البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

عكس الانقراض De-extinction ج (1) | هل يجب أن نعيد الأنواع المنقرضة إلى لحياة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعيش الأرض في منتصف فترة الانقراض الجماعي السادس؛ إذ يقدَّر أنَّ عشراتِ أنواع الكائنات الحية تختفي كلَّ يوم، كما أنَّ أكثرَ من 300 نوعٍ من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات اختفت منذ عام 1500. والمساهم الأكبر في هذا الانقراض المُخيف هو البشر! إنَّ هذه المعدلات لا تُبشِّر بخير، ولو استمرَّ الحال على هذه الوتيرة فإنَّ مستقبلَ الأرض سيكون مخيفاً! ولكن ماذا لو كان باستطاعتنا إيقافُ تدهور هذه المعدلات؟ ماذا لو استطعنا أن نعيدَ بعضَ الأنواعِ المُنقرضة إلى الحياة؟ ظهرت فكرةُ عكس الانقراض De-extinction)) في الأوساط العلمية مع ظهور الوسائل الجديدة والاكتشافات في حقل الهندسة الوراثية، وخصوصاً فكرةُ تعديل الجينوم. لذلك يعتقدُ الباحثون أنَّ الوقتَ قد حانَ لإعادة التفكير في الأنواع المنقرضة التي يجب أن نعيدَها إلى الحياة، ودراسة أثر إعادتها على النظام البيئي الذي اختفت منه. وقد نشر باحثون من جامعة كاليفورنيا مؤخراً بعضَ الخطوط العريضة حول كيفية اختيار الأنواع التي يُمكن أن تعودَ بأفضل الأثر على نظام الأرض البيئي في حال إعادتها إلى الحياة، وعلى رأس قائمة الحيوانات المنقرضة التي يجري التفكير في إعادتها إلى الحياة، يأتي الماموثُ الصوفي (woolly mammoth) -كان يستوطنُ القطبَ الشمالي، وهو أقربُ الحيوانات إلى الفيل الحالي- ويتصدَّر القائمةَ أيضاً الحمامُ الزاجلُ وهو نوعٌ من الحمام المُنقرض كان يستوطنُ أمريكا الشمالية، وتجدُرُ الإشارةُ إلى أنَّ آخرَ ماموثٍ انقرضَ منذ حوالي 4000 سنة، أما الحمامُ الزاجلُ فقد اختفى منذ عام 1900. والبحثُ في إعادة هذين الحيوانين قائمٌ فعلاً وهو الآن بالنسبة للعلماء مسألةُ وقت لا أكثر.

الحمام الزاجل

يختلفُ تعريفُ عكس الانقراض بين العلماء والعامة، فبالنسبة للعلماء يُعدُّ الوصولُ إلى الدور البيئي الذي كان يؤديه الحيوان المنقرض نجاحاً، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للعامة؛ إذ لا يُمكن القول بنجاح العملية -حسب رأيهم- دون الوصول إلى طائر مماثل تماماً للحمام الزاجل مثلاً.

لماذا يجب أن نعيدَ بعضَ الحيواناتِ المنقرضة إلى الحياة؟ على الرَّغم من أنَّ فكرةَ زيارة حديقةِ حيواناتٍ مليئةٍ بحيوانات الماموث الضخمة والنمور السسيبيرية ذاتِ الأنياب والسلاحفِ الضخمة هي فكرةٌ مثيرةٌ، إلا أنَّ الأمرَ يتعلق بفوائد تلك الحيوانات للنظام البيئي أكثر من فائدتها على قطاع السياحة، وتعليقاً على ذلك يقول الباحثُ Ben Novak: "إذا كان الأمرُ يتعلق بحدائق الحيوانات لنتوقف إذاً! يجب أن يكون الأمر في فلك الفوائد المرجوة على النظام البيئي بالدرجة الأولى."، فلكل حيوانٍ دورٌ في النظام البيئي: الخفافيشُ تتغذى على الحشرات، والأسماكُ تنظفُ الشِعبَ المُرجانية، والمواشي تنشر الرَوَثَ في التربة. يتشارك في بعض هذه العمليات أكثرُ من نوع واحد من الكائنات في حين يقوم ببعضها الآخر نوعٌ واحدٌ من الحيوانات فقط.

كان لكل من الماموث الصوفي والحمام الزاجل دورٌ كبيرٌ في البيئة التي كانا يعيشان فيها، وقد تغير النظام البيئي في تلك البيئة بشكل سريع مع انقراضهما. يوضح الباحث George Church أنَّ إعادة الماموث الصوفي يُمكن أن تُعيدَ التُندرا القطبيةَ إلى مروجٍ خضراءَ من جديد كما كانت في آخر العصور الجليدية. إذ إنَّ آكلاتِ الأعشابِ الضخمة تساعدُ في المحافظة على المروج عبر تحريك التربة ونشر بذور الأشجار، فاختفاءُ آكلات الأعشاب الضخمة من هذه المناطق أدى إلى تحولها من مروجٍ خضراءَ إلى سهولٍ جرداء، وهذا التغيُّرُ البيئي المصاحب أدى إلى زيادة كمية ثنائي أكسدي الكربون المُطلقة في الجو (التي كانت هذه المراعي تتخلَّص منها). ويُقدر الباحث Church أنَّ إعادةَ الماموث ستبطىء من التغير البيئي بشكل ملحوظ بسبب ضخامة هذه المناطق، إذ بإمكانها أن تتخلص من الكربون أكثر من كل غابات العالم مجتمعة.

وبالمثل، فإنَّ الحمامَ الزاجلَ الذي كان يُقدَّر من ناحية العدد في نهايات القرن التاسع عشر بحوالي 5 بلايين، كان له دورٌ كبيرٌ في المناطق التي كان يعيش فيها، وعلى الرَّغم من أنَّ أعدادَه الكبيرة جداً وفضلاته المُنتشرة بكثرة والقابلة للاشتعال كانت تضع الغابةَ في خطر النيران بشكل مستمر، إلَّا أنَّه بعد انقراضها خسرت البيئةُ هذه التغييراتِ الطبيعيةَ كما خسرت أشجارُ البلوط وسيلَتَها الرئيسيةَ في توزيع بذورها (عبر فضلات الحمام الزاجل). يقول Novak: "إنَّ للحمام الزاجل أثراً بيئياً كبيراً نرغب باستعادته." ترى كيف يمكن إعادةُ حيوان منقرض إلى الحياة؟ وهل من مخاطر بيئية تترتب على ذلك؟ سنرى إجابة هذه التساؤلات وغيرها في الجزء الثاني من هذا المقال...

المصدر: هنا