كتاب > روايات ومقالات

مراجعة ملحمة "الإلياذة" صراع الآلهة والانسان

استمع على ساوندكلاود 🎧

قصّة الإلياذة تَسردُ بتفصيلٍ واف وقائعَ الخصام ما بين زعمين كانا حليفين في الحرب، وما أنتجهُ خِصامهما هذا من كوارث لأصدقائهما. وقد قال أحد شعراء الرومان. ((إن الإلياذة، بتقديمها الأمثال عن عظماء وهم يعملون، تُعلّم ما هو شريفٌ وما هو شائن وما هو غير لائق، أفضل مما يعلّم كل الفلاسفة النظريين)).

تقع إليون في الأرض المسماة (طروادة)، وتُسمى حربها الحرب الطروادية. والمعروف أن هذهِ الحرب دامت عشر سنين. ولكن الإلياذة ليست تاريخا لهذه جميعاً، بل هي تتناول حوادث وقعت في أيام قليلة من عامها العاشر فقط، أرضُ طروادة هي الزاوية الشماليّة الغربيّة من الأناضول. البحر على بضعة كيلومتراتٍ غربها ومضيق الدردنيل شمالها.

لقرون عديدة، ظلت الإلياذة خيالاً ماثلاً في عقول المُعلّمين والطلاب والشعب اليوناني، حتى اكتشافِ أنقاضها في القرن التاسع عشر على يد الآثاري هاينريخ شليمان، ولا تزال أطلالها موجودةً إلى اليوم.

وكان الطرف الأول في حرب طروادة رجالُ إليون تحت إمرة مليكهم (بريام) العجوز وأبنائه العديدين وعلى رأسهم (هيكتور) و(باريس) وهو المُسبِب في هذه الحرب العظمى. وكان لبريام من الحلفاء ملوك غرب الأناضول، والجانب الأوروبي الواقع إلى الشمال من الدردنيل والعديد من الآلهة. وأما أعداؤه وهم الطرف الثاني في الحرب فهم غزاةٌ عبروا البحر من الأراضي والجزر التي تدعى الآن بلاد اليونان.

وكان سبب الحرب كأغلبِ الحروب في أساطير القدماء إمرأة. وهي (هيلانة) إبنةُ (ليدا) امرأة (ثينداروس) ملك اسبارطة، ليست فقط إبنة الملك بل عندما كبُرت أصبحت الفتاةُ التي تفوقُ نساءَ الأرضِ جمالاً. وقد تزوجت من (مينلاوس بن أتريذ)، وعاشت معه حياةً رغيدةً مدّة من الزمن، وَضَعت خلالها إبنةً اسمها (هرميونة). وعندما نَزل (باريس) الابن الثاني لبريام ملك الطرواديين ضيفاً على مينلاوس ملك اسبارطة آنذاك، تلقّى من مينلاوس معاملةً حسنة، ولكنه قابل الإحسان بالإساءة، إذ حمل معه الحسناء هيلانة امرأةُ مضيفه، ومعها الكثير من متاع الملك. فهبّ عند ذاك مينلاوس، ومعهُ أخوهُ الأكبر (أغاممنون) سيدُّ الإغريق جميعاً، يطوفان بالزعماء، ويطلبان منهم العون للإنتقام من المعتدي الآثم.

جمعا جيشاً ضخماً من مائة ألف رجل، وألف وست وثمانين سفينة، حيث كان اجتماع الجيش أولا في أوليس، ثم اجتازها إلى طروادة، أما كبار زعماء الجيش فكانوا: الأخوين (ابني أتريذ)، ثم (ذيوميذ بن ثيذيوس)، ومعه (ستنيلوس)، ونستور بن نلوس الذي عاصر ثلاثة أجيال من البشر الفانين، والعظيم (أوديسيوس) والشجاع (أجاكس)، ثم أبسلهم وأقواهم جميعا ((أخيل)) والذي يُعتبر الرمز الأكبر في الملحمة ومحركها الرئيسي إلى جانب الآلهة، وقد حاصر الإغريقُ طروادة تسع سنين، تغلّبوا فيها حقاً، بالقتال ولكنهم لم يتمكنوا من اختراق الأسوار.

ومن أهم أسباب استمرار ذلك الصراع العنيف لمدةٍ تُقارب العشر سنوات هو استعار حرب الآلهة ضد الإنسان ومحاولاتهم الدائمة في عدم ترجيحِ كفّة طرفٍ على آخر، ما حَدي بمقتل الآلاف من الرّجال، وإنّ الشيء الذي لا يمكن إغفاله والذي لابُدّ من ملاحظته هو أن البشر كما صورهم ((هوميروس)) في هذه الملحمة، هم مُجردُ حجارة بسيطة يتناوَبُ الآلهةُ على رميها فيما بينهم وكأنّهم مجرد لعبةٍ للتسلية، فغالباً ما سنرى الآلهة يَعقدون مجالسهم في قاعة ((زيوس))، حيثُ تَدورُ عليهم ((هيبا)) الحسناء بكؤوسِ الرحيقِ الإلهيِّ، ليتبادلوا الأنخابَ بأقداحٍ من ذهبٍ وهم ينظرونَ من أعالي الأولمب إلى مشاهدِ الحرب الطاحنة التي تَدورُ أسفل منهم، فسوف نرى (أثينا، أفروديت، أريس، أبّولو وفيا) سنشاهد تفضيل الآلهة بعض المقاتلين على غيرهم وأحد أشهر هؤلاء الجنود المحبوبين هم (أخيل) و(هكتور) وتجلّى ذلك التفضيل في مبارزتهم الأكبر على مستوى أحداث الملحمة والتي انتهت بمقتل هكتور بمشهد مأساوي بسبب انتقام أخيل لمقتل صديقه (بتروكلوس).

"لما رأى النهر ذلك ، اتخذ شكل رجل ، وخاطب أخيل قائلا : حقاً لقد فُقت البشر جميعاً يا أخيل في القوة وسفك الدماء، لأن الآلهة ذاتها تتكفّل حمايتك ".

كتاب مليء بفلسفات القدماء سيدفعك للتساؤل هل أراد هوميروس بذلك توجيه نقدٍ ولو مبطّن إلى كيفيّة تلاعبِ الآلهة بأقدارِ البشرِ الفانين دون إكتراثٍ سوى لرغباتهم هم؟ أم هل كان يُقدّم صورةً واضحةً خاليةً من أي احتجاج على حالِ زمَنه وبما كان يؤمنُ به البشر في تلك الأزمان؟

أيها القارئ الجميل عندَ قدومكَ لقراءة الإلياذة يُستحسن أن تأتي بالعِتاد الكامل، فمشاهدُ الدماء ستملأ الحيّزَ الأكبر من خيالك، الخيول والسيوف والمبارزات لابد لها من الظهور ما بين كل سطر وآخر لتيمع أصواتها كأنك نعيش في خضمّ المعركة، فمنذ البداية وبدون أية مقدمات ستدخل أهوال الحرب من أوسع أبوابها.

في هذه الحرب العبثية لا مكان للقوانين، فكلُّ شيءٍ مباح، كلُّ جندي يحاربُ فيها هو هدفٌ سهلٌ لإلهِ الموت، الموت موجودٌ في كلِّ ذرّةِ رملٍ من شواطئ طروادة اللانهائية، وفي كلِّ شبرٍ منها ستَرتفعُ القبورُ الخشبيّةُ وتتساقطُ من لهيبِ النيران معلنةً موتَ بطلٍ من الأبطال.

حربٌ استهلكَت الكثيرَ من أبناء طرفيّ النزاع، حربٌ وإن انتهت ستبقى آثارها لقرونٍ أخرى من الزمن.

معلومات الكتاب :

الكتاب: الإلياذة.

تأليف: هوميروس.

الترجمة إلى العربية: عنبرة سلام الخالدي.

دار النشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

الطبعة الأولى: أيلول 1974

عدد الصفحات: 308 قطع متوسط