الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

العصر الجليدي القادم - متى الموعد؟ ومن يحدده؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

واجه العلماء مشكلة في تفسير تكرار العصور الجليدية إلا أنهم واثقون من أثر الإشعاعات الشمسية والمناخ والقارات المتجمدة تبعاً لما أظهرته النماذج الحاسوبية. فقد تكررت هذه العصور على كوكب الأرض كل 100,000 عام بقيت خلالها مساحات شاسعة من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا تحت طبقة سميكة من الجليد، وعثر علماء الفيزياء المناخية والجيولوجيا على أدلة قاطعة بهذا الخصوص إلا أن التفسير لم يكتمل بعد.

وتبعاً لنمذجة حاسوبية جرت في العام 2013 بمشاركة يابانية وأمريكية وسويسرية توصل العلماء إلى الأثر الواضح للطبقات الجليدية القارية والمناخ على التبدلات التي تطرأ في تكرار العصور الجليدية. فوجود طبقة جليدية بسماكة 2000 إلى 3000 متراً هو مختلف تماماً عن سطح الأرض الطبيعية الذي نشاهده اليوم مما يعني تغيراً كبيراً في حرارة سطح الأرض وحركة التيارات الهوائية إضافة لمستوى سطح البحر وتيارات المحيطات.

يمكننا الآن إضافة هذه الأسباب إلى ما نعرفه مسبقاً من أثر تغيرات الإشعاع الشمسي الناتج عن حركة الأرض حول الشمس والاختلافات السنوية والمتكررة في شكل مدارها والذي وإن كان ضئيلاً فإنه يتسبب بتأثيرات هائلة عند إجراء المقارنة بين فترات طويلة تمتد عشرات الآلاف من السنوات. ولكن علينا أن نضع في الحسبان عدم وجود أدلة قوية على أن التكرار في تغير مدار الأرض حول الشمس يحدث مرة كل 100,000 مما منع العلماء من جعله السبب الأوحد لتكرار العصور الجليدية حتى حين إجراء النمذجة الحاسوبية عام 2013.

يتميز النموذج الحاسوبي الذي استخدمه الباحثون بأنه الأول الذي كان قادراً على تمثيل امتداد الطبقات الجليدية على النصف الشمالي من الكرة الأرضية، آخذاً بالحسبان بياناتٍ فلكية وطبوغرافيا الأرض الطبيعية وآلية حركة الجليد إضافة لأثر المناخ السائد ضمن الظروف العصر الجليدي. وبلغت الفترة التي تم تمثيلها عبر هذا النموذج 400,000 عام من عمر الكرة الأرضية.

فسر النموذج السبب الذي يجعل العصور الجليدية تبدأ ببطء وتنتهي بسرعة، فتراكم الكتلة الجليدية يستغرق عدة عشرات الآلاف من السنين في حين أن تراجعها يستغرق بضعة آلاف فقط. حيث أن امتداد أو تقلص الصفائح الجليدية لا يتوقف فقط على الهطولات ودرجة حرارة السطح، بل يبرز هنا دور المناخ السائد أثناء العصر الجليدي إضافة للمساحة التي تمتد عليها الكتلة المتجمدة. فكلما ازدادت الكتلة الجليدية ستحتاج إلى مناخ أكثر برودة للحفاظ عليها. ففي حال كانت الكتل الجليدية أصغر لن يكون المناخ الأكثر حرارةً قادراً على إذابتها، أما عندما تمتد الكتل الضخمة وتقترب أكثر من خط الاستواء فإن فترةً دفءٍ لا تتجاوز عدة آلاف من السنين ستكون قادرةً على إذابة قسم كبير منها لتنذر بانتهاء العصر الجليدي.

دورة ميلانكوفيتش:

يعود التفسير الأول لتناوب العصور الباردة والحارة على كوكبنا إلى عالم الرياضيات الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش (1879-1958) حيث قام بحساب التغير في مدار الأرض حول الشمس وأثره على الإشعاعات التي تصل كوكبنا. وقام بتوصيف هذه التغيرات الدورية كمزيج من عدة دورات:

- تأرجح ميلان محور دوران الأرض حول نفسها بمقدار درجتين ... يستغرق 41000 عام (الشكل 1) أدناه

- محور الأرض نفسه يدور حول محور وهمي ويستغرق نحو 26,000 عام لإتمام دورة كاملة (الشكل 2) أدناه

- تغير مدار الأرض حول الشمس ويستغرق 100,000 عام (الشكل 3) بطريقتين:

o يكون أشبه بقطع ناقص أو بيضوي وتتغير أبعاد أقطاره ليصبح أشبه بالدائري.

o دوران قطري القطع الناقص حول الشمس في نفس المستوي مما يتسبب في انتقال الموعد الذي تكون في الأرض أقرب ما يمكن للشمس عبر أيام السنة كل 20,000 عام.

الشكل (3)

جدير بالذكر أن نظرية ميلانكوفيتش حول أثر هذه الدورات على العصور الجليدية والدافئة لم تنل القبول في المجتمع العلمي حتى العام 1970 عندما بدأت الأدلة بالظهور من الرسوبيات البحرية والطبقات الجليدية.

أثر التيارات العابرة للمحيطات:

شهد العصر الجليدي الأخير تذبذباً في درجات الحرارة ومن المثير للاهتمام أنن ذلك لم يحدث بالتوافق بين شمال الكوكب وجنوبه فمع ارتفاع الحرارة في غرينلاند انخفضت في القطب الجنوبي والعكس بالعكس ووجد العلماء أن التيارات المحيطية تلعب دوراً هاماً في ذلك، وأهمها التيار الأطلسي الاستوائي الجنوبي.

جدير بالذكر أن التيارات المحيطية تعمل كناقل للمياه والحرارة من المناطق الاستوائية شمالاً وجنوباً كما هو موضح في الشكل (4).

الشكل (4) تيار الخليج مثلاً يقوم بنقل المياه السطحية الدافئة شمالاً بينما تتحرك المياه الباردة العميقة جنوباً G. GRULLÓN/SCIENCE

عند توقف هذه التيارات يتوقف النقل الحراري عبر المحيطات لتنخفض الحرارة في الجزء الشمالي وترتفع في القسم الجنوبي من الكوكب. وهذا ما حدث عدة مرات قبيل العصور الجليدية السابقة. ولا يزال السبب وراء تباطؤ أو توقف هذه التيارات غير واضح كلياً، ويعزوه بعض العلماء إلى ما يعرف باسم حدث هينريش حيث تحرّر الجبال الجليدية الكندية الضخمة كميات هائلة من الجليد إلى المحيط الأطلسي مما يتسبب بارتفاع منسوب سطح البحر بنحو 10 أمتار وتتسبب الكميات الهائلة من المياه الباردة والعذبة باضطراب وتوقف التيارات المحيطية لفترة تمتد حتى 1500 عام. قد لا يحدث ذلك بالسرعة التي اقترحها الفيلم " The Day After Tomorrow " إلا أن ذلك قد حدث بالفعل في عصور جليدية سابقة.

التغير المناخي الذي صنعه الإنسان قام بتأجيل العصر الجليدي المقبل:

يحذرنا الباحثون مراراً وتكراراً من الأثر الذي نتركه على مستقبل البيئة على كوكبنا، ويبدو تبعاً لدراسة جديدة أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد كبتت إلى حد كبير العصر الجليدي المقبل الذي كان من المفترض أن يشهده كوكب الأرض.

وتبعاً لمعهد بوتسدام لدراسة آثار التغيرات المناخية فإنه حتى بدون تدخل الانسان كان علينا الانتظار 50,000 عام للعصر الجليدي المقبل أما مع كميات إضافية من CO2 في الغلاف الجوي سيكون علينا الانتظار 50,000 عام أُخرى.

من المثير للدهشة أن البشرية قادرة على عرقلة عمليه طبيعية بهذه الضخامة علماً أنها ساهمت بجعل عالمنا على ما هو عليه الآن. ويجب علينا أن نأخذ ذلك على قدر عال من الأهمية، فالعصر الجليدي كان له دور هام في مسار التطور الذي سلكته الحضارة الإنسانية وعلى سبيل المثال ساهم العصر الجليدي في خصوبة التربة التي نعيش عليها وتشكيل تضاريس الأرض من جبال وبحيرات وأنهار، أما الآن وعلى ما يبدو فإن الإنسان واستهلاكه للوقود الأحفوري هو ما سيحدد مستقبل البشرية.

المصادر:

هنا

هنا

هنا