البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

نتائج مبهرة لـ CRISPR-Cas9 في إصلاح طفرة الداء المنجلي في المختبر

استمع على ساوندكلاود 🎧

الداء المنجلي (Sickle cell disease) مرضٌ وراثيّ ينجم عن طفرة تصيب مورثةَ الهيموغلوبين ما يقود خلايا الدم إلى تشكيل نمطٍ شاذّ من الخضاب يُسمَّى الخضاب S (HbS)، يُسبب هذا المرضُ معدلاتٍ ملحوظةً من المَراضة والوَفيَات وخصوصاً بين الأفراد ذوي الأصول الأفريقية أو المتوسطية، ونظراً لطبيعة المرض الوراثية، عُدَّ علاجُه النهائيُّ أمراً أقربَ إلى المُحال منذ وصِف عام 1910 حتى اليوم، لكنَّ تِقْنياتِ الهندسة الوراثية، وتحديداً CRISPR-Cas9 التي لا تنفكّ المواقعُ العلميةُ ترصُد أخبارَها من مَخبرٍ لآخر حول العالم، تحمل آمالاً لعلاجٍ ناجع. أما مصدر خبرِ اليوم فهو مخبرُ جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث أخذ العلماء خلايا جذعيةً من دم مرضى الداء المنجلي، ثم أجروا عليها تعديلاً جينياً بوساطة CRISPR-Cas9 الذي نجح في تصحيح الطفرة المسببة للداء؛ إذ كانت أعداد الخلايا المُصحَّحة كبيرةً بما يكفي لتخفيف أعراض المرض.

تقوم فرضية العلماء على المبدأ التالي: إذا أُعيدَت الخلايا المُصححةُ وراثياً إلى المرضى، فقد تستطيعُ إنتاجَ خضابٍ سليمٍ، ما يُجنّب المريضَ الأذيَّةَ الناجمة عن الخضاب اللزج والمشوّه الذي يُحوّل الخلايا إلى شكلٍ منجليّ (هنا) ولاختبار هذه النظرية، نشر العلماءُ الخلايا المعدّلةَ في نموذجٍ من فئران المختبر عُدّل ليماثلَ حالةَ الداء المنجلي، وكانت النتيجةُ بقاءَ الخلايا الجذعيةِ جائلةً عدةَ أشهرٍ في دوران الفئران، ومنتجةً لخضابٍ طبيعي بمستوياتٍ يُقدّر لها أن تكونَ ذاتَ فائدةٍ سريرية.

أعلنت هذه النتائج في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، في ورقةٍ مشتركة بين ثلاث مؤسسات بحثية في دورية Science Translational Medicine؛ وصف فيها الباحثون طريقتَهم في توظيف CRISPR-Cas9 في هذه التجرِبة التي تركّزت حول استخدام الخلايا الجذعيّة المولّدة للدم CD34- أو HSPCs. وتجدر الإشارة إلى أنَّ القياساتِ المخبريةَ قد بيّنت أنَّ الخلايا المُعدّلةَ أنتجت كمياتٍ أقلَّ من الـRNA المُرمِّز للخضاب الشاذّ، كما ازداد إنتاجها للخضاب من النمط السائِدِ (الشائع) عندما تمايزت إلى كرياتِ دمٍ حمراء.

أكَّدَ العلماءُ أنَّ المناورةَ التي استُخدم فيها نظام CRISPR-Cas9 نجحت فعليّاً في تصحيح الطفرة وتحويل الخلايا لإنتاج خضابٍ صحيّ. أما الدراساتُ ما قبل السريرية القادمة، فتتطلَّب توخّي المثالية في العمل، ودراسةً عاليةَ المستوى عند فئران التجرِبة، وتحليلاً صارماً للسلامة والأمان. وتجدر بنا الإشارة إلى أنَّ الُمساهمين في هذه الدراسة بدؤوا اليوم فعلياً بمرحلة باكرةٍ من العمل ما قبل السريري، لتحضير هذا العلاج ليُختَبر في العيادة خلال السنوات الخمس المقبلة.

لا ننسَ أنَّ الفِرقَ البحثية تستطيع تطبيقَ الطريقةِ نفسِها لتطوير علاجاتٍ لطيفٍ واسعٍ من أمراض الدم كتلاسيميا بيتا، والعوز المناعي المُختلط الشديد (SCID)، والداء الحبيبومي المُزمن، وأمراضٍ أخرى نادرة كمتلازمة ويسكُت-ألدريتش، وفَقر دم فانكوني (Fanconi anemia)، أو حتى الإنتان بـHIV . ويقول الدكتور Jacob Corn الكاتب النهائي للدراسة: "الداءُ المنجليُّ هو واحدٌ فقط من عدة اضطرابات دموية تعود في أصلها إلى طفرة واحدة في الجينوم، لذا من المُمكن جداً أن يَستخدم باحثون آخرون هذا النمط من التعديل الجيني لاستكشافِ طرقٍ جديدة في علاجِ عدد من الأمراض".

من جانبٍ آخر، أشارت STAT News إلى أنَّ التقنية لم تنجح نجاحاً مطلقاً (100%)، فبعد مضي 16 أسبوعاً لم تحتفظِ الفئران بأكثر من 2-6% من الخلايا المُعدّلة، ولكن يقول Corn: "تشير الدراساتُ إلى نجاعةِ تلك النسبة الضئيلة الباقية في علاج الداء المنجلي." إلَّا أنّ الأستاذَ Stuart Orkin من مدرسة الطب في جامعة هارفارد -الذي لم يُشارك في الدراسة- يرى أنَّ كريسبر ليست التِقْنية الوحيدة التي يُمكن من خلالها تحقيقُ هذه النتائج، وأنَّ "الهرج والمرج" الإعلاميَّ الذي تبعها مبالغٌ فيه.

لا يبقَ لنا سوى الاعترافَ بأهمية هذا الإنجاز على مستوى المخبر الجزيئي، فإذا صحّ القول: يُعدُّ هذا النجاحُ أوّلَ نجاحٍ حقيقيّ مُسجّل لكريسبر في المخبر، لا تشوبه تناقضاتٌ كبيرة، ولا تحوم حولَه أسئلة وتحيّرات كثيرة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا