أنَّ الإنسانَ في الماضي كان يملك فكاً يتسع لجميع الأسنان الاثنين والثلاثين، بما فيها أضراسُ العقل؛ إذ كان فكُّ الإنسان القديم أكبرَ وأكثرَ بروزاً، لأنَّ الأسنانَ كانت تؤدي دوراً حيويّاً في البقاء على قيد الحياة باعتبارها وسيلته لاصطياد الفريسة وتمزيقها لالتهامها، فقد عاش أسلافُنا على أطعمة قاسية وصعبة المضغ من أوراقٍ وجذورٍ ولحمٍ نيء، ولذلك فإنَّ امتلاكَ اثنين وثلاثين سناً كان ذو فائدة كبيرة في ذلك الوقت، خاصةً أنَّ الإنسانَ القديمَ لم يكن يذهبُ إلى طبيب الأسنان كما نفعل في وقتنا الحالي، فمن المحتمل أنَّ أضراسَ العقل كانت تؤدي دوراً هاماً كأسنانٍ احتياطيةٍ في حال فقدان إحدى الأسنان أو تهالكها.

ما الذي تغير إذاً؟

تأتي الإجابةُ من التطور؛ إذ غدت جمجمةُ الإنسان الحديث أصغرَ قليلاً بينما ازداد حجمُ الدماغ، ولفتح المجال أمام هذه التغيُّرات، أصبح موضعُ الفك أدنى وأقلَّ بروزاً، وبالتالي أصبح حجمُه أصغر. يقترح Richard Wrangham من جامعة هارفرد، أنَّ السببَ وراءَ هذا التغيُّر هو اكتشافُ الإنسان النارَ واستخدامُها في طبخِ الأكل النيء؛ إذ جعلَ الطبخُ الأكلَ أسرعَ وأسهلَ، كما زاد الفائدةَ المكتسبةَ من السعرات الحرارية للطعام، فبعد أن كان الإنسانُ يقضي أكثرَ من نصف وقته في مضغ الطعام القاسي والنيء، جاء اكتشافُ النار ومن ثَمَّ الطبخ ليتيحَ للإنسان فرصةً لقضاء وقته في نشاطاتٍ أكثرَ إنتاجية، الأمر الذي أدى إلى زيادة حجم دماغه وتضاؤل حجم فكه كما أسلفنا. كما أنَّ الطعامَ المطبوخَ أكثرَ طراوةً ممَّا يخفضُ كميةَ الطاقة التي يستهلكها الجسمُ في عملية الهضم.

هل من الممكن أن تختفي أضراس العقل مع الزمن؟

يعتقدُ بعضُ الخبراء أنَّ اختفاءَ هذه الأضراس كلياً مع الزمن هو أمرٌ واردُ الحدوث، إلا أنَّ العديدَ من التساؤلات لاتزال قائمة، فما يزال العلماءُ غيرَ متأكدين من دور الحمض النووي في تشكيل أضراس العقل التي تنمو وتتطوّر بشكل كامل بعد الولادة. من المحتمل أن تكونَ بعضُ العوامل البيئية قد لعبت دوراً في تراجع ظهور أضراس العقل، أو بسبب استخدام الشعوب والجماعات البشرية فكوكَها بطرق مختلفة، فإذا وصلت جماعةٌ بشريةٌ معينةٌ إلى حدّ عدم استخدامها صفةً معينةً فإنَّ هذه الصفةَ تختفي مع مرور الزمن.

ترى هل سيكون مصير ضرس العقل على هذه الشاكلة، وماذا عن أعضاء أخرى في جسم الإنسان لا وظيفةَ لها أو على الأقل لم تُعرَف وظيفتها حتَّى الآن؟

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا