الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

سوريٌّ مبدع يكشف خفايا نواة التمر

استمع على ساوندكلاود 🎧

اهتمّ الدكتور هنانو في مشكلة كيفيّة إزالة السموم المعروفة باسم الديوكسينات وهي ملوّثاتٌ عضويّة ونواتج ثانويّة عن العمليات الصناعية، موجودة في العديد من المناطق حول العالم، تدخل السلاسل الغذائية للإنسان عن طريق المواشي والأسماك أو مياه الشرب من المناطق الملوثة. تتراكم في جسم الإنسان مؤديةً إلى مشاكلَ في الإنجاب والتطور وتلف جهاز المناعة والسرطان، يمكن أن تتراكم في المجاري المائيّة والتربة بسبب التلوُّث الصناعي أو الحروب، ذاع صيتُها أيام الحرب الفييتنامية في ستينيّات القرن الماضي، عندما قام الجيش الأمريكي بِرَشِّ كميّاتٍ كبيرةٍ من مبيدات الأعشاب الحاوية على الديوكسينات والمُسمَّاة "العامل البرتقالي" على الريف من أجل إزالة الغطاء النباتي، مما أدّى إلى تعرّض آلاف الفييتناميين لهذه السموم التي سببت أمراضاً خطيرةً وتشوّهاتٍ خلقيةً ما تزال آثارها ظاهرةً إلى يومنا هذا.

أما أكبر المشاكل في محاولة إزالة الديوكسينات من البيئة هي عدم ذوبانها في المياه، أي لا يمكنُ جرفُها ببساطة، ومن هنا رصدَ الدكتور هنانو فرصةَ إمكانيّة استخدام بذور (نوى) التمر التي تحتوي على كميّاتٍ ضئيلةٍ وذات أهميّة من الزيت، يمكن استخراجُها بالضغط. وعادة ما يُستَخدَم هذا الزيت بعد معالجته لصنع الصابون وغيره من منتجات التجميل، لكنّه أدركَ أنّ زيت البذور كان مُغلّفاً في هياكلَ مستقرّة للغاية تُدعى قطيرات الدهون* التي تغطّيها طبقة من البروتينات الخاصّة تساهم في استقرارها. وكل قطرة محاطة بغشاء يتكوّن من مادة تُدعى فوسفوليبيد جاذبة للمياه على عكس الزيت، وتمكِّنها من تشكيل مستحلبات مستقرّة إلى حدٍّ كبير، ومن هنا تكهّنَ أنّ هذه المستحلبات الزيتيّة قد تجذب الديوكسينات وتزيلها من البيئة، بلعبها دورَ مغناطيسٍ جزيئيّ.

كان التحدّي الأوّل هو الحصول على قطيرات الدهون من نَوَى التمر القاسية، وتطلّبَ هذا إغراق البذور في المياه لمدة أسبوعين لإلانتها ثم طحنها و تثفيلها لاستخراج القطيرات على شكلِ مستحلبٍ قشديّ. كانت المرحلة التالية إضافة هذا المستحلب إلى المياه / خليط المذيبات التي تحتوي على مادة الديوكسين الأكثر شيوعاً والأكثر سميّةً، TCDD (2,3,7,8-tetrachlorodibenzo-p-dioxin ). كانت النتائج مثيرة وفاقت كلّ التوقعات، إذ في غضون دقيقةٍ واحدة، قد أزيلت الديوكسينات كلُّها تقريباً من المحلول وانتقلت إلى قطيرات الدهون ولم تشكّل أغشية الفوسفوليبيد أي عائقٍ لمرور الديوكسين الذي تراكمَ في المجال الزيتي. وكان ذلك بدايةً لعدّةِ أشهرٍ من البحث المُكثَّف من قِبَل مختبراتٍ في سوريا وفرنسا والمملكة المُتّحدة، ويهتمّ الباحثون الآن في التطبيقات العمليّة لهذا الشكل الجديد من التكنولوجيا الحيويّة البيئيّة. وواحدة من أفكار الدكتور هنانو هو استخدامُها في المزارع السمكيّة حيث المستويات الأعلى من الديوكسينات في المياه الساحلية (بالمقارنة مع المحيطات المفتوحة) ممّا يمكن أن يؤدّي إلى تراكماتٍ كبيرة للديوكسين في الأسماك والمحار. يمكن تمرير المياه في خراطيش تحتوي على مستحلبات قطرات الدهون لبذور التمر من أجل إزالة الديوكسينات، الّتي يمكن حرقها لاحقاً.

وعلى المدى القصير، يأملُ الباحثون استخدامَ هذه التكنولوجيا للمساعدة في تنظيف أعدادٍ ضخمةٍ من المواقع الملوّثة في سوريا التي تمّ إنشاؤها خلال النزاع الحالي. أمّا على المدى الطويل، فهم مهتمُّون في استخدام هذا النّوع من العلاج الحيويّ لمعالجة السموم الأخرى في جميع أنحاء العالم. مما يثبت أنّ أشجار النخيل، هي أكثر فائدة ممّا كان أجدادُنا يتصوّرون أيضاً.

هامش:

(*)قطيرات الدهون lipid droplets: هي عضيات توجد داخل معظم الخلايا، لديها أدوار أساسية في عملية الاستقلاب، تعمل على تخزين المدخرات ذات الأساس الزيتي اللازمة لاستقلاب الطاقة والتي تشكل أيضاً المكونات الدهنية للغشاء.

المصادر:

Abdulsamie Hanano, Ibrahem Almousally, Mouhnad Shaban, Farzana Rahman, Elizabeth Blee and Denis J. Murphy; Biochemical, Transcriptional, and Bioinformatic Analysis of Lipid Droplets from Seeds of Date Palm (Phoenix dactylifera L.) and Their Use as Potent Sequestration Agents against the Toxic Pollutant, 2,3,7,8-Tetrachlorinated Dibenzo-p-Dioxin; Front. Plant Sci., 08 June 2016 هنا

Abdou Rachid Thiam, Robert V. Farese Jr & Tobias C. Walther; The biophysics and cell biology of lipid droplets; Nature Reviews Molecular Cell Biology 14, 775–786 (2013) هنا

هنا

هنا

هنا