البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

عكس الانقراض De-extinction ج (2) | كيف نعيد حيواناً منقرضاً إلى الحياة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تحدثنا في الجزء الأول من المقال عن مفهوم عكس الانقراض De-extinction وظهوره وتطوّره ومدى الحاجة إليه في الوقت الحالي، ولكن كيف يتمُّ ذلك وهل نحن قريبون من تحقيقه؟ وهل من أخطار على كوكبنا الأخضر تترتب على اتخاذ قرار كهذا؟

كيف نعيد حيواناً منقرضاً إلى الحياة؟

هناك ثلاثةُ طرق لعكس الانقراض. تعتمدُ الأولى على التكاثر الرَّجعي، بمعنى إيجاد حيوان قريب من الحيوان المُنقرض ومن ثمَّ استخدام هذه الحيوانات والتعديل على صفاتها بحيث نحصل على نوع تقترب صفاتُه أكثر من النوع المُنقرض المطلوب، ومع أنَّ هذه الطريقةَ لا تُعدُّ إعادةً فعليةً لحيوانٍ منقرضٍ إلى الحياة ولكنها يُمكن أن تُعيدَ الأثرَ البيئيَّ المطلوب للحيوان المنقرض، وتجري الآن محاولةُ تزويج الفيلة الإفريقية بأنواع أكثر وبراً على سبيل المثال.

تعتمد الطريقة الثانية على الاستنساخ، إذ يستخدم العلماءُ خليةً محفوظةً من الحيوان المُنقرض (حُفِظَت قبل انقراضه) ثم يستخلصون النواة منها، وبعد ذلك تُوضَع هذه النواة في بويضة أقرب حيوان للنوع المُنقرض وتُزرع بعدها في رحم أنثى هذا الحيوان. (قام العلماء بمثل هذه العملية حيث نجحوا في استيلاد وعل Pyrenean ibex عبر زرع البويضة في رحم ماعز قريبة لهذا النوع، وقد عاش الوليد سبعَ دقائقَ وتوفيَ بسبب مشكلاتٍ جينية في رئتيه). يعطينا الاستنساخ نسخاً مُطابقة للحيوان المنقرض. يقتصرُ استخدامُ هذه التقنية في الحيوانات التي انقرضت منذ زمن قصير ولها عيناتٌ محفوظةٌ بصورةٍ جيدة، وبالتالي لا يُمكن تطبيقها على الماموث والحمام الزاجل لعدم وجود مثل هذه العينات.

الخيار الأخير هو الهندسة الجينية التي يقوم العلماء فيها بربط جينوم الحيوان المنقرض مع أقرب أقربائه الموجودين الآن، وذلك باستخدام تقينات التعديل على الجينوم للوصول لأقرب نسخة من جينوم الحيوان المُنقرض ثم زرع البويضةُ في رحم حيوان قريب له أو في رحم اصطناعي. لا تعطي هذه الطريقة كائناتٍ مماثلةً جينياً للحيوان المُنقرض ولكنَّها تعطي حيواناتٍ مشابهةٍ من ناحية الشكل والأثر البيئي المطلوب استعادتُه. يُمكن استخدام هذه التقنية في حالتي الماموث الصوفي والحمام الزاجل.

هل اقتربنا من ذلك؟

يعتمدُ الموضوع على تعريفنا لمصطلح عكس الانقراض، فمثلاً لو قام العلماء بتعديل جينوم الفيل الآسيوي ليكونَ له فروٌ أكثرُ وشحومُ جسمٍ أكثر وآذانٌ أصغرُ بحيث يصبح شبيهاً بالماموث الصوفي، فهل نسمي الحيوانَ الجديدَ ماموثاً صوفياً أم أنَّه لا يزال فيلاً أسيوياً؟ في الحقيقة، لا تزال هذه المنطقة رماديةً في الحقل العلمي.

يواجه مشروعُ الحمام الزاجل مشكلاتٍ مماثلة؛ إذ يحاول Novak إعادةَ استيلاد الحمام الزاجل عن طريق استخدام أقرب أقربائه الموجودين حالياً، ولكن كم يجب علينا التعديلُ على الجينوم للوصول للهدف المطلوب؟ لا يزالُ جواب هذا السؤال غامضاً نوعاً ما. نسبةُ الاختلاف بين الجينومين -كما يوضح -Novak (3%) ولكنَّ هذه الاختلافَ حدث عبر ملايين السنين ويقاربُ حوالي عدة آلاف طفرة، لكن المُهمَّ هو إيجاد الطفرات -التي يبلغ عددها 20 إلى 100 طفرةٍ- الأكثر تأثيراً على سلوك الحيوان للوصول إلى الدور البيئي المطلوب.

وحتى لو تمكن العلماءُ من وضع يدهم على الطفرات المطلوبة -وهي مَهمةٌ شاقّة- فالعثورُ عليها هو نصفُ المعركة فقط، إذ يبقى على العلماء مَهمةُ إنجاح نمو هذه الخلية الهجينة في رحم الحيوان القريب المعاصر، آملين أنَّ مُوَرِّثاتِ الجينوم المُعدَّل ستعمل معاً في تناغم دون أن تسببَ أيَّ مشكلاتٍ، وأنَّ نموَّ الكائن الجديد وسط معاصريه لن يسببَ أيَّ تغييرات على سلوكه المطلوب. ليس ذلك فحسب، فمع نجاح كل ما سبق يبقى من المطلوب من الكائن الجديد أن ينجحَ في التكاثر ويعطيَ أفراداً قادرين بدورهم على التكاثر. يقول Novak إنَّ العمليةَ ضخمةٌ جداً، وإنَّه بوجود التمويل الكافي يُمكن أن نرى مزارعَ لمثل هذه الحيوانات في حلول عام 2022 - 2025.

كيف نختار الحيواناتِ التي نريدَ إعادتها إلى الحياة بعد انقراضها؟

يعتمدُ الأمر على اختيار أنواعٍ تتمتعُ بصفاتٍ فريدة انقرضت منذ فترة قريبة والعملِ على تلك الأنواع التي تمثل إعادتُها للنظام البيئي مكسباً مهماً. ورَغم أنَّ الماموثَ الصوفيَّ والحمام الزاجل يتمتعان بالمعيار الأول، إلا أنَّ هناك الكثيرَ من الشك فيما إذا كان يجب علينا تركيزُ اهتمامِنا عليهما. يقول Shaprio: "الأنظمة البيئية ليست أنظمةً ثابتة، فقد استمرت بالتغيُّر مع انقراض هذه الكائنات، لذلك يجب أن نأخذَ بعين الاعتبار تغيُّرَ النظام البيئي وما ستحدِثُه إعادةُ الحمام الزاجل إلى النظام البيئي الجديد الذي يختلف عما كان عليه في زمن الحمام الزاجل. بعد كل ذلك يُمكننا اتخاذُ القرار السليم."

لذلك يُمكن القولُ بأنَّ الأنظارَ تتجه أكثرَ لإعادة الحيوانات المنقرضة التي لا تزال مواطُنها موجودةً كما هي دون أن تكونَ قد عانت تغييراتٍ كبيرة، وأن يكونَ لتلك الحيوانات دورٌ بيئيٌّ مهم.

هل هناك مخاطرُ من إعادة الأنواع بعد انقراضها؟

التحكم بتوزع الجينوم الجديد ليس أمراً سهلاً، فمثلاً من السهل مراقبةٌ الماموث الصوفي ولكنَّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لحيوانات أخرى مثلِ الجرذان. كما أنَّ جزءاً من الجينوم الجديد يُمكن أن ينتقلَ إلى الأقارب الموجودة حالياً في البيئة، وبذلك تَحدثُ تغييراتٌ غيرُ متوقعة فيه. يعلم العلماءُ أنَّ الأخطاءَ ممكنةُ الحدوث ولكنَّ المشكلةَ تكمن في عدم القدرة على إعادة الجينوم لأنابيب الاختبار في حال حدوث شيء ما بشكل خاطىء، فأن تبتعدَ بعضُ الكائناتِ الجديدة بجينومها الجديد عن مجال المراقبة وتختفي في البيئة يعني أن نصلَ إلى مرحلةٍ تكون فيها البيئةُ مليئةً بنماذجَ شبيهةٍ بـ "فرانكشتاين" على مستوى الحيوانات!

تقتربُ هذه الأفكار من التطبيق على أرض الواقع مع التقدم العلمي الذي تشهده الهندسةُ الوراثية والآلياتُ الجديدة التي أصبحت متاحةً لنا اليوم، لقد كان من السهولة تجنُّب هذه النقاشاتِ في السابق بسبب العوائق التقنية، ولكن الأمرَ لم يعد كذلك اليوم، فهل سنشهدُ إعادةَ حيوان منقرض إلى الحياة قريباً؟ هذا ما ننتظر جواباً عنه في القادم من السنوات...

المصدر: هنا