البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

العلاج الخلوي ومقارباته الحديثة (2): آليات التحكم بالعلاج الخلوي للسرطان

استمع على ساوندكلاود 🎧

شرحنا في مقالنا السابق إحدى المقاربات المطروحة التي تعتمد على هندسة خلايا المريض المناعية لتهاجمَ الخلايا السرطانية لديه. ومع أنَّ هذه المقاربة ظلّت مقتصرةً على عددٍ من الدراسات الصغيرة إلّا أنَّها أظهرت نتائجَ مثيرةً للاهتمام في بعض الحالات، إذ إنَّ استعمالَ استراتيجيةِ نقل الخلايا المُتبناة (ACR) في دراساتٍ مبكرةٍ أدّى لاختفاء المرض في بعض حالات ابيضاض الدم اللمفاوي الحادّ المتقدمة عند مرضى لم يعد لديهم الكثير من الخيارات العلاجية، كما أدَّت في بعض الحالات إلى إبقاء عددٍ من المرضى خالين من المرض مدةً طويلة.

تُعدُّ تِقْنية العلاج بالخلايا التائية خيمرية المستضد Chimeric Antigen Receptor-T cell تقنيةً واعدةً في هذا المجال، وخاصة ما يستهدفُ منها خباثاتِ الخلايا اللمفية البائية، ولكنها تحمل الكثيرَ من العيوب التي تجعل الآثارَ الجانبية للعلاج أمراً مقلقاً، كانخفاض مستوى الأضداد المناعية في الدم، وبعض الآثار الأخرى التي سنتعرض لها لاحقاً في هذا المقال.

كما ذكرنا سابقاً، تعتمدُ تِقْنية العلاج بالخلايا التائية خَيمرية المستضد CAR-T cell على جمع خلايا لمفاوية تائية من المريض عادةً، وتعديلها باستخدام تِقْنيات الهندسة الوراثية لتظهرَ على سطحها مستقبلاتٌ هجينيةٌ (خيمرية) المستضد، ثم تنميتها في المختبر حتى يصلَ عددُها إلى المليارات وبعد ذلك إعادتها إلى جسم المريض لتحاربَ الخلايا الورمية؛ إذ تسمح هذه المستقبلات الخَيمرية لخلاياها الحاملة بالتعرُّف على مستضدات خلايا ورمية معينة بآلية تشبه التناسبَ بين القفل والمفتاح ما يُسهّل تدميرَها.

إنَّ المعضلةَ الأساسية في المعالجة الخَلوية CAR-T cell الموجّهة ضدّ المستضد CD19 -الخاضعة حالياً للتجارِب السريرية- هي كونُها لا تُفرّق بين الخلايا البائية الخبيثة (تملك تعبيراً أعلى للمستضد) أو تلك السليمة التي تملك تعبيراً أقلّ. يُمكن للبالغين الذين يملكون خلايا مناعيةً أخرى غير مستهدفة تحمُّلُ هذه الحالةِ لكونها لا تُعبّر عن المستضد، ولامتلاكهم ذاكرة مناعية صَلبة، ولكنّ المشكلة أنَّ الأطفالَ لا يتحمّلون مثل هذا الظرف ما يؤدي إلى تعرُّضهم للإنتانات ومشكلاتٍ أخرى بسبب تحطيم خلاياهم المناعية البائية والتحرير المفرط لوسائطَ التهابيةٍ معينة مثل السيتوكينات الناجمة عن التفعيل العالي للخلايا التائية المعدلة.

تعوَّد الباحثون استخدامَ خاصية "الجين الانتحاري" للتحكم بهذه المشكلات، وفيها تُبرمج الخلايا التائية المعدلة لقتل نفسِها عند إعطاء عنصرٍ معيّن للمريض. لكن لهذه الطريقة بعضُ المشكلات التي يودُّ الباحثون تجاوزَها رَغم فاعليتها في تخفيف الأعراض الجانبية. فقد ينكس المرض ويعود للانتشار من جديد عند قتل هذه الخلايا المعدلة، بالإضافة لكون عملية تعديل خلايا جديدة مكلفة جداً؛ لذلك تمّ البحث عن وسيلة أخرى تحافظ على الخلايا التائية حيةً لكن تحت السيطرة، ويظنّ باحثون من جامعتين في اليابان وتايلند أنَّهم وجدوا ضالّتهم بطريقة التحكم بالخلايا عن بُعد -لتفعليها وتثبيطها- عبر الصادّ الحيوي "الدوكسيسيكلين" في محاولة منهم للتغلب على هذه المشكلات.

ولتجربة فعالية استخدام الدوكسيسيكلين لضبط فعالية الخلايا التائية المعدلة CAR T cells، قام الفريق بإضافة المستقبل الخيمري للمستضد CD19 على ناقل فيروسي خاص وتنبيغه بشكل رجعي إلى الخلايا التائية؛ إذ يحوي هذا الناقلُ الفيروسي الذي يسمَّى Tet-on vector معلوماتٍ محددةً تسمح للخلايا الحاملة له بتفعيل جين معيّن -مثل جين المستقبل الخيمري في حالتنا- عند وجود الدوكسيسيكلين.

أظهرت النتائج المخبرية الأولية فعاليةَ هذه الخلايا المتجاوبة للدوكسيسيكلين حاملةِ المستقبلات الخيمرية ضدَّ CD19 في القضاء على الخلايا حاملة ذلك المستضد وإنتاج السيتوكينات اللازمة لقتل الخلايا الورمية والتكاثر عند التحريض بوجود CD19 عند وجود الصاد الحيوي، وذلك بشكل مماثل لفاعليتها قبل إضافة خاصية التحكّم عن بُعد. في حين فقدت الخلايا ذاتُها تعبيرَها للمستقبلات الخيمرية وخواصها كخلايا تائية معدّلة في غياب الدوكسيسيكلين. وقد كُرّرت هذه النتائج في حالة الطعوم الأجنبية xenograft models، أي في أجسام حيوانات تحمل خلايا سرطانيةً بشرية، وهي خطوةٌ إضافيةٌ في سبيل استخدام هذه الطريقة لدى البشر.

تبدو هذه النتائجُ مشجعةً في طريق تحسين خواص السلامة المتعلقة بالعلاج بالخلايا التائية حاملة المستقبلات الخيمرية CAR-T cell وتخفيف سُمّيتها، كما قد تفتح الباب أمام استخدام هذه الاستراتيجية لعلاج أورام متنوعة بالمشاركة مع علاجات خلوية أخرى، ولكن مازالت هذه التقنيات بحاجة للبحث والتطوير وإثبات العديد من الخاصيات بطرقٍ مختلفة، إلا أنّها تُظهر جديةَ المجتمع البحثي الطبي والبيولوجي في التعاون لقهر السرطان.

المصدر: هنا

الدراسة الأصلية: هنا