الرياضيات > الرياضيات

أسرعُ شخصٍ على الأرضِ والرياح والأرقام

استمع على ساوندكلاود 🎧

من هو أسرع رجل في العالم؟ هل هو أوسين بولت Usain Bolt؟

لا، ذلك غير دقيق. في الواقع، إنه العدّاء جستن غالتن Justin Gatlin. ففي عام 2011، أتمّ سباق 100 متر في 9.45 ثانية، قاطعًا تلك المسافة في أقصر زمن على الإطلاق، محطمًا بذلك الرقم القياسي المسجل باسم أوسين بولت Usain Bolt بفارق 0.13 ثانية. حقق جستن الرياضي المثير للجدل -الذي قد مُنِع مرتين من السباق بسبب دعاوى متعلقة بالمخدرات- الرقم القياسي عندما قام في برنامج ألعاب ياباني بالعَدْو مدفوعًا بتيار هوائي قوي متولد عن مراوحَ ضخمةٍ بلغت سرعته 20 م/ثا، لذلك لم يُعتبر ذلك رقماً قياسياً هنا. علمًا أنه لم يُسجَّل أن شخصًا قد جرى أسرعَ من ذلك على مسار مستوٍ منطلقًا من بدايةٍ ثابتةٍ. غير أن أرقامًا دون المستوى العالمي كانت قد سُجلت بأسماء متسابقين على مسارات منحدرة.

يظهر الأثر الإيجابي للتيارات الهوائية على أداء الرياضيين فقط في بعض ألعاب القوى التي تتطلب انطلاقًا سريعًا في العَدْو مثل الجري القصير والوثب الطويل والوثب الثلاثي الذي يتطلب العَدْو السريع لمسافة قصيرة وباتجاه واحد. بينما تُعتبَر التيارات الهوائية لعنةً على باقي لاعبي القوى.

فعلى سبيل المثال، عندما أطلّ روجر بانيستر Roger Bannister من نافذته صباحَ السادس من أيار (مايو) عامَ 1954 كاد أن يُؤجل محاولته لتحطيم الرقم القياسي لمسافة ميلٍ في أقل من 4 دقائقَ بسبب الرياح الهوجاءَ. ولكن قُبَيل السباق فَتَرتِ الرياح لتتيح له الفرصة ليُخلّدَ اسمه في صفحات التاريخ. لقد كان يعلم ما يمكن للرياضيات أن تثبته وهو أن الرياح سوف تبْطِئُه مهما كانت سرعتها حتى وإن قام بدورة واحدة على الأقل.

لنعتبر أن لدينا مضمارًا قياسيًّا لألعاب القوى والذي يبلغ طوله أربعمئةَ مترٍ، لنسمي نقطة البدء (A)، والنقطة المناظرة لها بالنسبة لمركز الحقل النقطة (B)، ولنفرض أن الرياح تهبّ على ذلك المسار بالاتجاه من (A) إلى (B). عندما يعدو العدّاء البريطاني محمد فرح Mohamed Farah مع اتجاه الرياح إلى النقطة (B)، فإن سرعته سوف تزداد بمقدار محدد، وعندما يعدو بالاتجاه المعاكس عائدًا إلى النقطة (A) فإن سرعته سوف تَنقُص بالمقدار نفسه. قد يبدو منطقيًّا أن يُلغي هذان الأثران بعضُهما بعضًا، وبالنتيجة يُحقق محمد فرح الوقت نفسه الذي كان ليحققه لو أنه لم تكن هنالك أيّ رياح على الإطلاق. ولكن الأمر ليس كذلك البتّةَ.

إن الرياضيات توضح لك أن الوقت الذي ستكسبه من الركض مع اتجاه الرياح لا يُكافئ الوقت التي ستخسره في مدافعة الرياح ومقاومتها عندما تعدو ببطءٍ بالاتجاه المعاكس، وأنّ الفارق الزمني لن يكون في مصلحتك.

كمثال عددي: لنفترض أنك تركض مسافةَ 400 مترٍ، وأن سرعتك 8 م/ثا، وإذا كنا نعلم أن الزمن المستغرَق في قطع مسافةٍ ما يساوي المسافة المقطوعة مقسومةً على السرعة التي قُطعت بها المسافة، فهذا يعني أنك ستقطع/ـين دورةً كاملةً دون تأثير الرياح في 50 ثانيةً (50=400/8).

وفي حال هبوب رياح في أحد اتجاهي الدورة بسرعة 2 م/ثا، عندئذٍ ستصبح سرعتك أثناء قطعك نصف الدورة مع اتجاه الرياح 10 م/ثا (حيث ستزيد الرياح من سرعتك مقدارَ سرعتها)، وستُتِم/ـين نصفَ الدورة الأول بسرعتك الجديدة في 20 ثانيةً (20=200/10)، ولكن عندما ستبدأ/ـين في العَدْو بالاتجاه المعاكس فستصبح سرعتك 6 م/ثا (حيث ستنقص الرياح من سرعتك مقدارَ سرعتها)، وستُتِم/ـين نصف الدورة الثاني في 33.33 ثانية (33.33=200/6)، وتكون/ـين بذلك قد أتممت دورةً كاملةً في 53.33 ثانية. وهنا نلاحظ أنك استغرقت وقتًا أطول في إتمام الدورة أثناء هبوب الرياح.

ولتأكيد الفكرة فحسب، تخيل هبوب رياح قوية كفيلةٍ بأن تضاعف من سرعتك أثناء قطعك للنصف الأول من الدورة، ولكن هذه الرياح ستنقص سرعتك إلى الصفر عندما تحاول/ـين قطع النصف الثاني من الدورة، أي أنك ستراوح/ـين في مكانك، ولن تتمكن/ـي من إتمام السباق حتى. وهكذا قد تكون الرياح وعوامل الطقس الأخرى مُخِلّةً في مستوى الرياضيين الحقيقي، وتزيد من عامل الشك في نتائج السباقات الفردية.

بغض النظر عن حالة الطقس، هل سيكون أسرع شخصٍ في العَدْو رجلاً على الدوام؟

ربما ليس الأمر كذلك! فقد وجد باحثون من جامعة أوكسفورد Oxford أن أزمنة كلٍّ من الرجال والنساء في سباق 100 متر تتناقص بشكل خطي على مدار السنين، وأن أزمنة النساء تتناقص بوتيرة أسرع بكثير من أزمنة الرجال. استنتج فريق البحث أنه إنِ استمر الأمر على هذه الشاكلة التي استمر عليها طوال العقود التسعة المنصرمة فإن النساء سيحتللن الصدارة في سباق 100 متر بحلول عام 2156.

مع ذلك، انتقد علماء الرياضة هذه الاستنتاجات محتجّين بأن السبب وراء تناقص أزمنة النساء يعود لارتفاع وتيرة مشاركاتهن وازدياد فرص تدريبهن ضمن الفترة التي حدث فيها التناقص السريع في أزمنتهن في سباق 100 متر بالمقارنة مع أزمنة الرجال. كما أنهم يفترضون أن حصول الرجال والنساء الآن على فرصٍ متكافئة سيبطئ من وتيرة تناقص أزمنة النساء في سباق 100 متر لتصل إلى وتيرة تناقصٍ مماثلةٍ لتلك التي لدى الرجال. وأشار المنتقدون إلى اختلافٍ جذري بين فيزيولوجية الرجال والنساء بما في ذلك القدرة على حمل الأوكسجين ومستويات الدهون في الجسم، ما يقدم طرحًا معاكسًا لطرح فريق أوكسفورد Oxford، أي إنه لن يصبح أسرع شخص على الأرض امرأةً أبدًا.

هل يُعتبر سباق 100 متر مقياسًا دقيقًا لسرعة العدائين؟

في الواقع، وبالرغم من تسميته بسباق الشخص الأسرع على الأرض، فإن من المشكوك به أن يُعتبر سباق 100 متر إثباتًا على الأداء الأسرع. فقد سجل بولت Bolt رقمين قياسيَّين عالميَّين جديدين في سباقي 100 متر و200 متر في أولمبياد بِكِّينَ عام 2008 في ستادِ Bird's Nest، فقد أتم سباق 200 متر في 19.30 ثانية، وهو أقل من ضِعف الـ9.69 ثانية التي أمضاها في إتمام سباق 100 متر (بالرغم من قطعه ضعف المسافة). هذا يعني أن معدل سرعته كان أكبر في السباق الأطول.

والسبب وراء زيادة معدل سرعته في سباق 200 متر هو عدم خسارته الزمن اللازم للانطلاق من السكون الذي خسره في بداية سباق 100 متر مرة ثانية عند بداية قطعه الـ100 متر الثانية. وبالاستناد إلى السرعة الوسطى على مدار السباق كله، يكون لقب أسرع شخص على الأرض قد انتقل بين عدّائِي 100 متر و200 متر منذ بدء التسجيل.

يتضح هذا الأثر في سباقِ 4x100 مترِ تتابعٍ حيث ينطلق فيه العداؤون الأربعة عدا الأول من بدايةٍ متحركة ليجري كلٌّ منهم مسافة 100 متر. في الـ100 متر الأخيرة من السباق لا يتوجب على عدّائها أن يتباطأ لكي يمرر عصا التتابع لأي أحد، ما يمكّنّه من توفير الزمن الذي يضيع على بقية العدائين عند تمرير العصا. وهذا ما قد يُمكّنّ عدّائِي الـ100 متر الأخيرة من تسجيل أزمنةٍ قصيرةٍ جدًّا. فقد سُجِّلت في عدة حالات أزمنةٌ أقل من 9 ثانية بما فيها الـ8.65 ثانية المضبوطة إلكترونيًّا التي سجلها بولت Bolt عام 2014.

وبالرغم من هذا، فإن أسرع عَدْوٍ بشري سُجِّل كان من نصيب بولت Bolt أثناء قطعه المسافة بين الـ60 والـ80 مترًا في سباق 100 متر في برلين الذي حطم فيه الرقم القياسي بتسجيله 9.58 ثانية، إذ ضُبِطَت سرعته في تلك المسافة بـ44.64 كم/سا. لذلك بالرغم من رقم غالتن Gatlin دون القياسي، لا يزال لقب أسرع رجل على الأرض رسميًّا من نصيب بولت Bolt إلى الآن على الأقل.

المصادر:

هنا