التعليم واللغات > اللغويات

اللّغاتُ المختلطةُ

استمع على ساوندكلاود 🎧

لعلكَ لا تستغربُ وأنتَ تسمعُ صديقكَ يعتذرُ عن فنجانِ Cappuccino لأنًّهُ "Already" شربَ شاياً. الـlike، و الـComment ، و الـShare ، كلماتٌ نراها مكتوبةً ونسمعها ونستخدمها كلَّ يومٍ، حتى نبتت على لساننا وكأنَّها جزءٌ من كلامنا العربي. يحلُّ اليومَ ‹ Computer › محلَّ الحاسوبِ، وأصبحتِ الإنترنت ‹ Internet › والحاسوب المحمول ‹ Laptop › وجهازُ العرضِ ‹ Data show › كلماتٌ مستساغةٌ لدينا. إذاً، كيفَ نخلطُ بينَ اللغاتِ ولماذا؟ ما هي اللغاتُ المخلوطةُ وكيفَ تكونت؟

يُقال "اللغةُ مرآةُ العقلِ، وحينَ تسمو الشعوبُ بتفكيرها فإنَّها تُحسِّنُ أداءَ لغتها". هناكَ اعتقادٌ سائدٌ بوجودِ لغةٍ قديمةٍ كانت متداولةً ومكونةً من موادٍ موحّدةٍ يتكلمها ويفهمها كلُّ العالمِ. إلا أنَّ هذا الأمرَ يصعبُ إثباتهُ في تاريخِ البشريةِ، فمنَ المرجحِ وجودُ عدَّةِ ألسنٍ باختلافِ أجناسِ الناسِ وتوزيعهمُ الجغرافي.

يعدُّ نظامُ اللغةِ نظاماً مركباً مرناً، فهوَ قادرٌ على الحفاظِ على هيكليتهِ ولكنَّهُ يتمتعُ أيضاً بقابليةٍ فائقةٍ للاستيعاب، وبالتالي فهوَ نظامٌ متجددٍ. وحسبَ تعبيرِ اللغويِّ الألمانيِّ (هومبولد) فإنَّ اللغةَ تعملُ من خلالِ وسائلَ محدودةٍ باستخداماتٍ غيرِ محدودة. فهي تعملُ عن طريقِ وحداتٍ دلاليةٍ مرنةٍ ألا وهيَ الكلمات، وبواسطةِ قواعدِ ربطٍ مرنةٍ أيضاً (قواعدُ النحوِ). وهكذا فإنَّ هذا الهيكلَ، أي المفرداتِ والنحو، هوَ مايعرفُ بوسائلِ اللغةِ المحدودةِ ذاتِ الاستخداماتِ اللامحدودةِ.

يعدُّ الاختلاطُ اللغويُّ أمراً ملازماً للغاتِ في مختلفِ العصورِ، فإذا تجاورتِ اللغاتُ اختلطت وتلاقحت وتأثرَ بعضها ببعضٍ. وما من لغةٍ تتطورُ بمعزلٍ عن أيِّ تأثيرٍ خارجيٍّ، فالاحتكاكُ اللغويُّ ضرورةٌ تاريخيةٌ، وذلكَ لأنَّ اختلاطَ الأممِ والشعوبِ سُنةٌ كونيةٌ لا مناصَ منها، فرضتها دوافعٌ وأسبابٌ كثيرةٌ، منها عواملٌ ماديةٌ واقتصاديةٌ ولغويةٌ وثقافيةٌ واجتماعيةٌ ودينيةٌ وحضارية، وباختلاطِ الشعوبِ اختلطتِ اللغاتُ.

يسمى الشخصُ المتحدّث للغتين ثنائيُّ اللغةِ، أو متعددُ اللغاتِ إذا ما كانَ مجيداً للغتينِ أو أكثر، ويكونُ تعددُ اللغاتِ نتيجةً لأسبابٍ وعواملَ عديدةٍ، مثلَ الاستعمارِ والزواجِ والتعليمِ، أي الاحتكاكُ والتفاعلُ معَ ثقافاتٍ أخرى. وكما نعلمُ جميعاً فلا شكَّ أنَّ كلَّ لغةٍ قد مرت بمراحلَ عديدةً قبلَ أن تتطورَ وتكونَ على الصورةِ التي بينَ أيدينا اليوم.

اقتراضُ الكلماتِ هوَ أحدُ السلوكياتِ اللغويَّةِ الممارسةِ والشائعةِ. فعندَ حدوثِ اتصالٍ طويلٍ بينَ لغتينِ أو لهجتينِ مختلفتينِ، فإنَّهُ غالباً ما يحدثُ اقتراضٌ للكلماتِ، وذلكَ إمّا باستخدامِ ترجمةٍ حرفيةٍ للتعابيرِ أو بالاستفادةِ مما يُعرفُ بـ "التناوبِ اللغويِّ"، ونتيجةً لذلكَ، تكوّنت لدينا لغاتٌ تسمّى بـ "اللغاتِ المختلطةِ".

مصطلحُ "اللغاتِ المختلطةِ" يعني أن ندمجَ في كلامنا بينَ لغتينِ أو أكثرَ، أو لهجتينِ أو أكثرَ، وهوَ مصطلحٌ يتشابهُ شكلياً معَ ما يسمى بـ "التناوبِ اللغويِّ" ويستخدمُ اللفظانِ في أحيانٍ كثيرةٍ للدلالةِ على الشيءِ عينهِ، لكن هناكَ من يضعُ فرقاً بينهما، ففي حينِ يشيرُ مصطلحُ "التناوبِ اللغويِ" إلى انتقالِ المتكلمِ من نظامٍ نحويٍّ إلى نظامٍ آخرَ، فإنَّ مصطلحَ "خلطِ اللغاتِ" يشيرُ إلى تكوينِ صيغةٍ هجينةٍ، مستخلصةٍ من قواعدٍ نحويةٍ مختلفةٍ. فخلطُ اللغاتِ يهتمُّ ببنيةِ اللغةِ ونواحيها الشكليةِ، بينما يُعنى "التناوبُ اللغويُّ" بالأداءِ فقط.

تتشابهُ اللغاتُ المخلوطةُ أيضاً وتختلفُ عن لغاتِ الرطانةِ أوِ اللغاتِ المبسطةِ (Pidgins). إذ تتكونُ في الحالتينِ لغةٌ جديدةٌ نتيجةً لدمجِ لغتينِ أو أكثرَ، إلا أنَّ لغاتِ الرطانةِ تكونُ بينَ مجموعاتٍ ليسَ بينها أيُّ لغةٍ مشتركةٍ. كما تختلفُ اللغةُ المخلوطةُ عن الكريول (Creole) والتي ليست سوى لغةِ رطانةٍ نشأت ثمَّ أُصِّلت كلغةٍ منفصلةٍ.

وجديرٌ بالذكرِ أنَّ مفرداتِ اللغةِ المختلطةِ لا تختلفُ دلالاتها واستعمالاتها كثيراً عن اللغتينِ المصدرينِ، لكن ولأنَّ العناصرَ المختلطةَ تخضعُ لأنظمةٍ نحويةٍ تحددُ عناصرَ اللغةِ المصدر المسموحِ بها، فإنَّ التنوعاتِ والترادفاتِ فيها قليلةٌ وذلكَ بسببِ خضوعها للقواعدِ النحويّةِ .

كانت ولازالت ازدواجيةُ اللغةِ أمراً عادياً في تاريخِ حضاراتِ العالمِ، فنجدُ اللغةَ الأقوى مكانةً والأكثرَ غزارةً ثقافياً ولغوياً هي الأكثرَ تأثيراً. اليوم، ونحنُ في زمنِ العولمةِ ليسَ لأيِّ لغةٍ في العالمِ أن تحافظَ على نقائِها المطلق، والانجليزيةُ اليوم وبلا جدالٍ هي اللغةُ العالميَّةُ الأولى والتي تعملُ بمثابةِ اللغةِ المشتركةِ (lingua franca). فيما يلي قائمةٌ باللغاتِ التي تأثرت واختلطت بالإنجليزية:

الأسبانيَّةُ + الإنجليزيَّةُ = سبانجليش.

تعتبرُ السبانجليش لغةَ كريول ويُتحدثُ بها في مدنٍ مختلفةٍ من الولاياتِ المتحدةِ، وخاصةً في نيويورك وميامي ولوس انجليس. كما انها تستخدمُ على نطاقٍ واسعٍ في بورتوريكو.

الروسيَّةُ + الإنجليزيَّةُ = رشلش | رنجلش

لا يعدُّ هذا المصطلحُ معروفاً داخلَ المجتمعِ الناطقِ بالروسيَّةِ. فلا تتحدثُ بهِ سوى مجتمعاتٍ صغيرةٍ ثنائيةِ اللغةِ وُجدت أساساً في مدينةِ نيويورك. ومع ذلكَ فهيَ واحدةٌ من اللغاتِ المستخدمةِ في محطةِ الفضاءِ الدوليَّةِ ناسا، حيثُ يُشترطُ على أعضاءِ الفريقِ إجادةَ لغتينِ على الأقلِّ، ويحدثُ أنهم يبدلونَ بعضَ المصطلحاتِ من لغةٍ لأخرى عندما تكونُ كفاءتُهم غيرَ كافيةٍ في إحدى اللغتينِ.

لغةُ الملايو + الإنجليزيَّة + الكانتونيَّة = سنقلش.

تُعرفُ أيضاً باسمِ العاميَّةِ السنغافوريَّةِ الإنجليزيَّةِ، ولم يلقَ استخدامُ هذا الخليطِ الغريبِ منَ اللغاتِ ترحيباً شعبيّاً، بل ولفتَ أنظارَ الحكومةِ فأسَّست حملةً لمكافحةِ هذهِ اللغةِ المختلطةِ في جميعِ أنحاءِ البلادِ.

اللغةُ الإنجليزيَّةُ + الفرنسيةُ = فرانقلش

على الرغمِ من الكبرياءِ اللغويِّ المعروفِ الذي تتمتعُ بهِ الفرنسيّةُ ، تعدُّ الفرانقلش التي تستخدمُ الكلماتِ الإنجليزيةِ في تعابيرٍ وصياغاتٍ فرنسيةٍ بالفعلِ جزءاً من ثقافةِ الـ"بوب" بينَ الأجيالِ الشابَّةِ. ومن ناحيةٍ أخرى، فهناكَ من يعتقدُ أنَّ التحدثَ بالفرانقلش والخلطَ بينَ اللغتينِ سببهُ العوزُ وعدمُ الكفاءةِ في احداهما.

هناكَ العديدُ منَ الأسماءِ الأخرى للغاتٍ مختلطةٍ تأثرت ببعضها، والتي لا تعتبرُ لغاتاً مرموقةً بل غالباً ما تحملُ معانيَ سخريةٍ و ازدراءٍ وتكونُ محطَّ استهزاءِ الكثيرينَ. منها:

صينجليزيَّة "تشينجليش" (خلطٌ بينَ الصينيَّةِ والإنجليزيَّةِ) ، ألمانجيليزيَّة "دينجليش" (خلطٌ بينَ الألمانيَّةِ والإنجليزيَّةِ) ، هولنجليزيَّة "دونجليش" (خلطٌ بينَ الهولنديَّةِ والإنجليزيَّةِ) ، "انجلوج" (خلطٌ بينَ الفليبينيَّةِ والإنجليزيَّةِ)، "فرانبونيس" (خلطٌ بينَ اليابنيَّةِ والإنجليزية).

وبعدَ أن قرأتَ المقال، أخبرنا عنِ الكلماتِ التي تستخدمها تلقائياً من لغاتٍ أخرى والتي أصبحت جزءاً أساسياً من طريقةِ كلامك.

المصادر:

هنا

Akmajian، A، et al. (2001). Linguistics: An Introduction to Language and Communication. USA: Library of Congress Cataloging-in-Publication Data.