المعلوماتية > روبوتيك

ثورةٌ روبوتيّةٌ جديدة... والقائد أخطبوط!!

استمع على ساوندكلاود 🎧

انتشر استخدام الرّوبوتات وتطويرها في الآونة الأخيرة بكثرة، من السّيارات ذاتيّة القيادة إلى المساعدة الشّخصيّة في المكتب، وحتّى الرّوبوتات الطّبية في غرف العمليات الجّراحيّة.

ولعلَّ أبرز ما استطاعت ثورة الرّوبوتات إحداثه في عالم البشر هو:

- تخفيف المخاطر عن الإنسان في الأعمال المختلفة كالعمل في مقرّات المفاعلات النّوويّة.

- توفير الجهود البشريّة في الأعمال التّكراريّة الرّتيبة كالتّعليب في مصانع الكونسروة مثلاً.

- تعويض الخبرات البشريّة _بشكلٍ جزئيّ_ كاستخدام الرّوبوتات وسيطاً في إجراء العمليّات الجراحيّة عن بعد.

ولكن وبالرّغم من سعة نطاق التّطبيقات الرّوبوتيّة، ظلَّ علم الرّوبوتات يواجه التّحديّات فيما يتعلّق بطبيعة هياكلها، واستقلاليّة سلوكها.

أمّا بالنّسبة لاستقلاليّتها، فهو ما سعى ويسعى الباحثون جاهدين إلى تطويره، إذ من الهامِّ أن تتمتّع الرّوبوتات بالقدرة على اتّخاذ القرارات الأنسب لتنفيذ مهمّةٍ معيّنة، والتّمتّع بالاستقلال السلوكيّ الذّاتي - وإن كان بشكلٍ جزئيٍّ - ، حيث تظهر أهميّة ذلك في مجالاتٍ عدّة، كالرّوبوتات الحربيّة، أو روبوتات استكشاف الفضاء، أو حتّى الرّوبوتات المساعدة كالمساعد الشّخصيِّ أو المنظّفِ الآليِّ، فجميع تلك الأصناف ينبغي أن تملك استقلاليّةً سلوكيّةً كليّةً أو جزئيّةً على الأقلِّ للقيام بمهامها بكفاءة، وهو ماتمكّن العلماء والباحثون من إحرازه وتحقيق تقدمٍ كبيرٍ فيه.

وأمّا فيما يتعلّق بالطّبيعة الهيكليّة للرّوبوتات، فكثيراً ما كانت صلابتها سبباً في تهشّمها أو خدشها، أو حتّى تسبّبها بالأذيّات والأضرار أثناء تعاملها مع أغراضٍ أكثر طراوةً كالأقمشةِ أو الأنسجةِ الحيّةِ، ممّا شكّل عائقاً أمام استخدامها في العديد من المهام، كعبور ممرّاتٍ ضيّقةٍ وبسعاتٍ مختلفة، أو إمساكِ أغراضٍ بأشكالٍ متغيّرةٍ، غيرَ محددة، أو حتّى استخدامها في المجالات الطّبيّة.

وترجع محدوديّةُ استخدامها في مثل هذه المهام إلى الحرص عليها والحذر منها في الوقت ذاته.

وتفادياً لمشكلة الهياكل الصّلبة فقد ظهر توجهٌ جديدٌ في عالم الرّوبوتات، وهو الرّوبوتات اللّيّنة أو الإسفنجيّة، حيث بدأ الباحثون بتطوير روبوتاتٍ بأجزاءَ وهياكلَ ليّنة قادرةٍ على الصّمود أمام العوامل الطّبيعيّة والبيئات المختلفة، وبالتّالي تحقيق كفاءةٍ أعلى في تنفيذ تلك المهام الّتي قد تتطلّب التواء الرّوبوت أو تشوّهه، أو تحمله للضغوط وتحرّكه بسلاسةٍ وبما يتناسب مع تنفيذ المهمّة المطلوبة.

وقد استمرَّ الباحثون خلال السّنين الأخيرة، في المراكز العلميّة المختلفة حول العالم بتطوير وابتكار أصنافٍ متعددةٍ من الرّوبوتات الليّنة، لتدخل حلبة المنافسة فيما بينها، حول الحجم، والقدرات، و طيف المهام، ومقدار الضّغط الّتي تستطيع هذه الرّوبوتات الصّمودَ أمامه، أو مقدار ليونة هيكلها وتخلّيها عن الأجزاء الصّلبة.

ولكنَّ أمراً ما كان لايزال عائقاً أمام الباحثين في مجال الرّوبوتات الليّنة، فكلّما ازداد السّعي نحو روبوتٍ ليّنٍ أكثر، كانت تظهر ضرورة الاستغناء عن أجزائه الصّلبة بشكلٍ أكبرَ، ولكن كيف لنا الاستغناء عن دارة التّغذية ومصدر الطّاقة مثلاً؟ أو التّخلّي عن القطع الإلكترونيّة الضّروريّة لقيادة وتوجيه الحركة بشكلٍ صحيح؟ أو حتى استبدال العقل الرّوبوتي القادر على محاكمة المعطيات وإنجاز المهام بمجرّد قطعةٍ سيليكونيّة؟!

هذا ما بقي عائقاً أمام حلم الباحثين في تطوير روبوتٍ ليّنٍ بالكامل، قادرٍ على إجراء المحاكمات المنطقيّة، وإتّخاذ القرارات الصّائبة، وإبداء السّلوك والحركة المناسبة لإنجاز المهام المختلفة.

وهنا ظهر الروبوت الأخطبوط (The Octobot Robot) ليحتلّ حلبة المنافسة بليونته التّامّة واستقلاليّته السّلوكيّة والحركيّة، وذلك دون الحاجة إلى البطاريّات أو مزودات الطّاقة الكهربائيّة، محاكياً بذلك سلوك الأخطبوط الحقيقيّ.

ما هو الرّوبوت الأخطبوط؟

الرّوبوت الأخطبوط، ذو الأذرع الثّمانية، المطوَّر في جامعة هارفرد، والّذي تمّ إطلاقه في شهر أغسطس للعام 2016، ظهر نتيجة تكاتف الجّهود البحثيّة في المجالات العلميّة المختلفة من علوم الرّوبوتات والعلوم الكيميائيّة، ويبلغ طول هذا الروبوت عشرة سنتيمترات، ليستطيع رغم ذلك منافسة الرّوبوتات اللّيّنة والصّلبة الأخرى، ليس فقط بليونته التامّة وتخلّيه عن كافة الأجزاء الصّلبة، بل أيضاً باستقلاليّته السّلوكيّة دون الحاجة إلى عتادٍ حاسوبيٍّ مدمجٍ لتوجيهه وتحريكه.

ويعدُّ الروبوت الأخطبوط نموذجاً أوليّاً لروبوتاتٍ بحجوم أكبر، وأنماطٍ حركيّةٍ أوسع.

المبدأ العام لعمل الرّوبوت الأخطبوط:

تعتمد حركته بشكلٍ أساسيٍّ على دارة الموائع الميكرويّة (Microfluidics circuits)، وهي دارةٌ تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ الدّارات الإلكترونيّة بأنواعها، ولكن وبخلاف الدّارات الالكترونيّة الّتي تعمل على التّحكّم بتدفّق الالكترونات عبر أجزاء الدّارة، فإنّ دارة الموائع Microfluidics تتحكّم بتدفّق الموائع من غازاتٍ أو سوائلَ عبر قنواتٍ مخصّصةٍ لها، حيث تتسبّب حركة وانتقال هذه الموائع بإحداثِ فروقٍ في الضّغط المطبّق على أجزاءٍ من الدّارة كالصّمامات أو المفاتيح الّتي تُفتح أو تُغلق تبعاً لاختلاف الضّغط، فتسمح بتدفق الموائع عبر القنوات المختلفة في الدّارة أو تعيقها ، وبنتيجة تدفق الموائع عبر القنوات تحدث الحركات بأشكالها المختلفة تبعاً لشكل الدّارة وتصميمها.

البنية الهيكليّة للرّوبوت الأخطبوط:

تمَّ تصنيع الهيكل الأساسيّ من مادة السيليكون، باستخدام تقنيّة الطّباعة ثلاثيّة الأبعاد، ليشابه في شكله الخارجيّ شكل أخطبوطٍ بثمانية أذرع.

كما يحوي هيكله الداخليِّ على قنواتٍ وممرّاتٍ لنقل السّوائل والغازات المختلفة الّتي تلعب الدّور الأساسيَّ في تحريكه، بالإضافة إلى خزانيّ وقود، وصمّاماتٍ تعمل تحت تأثير تغيُّر الضّغط على تمرير أو منع الموائع.

آليّةُ حركة الرّوبوت الأخطبوط:

يُقسم الرّوبوت هيكليّاً إلى قسمين يتحرّكان بالتّناوب، كلُّ قسمٍ يتمثّل بأربعةِ أذرعٍ، بالإضافة إلى خزّان وقود، وصمّاماتٍ ومفاتيحَ خاصّةٍ بتحريك أذرع هذا القسم.

- تجري تعبئة الخزّانين بالوقود، وهو فوق أوكسيد الهيدروجين أو ما يدعى بالماء الأوكسسجينيّ H2O2 .

- يقوم البلاتين الموجود ضمن الخزّانين بتحفيز عمليّة تفكك الماء الأوكسجينيّ ليعطي الأخير كميةً كبيرةً من غاز الأوكسجين.

- ينتج عن انطلاق هذا الغاز من الخزان المرتبط بأحد قسمي الرّوبوت ازدياداً في الضّغط، فتفتح الصمّامات حيث الضّغط المرتفع، وتغلق ما سواها، ليتدفّق الغاز ضمن قنوات القسم الأول من الرّوبوت، وبالتّالي تنتفخ الأذرع الأربعة لهذا القسم وتتحرّك.

- مع استمرار تدفّق الغاز في قنوات القسم الأول سينخفض الضّغط على الصمّامات المفتوحة فتغلق، ويتوقف تدفّق الغاز من الخزّان ضمن قنوات القسم الأول، ليبدأ القسم الثّاني من الرّوبوت بعمله، وبنفس الطّريقة حيث يتحرّر الغاز من الخزّان الثّاني فيخلق ارتفاعاً في الضّغط عند بعض الصمّامات المغلقة فتفتح، ويتدفّق الغاز ضمن قنوات القسم الثّاني لتنتفخ الأذرع الأربعة الأخرى.

وهكذا يستمرُّ الأخطبوط بتحريك أذرعه وبشكلٍ تناوبيٍّ تبعاً لدورة حركة الغاز التّناوبية في كِلا القسمين.

يُذكر أنّ 1 ميلي ليتر من الوقود تكفي لتشغيل الرّوبوت مدّة ثمان دقائق، وأنّ حركة الرّوبوت تقتصر على انتفاخ وارتفاع أذرعه بشكلٍ تناوبيٍّ دون أن يبدي انتقالاً من مكان وجوده الأصليّ، وهو مايجعله روبوتاً بالمعنى العام، ونموذجاً أوليّاً تجريبيّاً عن مزيج التّقنيات المستخدمة في تصنيعه، ليكون حجر الأساس أمام تطوير روبوتاتٍ أعقد، وبحجومٍ أكبر، وبطيفٍ أوسعَ من المهام.

أمّا بالنسبة لسيطرة الرّوبوت الأخطبوط على العالم، اطمئنوا، فالرّوبوت الأخطبوط لم يزل روبوتاً صغيراً، مفيداً ولطيفاً لن يفكّر في غزو العالم….. على الأقلّ لن يفعل هذا في المستقبل القريب.

فيديو توضيحي : هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا