الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن

زيارة إلى متحف MET نيويورك، لوحةُ آدم وحوّاء لــ ألبرخت دورر

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما كان الفضول ينخرعقولنا تجاه آدم وحواء وما وراء قصتهم إذ تتوارد إلى أذهاننا فور سماعنا بـ "آدم وحواء" قصص الكتب المقدسة أو تلك القصص الأخرى التي تناقلتها الأجيال لتصور لنا رؤية معينة عن آدم وحواء. ومن هنا انبثق اهتمام الرسام الألماني ألبرخت دورر في إثبات إيمانه نحو الجسد البشري الذي ينطوي على جملة من الأسرار فاتجه إلى القيام بعملية تحليل هندسي وقام بترتيب أجزائه وفق حسابات عديدة للوصول إلى بنية جديدة له تتميز بنسب تجريدية صافية. قادت الاهتمامات والنزوعات دورر الذي كان أسير النظريات الهندسية السائدة إلى تشكيل الجسم الإنساني في الدوائر والمربعات والمثلثات المتشابكة والمتداخلة.

يعد ألبرخت دورر واحد من أهم رسامي عصر النهضة الألمانية الذين اهتموا برسم الموضوعات الدينية بشكل كبير حيث قدّم السلسلة الأهم من أعماله الدينية بداية بلوحة نهاية العالم طريقة الحفرالمطبوع بوساطة الخشب قبل بلوغه سن الثلاثين ولوحة نهاية العالم بالإضافة إلى لوحة حياة السيدة العذراء إلا أن الشغف الكبير لدى ألبرخت تجاه الجسد الإنساني العاري دفعه إلى تقديم ورسم العديد من اللوحات التي تمرد فيها على تلك الحقبة ولم يقتصر اهتمامه على الجسم الإنساني بل تعداه إلى الطبيعة فمزج في رسمه بين الواقع والخيال كما هو الحال في لوحته "آدم وحواء" التي رسمها عام 1504 الذي يعيد فيها صياغة بداً الخلق والفكرة المحفورة في أذهاننا عن "آدم وحواء" بأسلوبه الخاص من الفروق الدقيقة في المعنى والإبداع الفني.

تعد لوحة "آدم وحواء" مزيجاً متداخلاً من موهبته الفذة وخبرته الكبيرة التي تماهت فيها التأثيرات الدينية والطبيعية إذ نرى آدم وحواء يقفان وسط غابة كثيفة الأشجار وداكنة والتي تبعد كل البعد عن الغابات المذكورة في سفر التكوين وكما هو ملاحظ تحيطها الأشباح والشياطين بسوداوية وتدخل فيها الزخارف الخارجية من الخشب.

الرمزيات التفصيلية في اللوحة:

فعلى الرغم من برودة الغابة البادية إلينا إلا أنه يظهر جسدان عاريان يقفان في وضعية تعارض كلاسيكي متزن حيث يتم إزاحة وزن الجسم على قدم واحدة بشكل منسجم مع التغير الحركي في الوركين والكتفين في هيئة قادرة على الحركة إلا أنها تقف مكانها فيما رؤوسهم ملتفة إلى الجانب بوضعية لاينظر كليهما إلى الآخر هذا التحوير في التفاتة الرأس ووضعية الجسد يمنح اللوحة طابع فني عالٍ إلا أن وضعية التعارض تتضارب بصورة واضحة مع الجزء الآخر من طريقة وقوفهم بيد أن ذلك يشكل نمطاً من التناقضات الجمالية في جميع أنحاء اللوحة.

يتولد للناظر إلى الشجرة في الوهلة الأولى شعور بالجمال الغامض وعند التدقيق في تفاصيلها تجدها غريبة بوضوح ملحوظ إذ ترى حواء تقوم بقطف التفاحة من شجرة بأوراق التين وطائر الببغاء الاستوائي يقف على جذع الشجرة من اليسار بالإضافة إلى ستة أنواع مختلفة من الحيوانات تقف بصورة لامبالية في جهات مختلفة من اللوحة. فالأيل يقف في المنتصف خلف الشجرة والثور يجلس خلف حواء على جهة اليمين بينما الماعز يقف على حافة الجبل على جهة اليمين في أعلى الصورة بينما يُرى الأرنب جالساً بشكل غير ملحوظ إلى الجانب الأيسر لحواء. وتجد كل من القط والفأر جالسين أمام آدم وحواء لتهب هذه التفاصيل الدقيقة اللوحة سمة الحيرة.

في خضم هذه التفاصيل ننتقل إلى الجذع الذي يحمله آدم بيده اليسرى والذي يتدلى منه إشارة تعريفية كُتب عليها باللغة اللاتينية اسم الرسام ألبرخت دورر واسم مدينته التي ولد بها "نورمبرغ" في ألمانيا ليثبت بذلك اعتداده بنفسه وعشقه لذاته وشدة نرجسيته حيث عكف دوررفي أغلب لوحاته أن يضع جملة له ليبلغ فيها قمة الإتقان والروعة الفذيّة والتعبيرية مما يجعلنا نتسأل ماذا يفيد مزيج كهذا في قصة آدم وحواء؟

الابتعاد عن سفر التكوين

نجد الإجابة أن اللوحة تروي لنا في المقام الأول عن عصر النهضة في المانيا وعن دورر نفسه منفصلاً في نظريته عما جاء سفر التكوين رسم الشخصيات الإنسانية متماهياً بالتأثيرات الألمانية واليونانية والرومانية الكلاسيكية مستنداً إلى المهندس المعماري الروماني فيتروفيوس حول مقاييس نسب الوجه. فالمسافة من الجبهة إلى الذقن تحديد النسب المثالية لبقية الجسم. يضحي دورر بمذهبه الطبيعي في الرسم ليظهر براعته في إتقان نسب فيتروفيوس.

الرموز

كانت الببغاوات الإستوائية الملونة موضع اهتمام في ألمانيا وكانت رموزاً للفن. إضافة لاعتقادهم أن صوت الببغاء يبدو للسمع مشابهاً لعبارة "إيفا - أفي" التي تعني "السلام عليك يا مريم العذراء".

ترمز الحيوانات الأخرى الأيل والثور والأرنب والقط إلى تجسيد المزاجات الأربعة (الأخلاط الأربعة) للانسان وشخصياته المختلفة التي ترتبط مع سوائل معينة في الجسم كما في التوضيح التالي:

- الأيل: السوداوية والكآبة - الصفراوية السوداء

- الثور: البرود واللامبالاة – البلغم

- الأرنب: دموي المزاج – الدم

- القط: سريع الغضب ومشاكس – الصفراوية الصفراء

لكن آدم وحواء هما الوحيدان في اللوحة اللذان يحققان التوازن المثالي داخلياً وذلك أنه بعد السقوط يسود شعور واحد لديهما في رمي جميع الأمزجة بعيداً إلى اللاتوازن.

تدل الحيوانات الهادئة التي رسمها دورر على لحظة كمال في الحديقة حيث لا يطارد القط الفأر والماعز تقف على حافة الجبل ( كما كبش الفداء في الكتاب المقدس).

رسم هذه اللوحة: ألبرخت دورر – Albercht Dürer

تاريخ الرسم: عام 1504 م

الحجم: متوسط

الأبعاد: ( 25.1 * 20 سم )

نوع المواد: نقش – رسومات

التصنيف: رسومات

قسم: الرسومات والمطبوعات (145.939)

الرقم التسلسلي للوحة في المتحف: 19.73.1

المصادر:

هنا

هنا

هنا