كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "بطلٌ من هذا الزمان".. أيُّ بطلٍ وأيُّ زمان؟!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تبحث أثناء قراءتك للرواية عن (بطل) من هذا الزمان وَعَدك به عنوانُها، لكنك تكتشف بالتدريج أنّ هذا العنوان يحمل نبرةً ساخرة تستهزئُ بكل مَن يتمسّك بالمعنى الحرفيِّ للكلمات، وهو ما تعمّد فعلَه ليرمنتوف حينما صوّر لنا رجلًا (هو: بيشورن) يجمع في صفاته جميع شرور هذا الزمان وخطاياه، كما وصفه، ثم أطلق عليه لقب البطل؛ فهو بطلٌ ذو مواهبَ عدّةٍ لكنها ضائعة، وذو أسلوبٍ ساخر وغيرِ مبالٍ يتسبّب في أذيّة كلِّ مَن حولَه.

«إني لَأشعرُ بنَهَمٍ في نفسي لا يشبع، يلتهمُ كلَّ ما يصادفه على الطريق. ولا أنظرُ إلى آلام الآخرين وأفراحهم إلّا من ناحية صلتها بي، أيْ على أنها غذاءٌ لنفسي».

تتعقّب الروايةُ رحلة بيشورن الضابط في الجيش، في مغامراته في القوقاز، وتكشف لنا هذه المغامراتُ شخصيّتَه البايرونيّة (وهو وصف مشتقّ من اسم الشاعر لورد بايرون، ويعني الشخصيّةَ الغامضة والرومانسيّة)، من خلال قصة وقوعه في حبِّ بيلا، وسعيِه للحصول عليها، ثم ملاحقتِه للمهرّبين، وأخيرًا تقرُّبِه من الأميرة ميري رغم علاقته القائمة مع حبِّه القديم فيرا. تُظهر هذه القصصُ تناقضًا كبيرًا في شخصية بيشورن، يزداد وضوحًا حين يروي مذكِّراتِه بنفسه، فيتسنّى لنا أن نطّلع على خفاياه، إذْ يَظهرُ لنا ساخرًا وحسّاسًا في آنٍ واحد، يملؤه الغرورُ والاستخفاف بمشاعر الآخرين، خاصة في علاقاتِه بالنساء؛ فهو لا يرى لمشاعرهنّ أيَّ معنًى، ويرفض الاعتراف بمشاعره تجاهَهُنّ، إلا أنه يُطْلِعُ القارئ في كثير من الأحيان على أفكاره عن معنى الحياة وحتْميّةِ الموت، ضمن سرد فلسفيٍّ ذاتيٍّ عميق.

«حياتي كلُّها لم تكن إلا نسيجًا من المتناقضات الحزينة الشقيّة بين عقلي وقلبي؛ يكفي أن أرى شخصًا متحمّسًا حتى أصبحَ باردًا كالثلج! وأعتقد أنني إذا عاشرتُ شخصًا بارد العاطفة رَخْوًا، أصبحت من أشدِّ الحالمين جُموحَ هوًى».

كتب ليرمنتوف الروايةَ بطريقة الروايات المنفصلة، وتتألّف من خمس قصص قصيرة لراويين قابَلَا بيشورن وتكلّما عنه، إضافةً إلى مذكِّرات بيشورن ذاتِه، والتي نقرؤها في غالب صفحات الرواية. يروي القسمَ الأولَ راوٍ شابٌّ غيرُ معرَّف باسم، يلتقي أثناء سفره عبر جبال القوقاز بالنقيب في الجيش مكسيم مكسيمتش، والذي أمضى وقتًا لا بأس به متمركزًا في القوقاز. ثم يروي مكسيم القسمَ الثاني من الرواية، ويسرد مغامراتِه مع بيشورن، ومن خلالها يَظهر إعجابُه الكبير به. إلا أنه وفي لقائهما الأخير، يَلقى معاملة جافّة من بيشورن؛ فيصاب بالإحباط، ويعطي مذكِّراتِ بيشورن للراوي لينشرها فتشكّل لنا القسم الأخير من الرواية. من الجدير بالذكر أنّ هذه القصصَ غيرُ متسلسلة زمنيًّا، ويَفتح هذا الأسلوبُ البابَ للمقارنة بين ما يرى الآخرون بيشورن عليه، وبين ما تكشِفُه عنه مذكِّراتُه، والتي توثّق صراعًا نفسيًّا فريدًا يَجري داخلَه، كما تعطينا بعضُ الأحداث المتأخرة في حياة بيشورن، والتي نقرأ عنها باكرًا في الرواية؛ مبرِّرًا لتبدُّل شخصيّتِه وَفقًا للأحداث الجارية في حياته.

إضافةً إلى التحليل النفسيِّ لبيشورن، تقدّم الروايةُ للقارئ وصفًا ساحرًا للمناظر الطبيعيّة والمساحات الجبليّة الشاسعة، خلال شتاءٍ يُبرز جمالَ القمم المكسوّة بالثلوج، وتمرُّدَ الطبيعة التي لا يمكننا إلا أن نرى فيها انعكاسًا لشخصيّة بيشورن.

هذا وتعدّ روايةُ ليرمنتوف المثالَ الأول في روسيا للرواية النفسيّة. نُشرت عامَ 1840، وتركت أثرَها على تولستوي ودوستويفسكي وتشيكوف وغيرِهم من كتّاب القرنِ التاسعَ عشرَ البارزين.

معلومات الكتاب:

الكاتب: ميخائيل ليرمنتوف.

ترجمة: سامي الدروبي.

دار النشر: دار رادوغا، موسكو.

تاريخ النشر: 1984.

عدد الصفحات: 355 صفحة.