التعليم واللغات > اللغويات

لماذا تختلط الكلمات البسيطة على الأطفال؟ الارتباك في الأداء اللغوي

استمع على ساوندكلاود 🎧

تخيل لحظةً أنّك والدٌ يحاولُ الحدَّ من كميةِ الحلوياتِ التي يتناولُها طفلُه. فيخيّرُه قائلاً: "إما الكعك أو المثلجات" محاولاً وضعَ قواعدَ صارمةً بكلِّ ثقة، ولكنّ الطفلَ يتجاهلُ هذا القرارَ ويُصرُّ على الحصولِ على نوعي الحلوياتِ معاً. فهل يُعدُّ سلوكُه مجردَ تمردٍ على الأوامر؟

في الحقيقيةِ من الممكنِ أن تكونَ كلمةُ "أو" اختلطت على طفلِكَ بكلمةِ "و" كما يحصلُ مع الأطفالِ أحياناً. وهذا ما أثبـتته عدةُ دراساتٍ منذ سبعينياتِ القرنِ الماضي، فما يبدو تقييداً بالنسبةِ للأهلِ قد يبدو موافقةً بالنسبة ِللطفل: "تستطيع أكل الكعك والمثلجات!" ولكن ما السببُ وراءَ ذلك؟ لتعرف جواب ذلك إليك المقال التالي

(تنويه: حاولنا تبسيط المقال قدر الإمكان ولكنه لا يخلو من التخصص نوعاً ما)

تقترحُ دراسةٌ جديدةٌ مبنيّةٌ على تجربةٍ أشرفَ عليها أساتذةُ قسمِ اللغوياتِ في معهدِ ماساتشوستس للتكنولوجيا وفريقٌ من جامعةِ كارلتون مع أطفالٍ تتراوحُ أعمارُهم بين ٣ و6 سنوات تفسيراً جديداً لهذه الظاهرةِ مع الاختلاف التالي: ففي أثناء ِ دراسةِ هذا العيبِ اللغوي توصّلَ الباحثون إلى أنّ الأطفال يُظهرون شكلاً أكثرَ تعقيداً من التحليلِ المنطقي مما لاحظهُ معظمُ الخبراء.

في الواقع، يرى اللغويون أنّ الأطفالَ يستخدمون منهجاً مشابهاً لدرجةٍ كبيرةٍ ذاك الذي يتّبعُهُ البالغون في تقييمِ الجُملِ التي من الممكنِ أن تكونَ غامضةً، وذلك من خلالِ اختبارها و "توكيدها" كجُمل ذاتِ معنًى أدق حين يتعلقُ الأمرُ بأدواتِ العطفِ والفصلِ "أو" و "و" .

ومع ذلك في أثناءِ استخدامِ هذا المنهجِ لا يختبرُ الأطفالُ كيف تتغيرُ الجملةُ إذا ما بدلنا "و" بـ "أو". وهذه المشكلةُ الإجرائيةُ البسيطةُ هي ما يُسبّبُ هذا الارتباكُ في حالةِ المثلجات والكعك.

ويُعقّبُ داني فوكس أستاذُ اللغةِ والفكرِ في معهدِ ماساتشوستس للنكنولوجيا المشاركُ في تحريرِ الدراسةِ التفصيليّة للتجربة:

"يبدو أنّ الأطفالَ يُفسرون أدواتِ الفصلِ على أنّها أدواتُ عطف" ويضيف: "على الرغمِ من المزاعمِ التي تقولُ بأنّ الأطفالَ مختلفون جداً عن البالغين في تفسيرِ الكلماتِ المنطقيّة فإنّ الفرضيةَ الأكبرَ للدراسةِ تقولُ العكسَ أي أنّ الطفلَ من وجهةِ نظرٍ أُخرى كالبالغِ تماماً، ولكن هناكَ معيارٌ صغيرٌ يُميّزُ بينهم."

وعلى الرغمِ من أنّ هذا الاكتشافَ قد يبدو ملتوياً إلا أنّه يؤكّدُ توقعاتِ فوكس وباحثين آخرين بنوها على دراساتٍ سابقةٍ في مجالِ علمِ المعاني الأساسي (وهو قسمٌ من علمِ اللغويات يدرس المنطقَ الذي يستندُ عليه استخدامُ اللغةِ الطبيعي).

وبهذا، فإنّ الدراسةَ تدعمُ ما نعرفُه عن الإجراءاتِ التي يستخدمُها كلٌ من الأطفال والبالغين في أمرِ استخدامِ الأداتين "و/ أو".

ويقولُ راج سينغ الأستاذُ المساعدُ في قسمِ العلومِ المعرفيةِ في جامعةِ كارلتون والكاتبُ الرئيسي للتقرير: "نستطيعُ القولَ بأنّ هناكَ نوعاً خاصاً من الحساباتِ التي يقومُ بها الأطفالُ والبالغون".

لنفهمَ كيف َ يخلطُ الأطفالُ بين الأداتين "أو/و " يجبُ أن نُدركَ أولاً كيفَ يوضّحُ البالغون ما تعنيه الجمل. لنفترضَ أنّ لديك اثنا عشرة قطعةً من البسكويت في وعاءٍ على مكتبِ عملِك، ثم ذهبت إلى اجتماع، وعندما عُدت قالَ لك صديقُك في العملِ: " أكلَ مارتي بعضاً من البسكويت".

ولنفترض أنك وجدْتَ أنّ مارتي قد أكلّ كلَّ البسكويت، فإنّ الجملةَ السابقةَ " أكلَ مارتي بعضاً من البسكويت" قد تبقى صحيحةً ولكن قد يكونُ من الأدقِّ القولُ أنّ "مارتي أكلَ كلَّ البسكويت".

للقيامِ بهذا التقويمِ يلجأُ البالغون إلى ما يُسمّى "عباراتِ التضمينِ الكميّة" وهي عبارةٌ تقنيّةٌ تُعبّرُ عن التفكيرِ بمضامينِ العلاقةِ المنطقيّةِ بين الجملةِ وبديلاتِها. ففي جملةِ" أكلَ مارتي بعضاً من البسكويت" هناك حساباتُ تتمّ على مرحلتين؛ المرحلةُ الأولى: هي التفكيرُ ببعضِ البدائلِ مثلَ ما يمكنُ أن يحصلَ عندَ تبديلِ "كلّ" بـ "بعض" (وبالتالي " أكلَ مارتي كلّ البسكويت"). المرحلةُ التالية: هي إدراكُ أنّ البديلَ يوضّحُ معنًى محدداً جديداً (وهو أن كلّ البسكويت قد أُكل وليس بعضاً منه).

نحنُ ندركُ أنّ الجملةَ " أكلَ مارتي بعضاً من البسكويت" تعني بشكلٍ أدقّ: " أكلَ مارتي بعضاً، وليس كلّ، البسكويت". فيصبحُ لدينا نسخةٌ أقوى من الجملةِ الأولى.

وتنطبقُ هذهِ العمليةُ على جملةِ " أكلت جين كعكةّ أو مثلجات"، فالجملةُ صحيحةٌ في حالِ كانت جين أكلت نوعاً وليسَ الآخر، وهي صحيحةٌ أيضاً عملياً إذا أكلت جين كلا النوعين. ولكن عندَ حسابِ عباراتِ التضمينِ الكميةِ ندركُ أنّ" أكلت جين الكعك أو المثلجات" هي طريقةٌ أقوى لقولِ أن جين قد أكلت نوعاً أو الآخر وليس كلاهما.

قامَ فوكس ببحثٍ موسّعٍ في العقدِ الماضي لإضفاءِ طابعِ رسميٍّ على حساباتِ عباراتِ التضمينِ الكميةِ وتحديدِ المجالاتِ التي قد يكونُ للاختلافاتِ الدقيقةِ في "فضاءِ البدائل" المنطقيّ نتائجَ بعيدةَ المدى.

لماذا تختلطُ الأداتان "أو" و "و" على الأطفال؟

قامَ فريقُ البحثِ بتجربةِ الدراسةِ عن طريقِ اختبارِ 59 طفلاً متحدثاً باللغةِ الإنكليزيةِ و 26 طفلاً في منطقةِ أوتاوا تراوحت أعمارُهم بين 3 سنوات و9 أشهر و 4 أشهر.

أعطى الباحثون الأطفالَ سلسلةً من العباراتِ مصحوبةً بصورٍ ثم طُلبَ منهم أن يحددوا إذا ما كانت العباراتُ صحيحةً أم خاطئة.

ومن أمثلةِ ذلك: عُرضَ على الأطفالِ صورةٌ لثلاثةِ صِبيةٍ يحملون تفاحةً أو موزةً مع عبارة "كلُّ صبيٍّ يحملُ تفاحةً أو موزةً" ثم سُئلوا عما إذا كانت العبارةُ صحيحةً أم خاطئة.

طُلبَ من الأطفالِ أن يقوموا بذلكَ من أجلِ سلسلةٍ من السيناريوهات كأن يكونَ أحدُ الصبيةِ حاملاً نوعاً من الفواكِه والصبيان الآخران حاملين النوعَ الثاني مصحوبةً مع مجموعةٍ متنوعةٍ من عباراتِ "و/أو". وكرّرَ الباحثون خمسَ مجموعاتٍ من تلك التجاربِ مع تغييرِ الصورِ في كلِّ مرّة.

وتقترحُ النتائجُ أنّ الأطفالَ يقومون بحسابِ عباراتِ التضمينِ الكميّة فيِ أثناءِ تقويمِ العباراتِ ولكنهم بشكلٍ عامٍّ لا يُبدلون أدواتَ الفصلِ والعطفِ عند اختبارِ المعاني المحتملةِ للجملِ كما يفعلُ البالغون.

وهذا يعني أنَّ الأطفالَ عندَ سماعِهم عبارةِ "كيك أو مثلجات" لا يبدلون "أو" بـ "و" لاختبارِ ما يُمكن حدوثُه، وحتى من دون هذا الاختلافِ فإنّ الأطفالَ يعزّزون معنى "أو" وذلك ليعني "و". وبذلك تختلطُ "أو" و"و" على الأطفال.

قد نميلُ إلى التفكيرِ إلى أنّ الأطفالَ يرتكبون خطأً بالوصول ِ إلى هذهِ النتيجة، ولكنها نتيجةُ القيامِ بحساباتِ عباراتِ التضمينِ الكمية، وكما لاحظَ سينغ أنّ هذا ما يحدثُ ببساطةٍ فهذه الحساباتُ تؤدي إلى نتائجَ متفاوتةٍ بالنسبةِ للأطفالِ والبالغين.

عملية عالمية:

يوافقُ الباحثون على ضرورةِ دراسةِ التحولِ إلى نمطِ البالغين في توكيدِ العبارة. وفي غضونِ ذلك يتمنونَ أنّ زملاءَهم سيأخذون بعينِ الاعتبارِ الدليلَ الإضافي الذي تقدّمُه الدراسُة عن المنطقِ الأساسيّ الذي يستندُ عليه استخدامُ اللغة.

وإضافةً إلى ذلك فإنّ الباحثين يعتقدون أنّ أدلةً من اللغاتِ الأخرى فضلاً عن اللغةِ الإنكليزيةِ تدعمُ النتيجةَ التي توصّلوا إليها.

ففي كلٍّ من لغتي الوالبيري (لغة سكان استراليا الأصليين) ولغةِ الإشارةِ الأمريكية هناك كلمةُ ربطٍ واحدةٍ تلعبُ دورَ كلٍّ من الأداتين "أو" و"و" وهي خاضعةٌ لعمليةِ التوكيدِ التي يقومُ بها الأطفال، ويضيف ُ سينغ أنّ نتائجَ التجربةِ تتكررُ مع اللغويين في اللغتين الفرنسيةِ واليابانية.

وعلى العمومِ فقد لاحظَ فوكس أنه سواء الأطفال أو البالغون فإن الحقيقةَ المنطقيةَ البارزةَ هي أنه عند أخذِ ’و’ من فضاء البدائل، تتحول ’أو’ إلى ’و’، وهذا يعتمدُ بالطبعِ على طبيعةِ الحساباتِ التي طُرحت كأمورٍ مُسلّمٍ بها، وهكذا فإنّ نتائجَ الدراسةِ تزودنا بإثباتٍ لصيغةٍ مثيرةٍ إلى حدٍّ ما.

إذاً بكل تأكيد إن أطفالَك قد لا يدركون ما عنيته فيما يخص الحلويات أو أنهم عنييدون عن عمد. ولكن إذا كانوا يخلطون بين "أو" و"و" فإنهم لا يتصرفون بشكل صبياني كما تظن.

المصدر:

هنا