البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

آلية جديدة تتحكم بالمصير النهائي للخلايا الجِذعيّة العصبية

استمع على ساوندكلاود 🎧

يفترضُ الباحثونَ، حتى يومنا هذا، أنَّ تمايزَ الخليَّةِ الجِذعيَّةِ يعتمدُ على بيئتِها الحاضِنَةِ المحيطَةِ. و ما الجديد؟ الجديدُ هو أنَّ فريقاً بحثياً، من جامعةِ "بازل" السويسريةِ، وصفَ ولأوَّلِ مرَّةٍ آليةً جديدةً تقومُ من خلالِها الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ المتواجدةُ في منطقةِ الحُصَيْنِ (Hippocampus) بالتَّحكمِ بمصيرِها النهائيِّ. اعتمدت هذه الأليَّةُ على نشاطِ بروتينٍ يدعى "دروشا" (Drosha)؛ حيث نُشِرَتِ النتائجُ، التي خَلُصَ لها الفريقُ، في مجلة Cell Stem Cell. تُعتَبَرُ الخلايا الجِذعيَّةُ خلايا غيرُ متمايزةٍ تمتلكُ القُدرةَ على التمايُزِ (التخصُّصِ/التحوُّلِ) إلى العديدِ من الأنواع الخَلَويَّةِ، إلَّا أنَّ الأنواعَ التي يمكنُ أن تتحوَّلَ هذه الخلايا إليها، تختلفُ تِبْعاً لنوعِ الخليَّةِ الجِذعيَّةِ الأصل، حيثُ يكونُ إنتاجُ الخلايا الجِذعيَّةُ الجسميَّةُ أو البالغةُ أكثرَ محدوديةً من غيرها، فعادةً ما تكونُ الأنواعُ الخَلَويَّةُ، التي يمكنُ أن تتحوَّلَ لها، من ضمنِ الخلايا الموجودةِ أصلاً في العضوِ المُتَموضِعة فيهِ. تتضمَّنُ وُجهَةُ النظرِ المقترحةُ لتفسيرِ هذا أنَّ تمايزَ الخلايا الجِذعيَّةِ يخضعُ للتحكُّمِ من قِبَلِ البيئةِ المحيطَةِ بالخليَّةِ والتي تُدعى بالبيئةِ الملائمةِ (Niche)، حيث تتلقَّى وتستجيبُ الخلايا الجِذعيَّةُ لعواملٍ معينةٍ متواجدةٍ في بيئتها الملائمةِ والتي تقودُ عمليَّةَ تمايزِها باتجاهِ أنواعٍ خَلَويَّةٍ مُحدَّدةٍ.

تتواجدُ الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ البالغةُ أو اختصاراً الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ (Neural Stem Cells: NSCs) النَّشِطَةُ في الدماغ في منطقتينِ اثنتينِ هما: -المنطقةُ تحتُ البطينيَّةِ (subventricular zone; SVZ) للبطيناتِ الجانبيَّةِ للدِّماغِ (lateral ventricles) -المنطقةُ تحتُ الحبيبيَّةِ ( SGZ; subgranular zone) لمِنطقَةِ التَّلْفيفِ المسنَّنِ (dentate gyrus; DG) في الحُصين في الدماغ البالغِ، تُعتَبَرُ منطقةُ الحُصينِ المنطقةَ المسؤولةَ عن أشكالٍ وأنواعٍ معيَّنةٍ من الذاكرة، وهي المنطقةُ الدماغيةُ التي تتأثَّرُ ببعض الأمراضِ كالعَتَه (الخرَف)، والاكتئاب، والصَّرَع. تقومُ وظائِفُ الحُصين على أنواعٍ مختلفةٍ منَ الخلايا، يُنتَجُ بعضُها من قِبَلِ الخلايا الجِذعيَّةِ العصبيَّةِ المتواجدَةِ في المنطقةِ آنفةِ الذكرِ خلالَ مراحِلِ الحياة. حيث تُنتِجُ الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ عموماً ثلاثةَ أنواعٍ مختلفةٍ من الخلايا، تشمُلُ على الخلايا العصبيَّةِ (neurons)، الخلايا النَّجميَّةِ (astrocytes) والخلايا قليلةِ التغصُّنِ (oligodendrocytes).

يكونُ إنتاجُ الخلايا الجذعيَّةِ العصبيَّةِ في الأوساط الحية (in vivo)، المتواجدة ضمن الحُصَينِ البالغِ (DG NSCs) محصوراً ومقيَّداً على الخلايا العصبيَّةِ (العصبونات ) الحبيبيَّةِ (granule neurons) والخلايا النَّجميَّةِ، وبالتالي لا تُعتَبَرُ الخلايا قليلةُ التغصُّنِ واحدةً من الأنواعِ التي يمكنُ أن تُنتَجَ عنها والسَّببُ في ذلكَ غيرُ معروفٍ إلى الآن.

أماكن تواجد الخلايا العصبية الجذعية في الدماغ

حتَّى وإن تمَّ استنباتُ الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ المشتقَّةُ من التَّلفيفِ المسنَّنِ للحُصَينِ في الزجاج (in vitro) فأنَّ النتيجةَ هيَ ذاتُها، إذ نادراً ما يَنتُجُ عنها خلايا قليلَةُ التغصُّنِ وذلك دونَ تدخُّلِ أو وُجودِ عواملٍ محفزةٍ أو مساعدة، الأمرُ الذي ذهبَ بالباحثينَ لاقتراحِ وجودِ آليَّةٍ أخرى، لا تعتمدُ على البيئةِ الملائمةِ، تتحكم بالمصيرِ التمايزيِّ لهذهِ الخلايا. توصل باحثون من قِسمِ الطِّبِّ البيولوجيِّ في جامعةِ "بازل" السويسرية بقيادة البروفسور "فيردون تايلور" (Verdon Taylor)، حالياً إلى أنَّه لا يمكنُ التحكم بالمصيرِ، الذي يمكنُ أن تؤولَ لهُ الخلايا الجِذعيَّةُ العصبيَّةُ المتواجِدَةُ في الحُصَينِ، من قِبَلِ بيئتِها الملائمةِ وحسبُ، بل أيضاً من خلالِ آليَّةِ خَلَويَّةٍ جوهريَّةٍ؛ حيثُ وصفَ الفريقُ، في ورقتِهِم البحثيَّةِ، الدورَ المركزيَّ الذي يلعبهُ أنزيم "دروشا" (Drosha) في هذهِ الآليَّةِ. يعمدُ أنزيمُ "الدروشا" على تحطيمِ الحمضِ النوويِّ الريبيِّ الرسول (messenger RNA) المسؤولُ عن تشفيرِ بروتينِ "NFIB" (عاملٌ من عواملِ النسخِ اللازمةِ لعمليِّةِ تمايُزِ الخلايا قليلةِ التغصُّن) في الخلايا الجِذعيَّةِ البالغَةِ المتواجِدَةِ في الحُصين. حيثُ يؤدِّي تحطيمُ الحمضِ النوويٍّ الريبيٍّ منعَ إنتاج هذا البروتين، وبالتالي يَكبحُ من تطوُّرِ الخلايا قليلةِ التغصُّنِ فاسحاً المجالَ أمامَ الخليَّةِ الجذعيَّةِ للتمايزِ باتجاهِ تشكيلِ العصبوناتِ.

القاعدة الأساسية في تكوين الخلايا العصبية

بهذهِ النتائجِ، تمكَّنَ الفريقُ البحثيُّ من إظهارِ – ولأوَّلِ مرَّةٍ – آليةً خَلَويَّةً جوهريَّةً تتحكَّمُ وتنظِّمُ المصيرَ النهائيَّ للخلايا الجِذعيَّة.

يقولُ البروفسور "تايلور": " تطرحُ النتائجُ التي حصلنا عليها تحدِّياً أمامَ الطريقةِ التي اعتدنا أن نُفكِّرَ فيها عن الكيفيَّةِ التي يتمُّ بها التحكُّمُ بمصيرِ الخلايا الجِذعيَّةِ". ويتطلَّعُ الفريقُ في المرحلةِ القادمةِ إلى دراسةِ كيفَ وفيما إذا كان بإمكانِ الخلايا الجِذعيَّةِ أن تُعدِّلَ نشاطَ عامِلِ النَّسخِ "دروشا" بُغيَةَ تلبيةِ المطلوب.

يُعتَبَرُ هذا البحثُ خطوةَ أخرى لفهمِ تمايُزِ الخلايا الجِذعيَّةِ العصبيَّةِ بشكلٍ أفضل، مما قد يفتحُ المجالَ أمامَ تطبيقاتٍ محتملةٍ قد تكونُ في غايةِ الأهميَّةِ.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

لمزيد من مقالاتنا حول مواضيع مشابهة: هنا