علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

لماذا نخاف من الوقوع في الحب؟!

استمع على ساوندكلاود 🎧

العديد من البشر يخافون حقًا من تجربة الحب ولأن مخاوفنا تُظهر نفسها بطرائق عديدة وتَظهر في مراحل مختلفة في أثناء العلاقة؛ لذلك نبني أسوارًا دفاعية نظنُّ أنها نوعًا ما سوف تحمينا من الأذى، وهذه الدفاعات قد تضعنا في وهم كاذب عن الأمان وطمأنينة النفس وتمنعنا فحسب من القرب من الآخر على النحو الذي نرغب فيه.

إذن؛ ما الذي يُحرِّك مخاوفنا من التعمق في علاقاتنا؟! وما الذي يمنعنا من إيجاد الحب وإبقائه بالطريقة التي نقول أننا سنحب بها؟!

أن نحب شخصًا بصدق يجعلنا نحس بأننا قابلون للجرح والكسر:

إن العلاقة العاطفية الجديدة هي دولة غير مكتشَفة ومعظمنا لديه تلك المخاوف الطبيعية من المجهول، وترك أنفسنا نقع في الحب يعني أننا نخاطر مخاطرة حقيقية ونحن بذلك نضع كمية هائلة من الثقة بالشخص الآخر ونسمح له بالتأثير فينا؛ ممَّا يجعلنا نُحس أننا مكشوفون أمامهم وعرضة للانكسار.

إننا نشعر بتحدي دفاعنا الداخلي، وإن أيًا من العادات التي كنا نمارسها مدة طويلة والتي كانت تُشعرنا بالتركيز على أنفسنا أو بأننا نمتلك زمامها تبدأ بالانهيار على جانب الطريق؛ فنحن نميل للاعتقاد أنه كلما ازداد اهتمامنا بالشخص الآخر ازدادت احتمالية التعرض للأذى.

الحب الجديد ينبش أوجاع الماضي:

عندما ندخل علاقة عاطفية جديدة؛ فإننا نادرًا ما نكون واعين تمامًا كيف كان التأثير فينا من ماضينا، وأن الطريقة التي أوذينا بها في علاقاتنا السابقة بدءًا من سن الطفولة تمتلك تأثيرًا قويًّا في كيفية اختيار الأشخاص الذين نريد أن يصبحوا قريبين منا كما تمتلك التأثير نفسه في كيفية تصرفنا في العلاقات العاطفية.

إن الحوادث القديمة السلبية قد تجعلنا نخشى من البوح عن أنفسنا لشخص جديد، ولربما نبتعد كثيرًا عن ذلك لأن هذا الأمر سيخرج مشاعرنا القديمة من الألم والخسارة والغضب أو الرفض.

عندما تحنُّ لشيء ما مثل الحب؛ فإنَّه يصبح مرتبطًا بالألم، ذلك الألم الذي أحسست به بسبب عدم الحصول عليه في الماضي.

الحب يتحدى شخصيتنا القديمة:

كثيرٌ منا يعانون مشاعر خفية أو يعانون كونهم غير محبوبين، ولدينا مشكلة في الإحساس بقيمتنا الذاتية وتصديق أنه من الممكن لشخص ما أن يكون مهتمًّا بنا اهتمامًا جديًّا؛ فجميعنا لديه "صوت ناقد ذاتي" الذي يتصرف تصرفَ مدرب لئيم يقبع داخل أدمغتنا ويبقى مُصرًّا على إخبارنا بأننا بلا قيمة أو لا نستحق السعادة، وقد تكَوَّن هذا المدرب من تجارب الطفولة المؤلمة ومواقفها الحرجة التي تعرضنا لها في بداية حياتنا.

وقد تكون هذه الأفكار ضارة؛ لأنها مع الوقت تصبح راسخة فينا، ونحن بوصفنا بالغين قد نفشل في إدراك ضررها؛ بل على العكس قد نقبل وجهة نظرها المدمرة وكأنها وجهة نظرنا.

هذه الأفكار الانتقادية أو "الأصوات الداخلية" على الرَّغم من أنها غالبًا ما تكون ضارة وغير سارة؛ لكنها في الوقت ذاته مريحة لكوننا اعتدناها؛ فعندما يرانا شخص آخر رؤية مختلفة عن هذه الأصوات ويحبنا ويقدرنا؛ فإننا قد نشعر حقيقة بعدم الارتياح ونأخذ موقفًا دفاعيًّا؛ لأنه بذلك يتحدى تعريفنا الراسخ منذ القدم عن ذاتنا.

مع السعادة الحقيقية يأتي الألم الحقيقي:

في أي وقت نمرُّ بتجربة سعادة حقيقية أو نشعر بأهمية الحياة على مستوى عاطفي؛ فإننا نتوقع أن نشعر بكمية كبيرة من الحزن؛ فكثيرًا ما نُعرض عن الأشياء التي قد تجعلنا أكثر سعادة لأنها لاحقًا ستسبب لنا الألم.

والعكس صحيح أيضًا؛ فلا يمكننا اختيار تخدير أنفسنا تجاه مشاعر الحزن دون أن نخدر أنفسنا تجاه مشاعر السعادة.

عندما يتعلق الموضوع بالوقوع في الحب فإننا ربما نصبح مترددين في الدخول بكليتنا فيه بسبب الخوف من الحزن الذي قد ينجم عنه لاحقًا.

الحب غالبًا غير عادل:

العديد من الناس يظهرون ترددًا في دخول علاقة مع شخص ما؛ لأنَّ هذا الشخص (يحبهم بشدة)، ويخافون من أنهم إذا ارتبطوا به؛ فإن مشاعرهم نحوه لن تتطور أو تظهر الظهور المناسب؛ لذا سوف ينتهي به المطاف مجروحًا أو متعرضًا للرفض.

الحقيقة أن الحب غالبًا غير متوازن بوجود شخص يشعر أكثر من الآخر من وقت لآخر؛ فإن مشاعرنا نحو شخص ما هي قوة متغيرة تغيرًا لانهائيًّا؛ ففي غضون لحظات نستطيع الشعور بالغضب أو الغيظ أو حتى الكره للشخص الذي نحب.

إن القلق بشأن ما سنشعر به يمنعنا من معرفة أين ستذهب إحساساتنا طبيعيًّا؛ لذلك من الأفضل أن نكون منفتحين في كيفية تطور مشاعرنا مع الوقت؛ لأن السماح للقلق والشعور بالذنب ممَّا يمكن أو ما لا يمكن أن نحس به يمنعنا من معرفة الشخص الذي يعبر عن اهتمامه بنا وربما يمنعنا من دخول علاقة قد تجعلنا مسرورين بحق.

العلاقات العاطفية قد تُخرِّب علاقتك مع عائلتك:

العلاقات العاطفية يمكن أن تكون الإشارة الأكبر إلى التقدم في السن؛ فإنَّها تمثل بدء حياتنا الشخصية بوصفنا أفرادًا مستقلين معتمدين على ذواتهم، ومثل هذا التطور قد يُظهِر ابتعادًا عن عائلاتنا، وهذا الانفصال ليس جسديًّا ولكنه أشبه بترك عادة قديمة، وإنَّه لا يعني ترك عائلتك حرفيًّا بل يعني إطلاق العنان لنفسك على المستوى العاطفي وعدم الإحساس وكأنك ما زلت طفلًا.

الحب يخرج مشاعرنا الوجودية:

كلما كان لدينا مزيد كان لدينا شيء نخسره، وكلما عنى لنا شخص على نحوٍ زائد سنصبح خائفين أكثر من خسارته.

عندما نقع في الحب؛ فإننا لا نواجه مخاوف خسارة الشخص الذي نحبه فحسب؛ بل نصبح واعين أكثر بحياتنا؛ فحياتنا الآن تحمل قيمة ومعنى أكبر؛ لذلك الخوف من الخسارة يجعلنا أكثر هلعًا.

في محاولة منَّا لإخفاء هذا الخوف العميق قد نركز على موضوعات أكثر سطحية، وقد نلجأ لافتعال مشكلة مع الشخص الآخر، وفي حالات شديدة قد نترك العلاقة نهائيًّا.

ونادرًا ما نكون واعين لكيفية التفكير في هذه المشاعر ومواجهتها، ولربما قد نحاول إعطاء أنفسنا مليون سبب لكي لا ندخل علاقة عاطفية، وعلى كل حال قد يكون لهذه الأسباب حلولها الخاصة.

والعديد من العلاقات تجلب معها العديد من التحديات، وإن إدراك مخاوفنا من التعمق في علاقة وكيف يمكن لها أن تؤثر في سلوكنا هو خطوة مهمة للحصول على علاقة عاطفية مُرضية وطويلة المدى.

هذه المخاوف يمكن أن نغلفها بالعديد من المبررات والحجج التي تفسر سبب عدم نجاح العلاقة، وفي المقابل يمكن أن تصيبنا الدهشة من كثرة الطرائق التي ندمر بها أنفسنا عند الاقتراب من شخص ما.

وبمعرفة أنفسنا جيدًا فإننا نعطيها أفضل فرصة لإيجاد حب حقيقي مستمر ونستطيع الحفاظ عليه...

المصدر: هنا