الفيزياء والفلك > فيزياء

نظريّة جديدة قد توحّد أكبر نظريّتين في الفيزياء

استمع على ساوندكلاود 🎧

ملخّص: في ورقةٍ علميّة نُشِرت مؤخّراً، أشار أحدُ علماءِ الفيزياءِ النظريّة في جامعة ستانفورد إلى أن مفتاح الوصل بين نظريّة النسبيّة العامّة وميكانيك الكم يكمُن في الأنفاق الزمكانيّة المعروفة بـ "الثقوب الدوديّة"أو "wormholes".

تواجه الفيزياء اليوم مشكلة غاية في الصعوبة إذ توجد نظريّتان لوصفِ الكونِ من حولنا هُما: النسبيّة العامّة وميكانيكا الكم.

تَعمَلُ كلٌّ مِن هاتَين النَظريتَين بِشكلٍ مثاليّ ضِمنَ حيّزٍ مُعيّن. فالنسبيّةُ العامَةُ تَصِفُ الكونَ وتُفسِّر الظَواهِر الّتي تحدثُ على المستوى الكونيّ الكبير، في حين تَصِفُ نظريّةُ ميكانيكا الكَمّ الظواهِر على المُستَوى الذَريّ المُتناهي الصِّغر. أما المُشكلةُ فهيَ أننا عِندَما نُحاوِلُ جَمعَ هاتَين النَظريّتين مَعاً لإيجادِ نظريّة واحدةٍ تصِفُ الكونَ على المستويين الصغير والكبير كَكُل، فإنَ الأمورَ تُصبِحُ أكثرَ تعقيدًا.

توصّل أحد عُلماءِ الفيزياء النظريّة في جامعة ستانفورد إلى مُعادلةٍ جديدةٍ تقترحُ إمكانيّةَ دمجِ النظريّتين باستخدام الأنفاق الزمكانيّة والتي تعرف بالثقوب الدوديّة، هذه المعادلة بكل بساطة هي: ER=EPR

لا تمثِّل هذهِ الرموزُ قيماً عدديّةً بالطّبع، بل تمثِّل أسماءَ بعضِ الأشخاصِ الذين ساهموا بشكلٍ كبير في الفيزياء النظريّة، فالطرف الأيسر ER من المعادلة يرمز إلى أينشتاين Einstein ونايثين روزين Nathan Rosen، وذلك إشارةً إلى ورقة علميّةٍ مشتركة بينهما نُشرت عام 1935. تصِفُ هذه الورقةُ الثقوب الدوديّة التي تُعرَفُ أيضاً بِجسورِ آينشتاين – روزين، أمّا الطرف الأيمن EPR فيرمِزُ إلى أينشتاين وروزين وبوريس بودولسكي Boris Podolsky، لِتعاوُنِهِم فِي كِتابَةِ ورقةٍ علميّة أُخرى في العام نَفسِه تَصِفُ التشابُك الكميّ . بمعنى آخر، يَرمِزُ الطرفُ الأيسر إلى النسبيّة العامة، في حين يرمزُ الطرف الأيمن لميكانيكا الكم.

في عام 2013 اقترح الفيزيائي ليونارد سوسكيند Leonard Susskind من جامعة ستانفورد بالتعاون مع خوان مالداسينا Juan Maldacena من مَعهَدِ الدِراساتِ المُتقدّمة في برينستون، فِكرَةَ أن الورقتان قَد تُشيران للشيءِ ذاتِه، الأمر الذي لَم يخطُر في بالِ أحدٍ سابِقاً، حتى آينشتاين نَفسَه، واليومَ يَعودُ سوسكيند لِمُناقَشةِ عَواقِبِ فِكرتِه.

وقبل الحديث عن دمج النظريّتين معاً لنتحدث عن كلّ واحدة على حِدَةٍ:

فالنسبيّة العامّة التي وَضَعَها آينشتاين تَقتَرِحُ وَجودَ ثُقوبٍ دوديَّةٍ تَصِلُ بَينَ مَناطِقَ مُختَلِفة مِنَ النَسيجِ الزَمكانيّ. نظريًّا، إذا سَقَطْتَ في ثُقبٍ دوديّ فإِنَكَ سَتعبُرُ بِشكلٍ لَحظيٍّ تَقريبَاً إلى الجَانِب الآخر مِنهُ، حَتى لو كانَ ذَلك على الجَانِب المُعاكس من الكون. لكِنَ الثُقوبَ الدوديَّة لَيست مُجرّدَ بوّاباتٍ إلى أماكِنَ أُخرى في الكون فقط، إنَما هِي بوّاباتٌ تَربِطُ بَينَ الأزمِنَةِ أيضاً. ِلذلِك فإنكَ قَد تَظهَرُ أيضاً في زمنٍ آخر مُختلفٍ عن الذي كُنتَ فيه.

أمّا التَشابُكاتُ الكمِيّة فَتصِفُ كيفيَّةَ تَفاعُلِ جُسيمين معًا بِحيث يُصبِحان مرتبطين ومشترِكَين في وجُودهما، بِمعنَى أنَّ أيَّ شيءٍ يَحدُث لأحَدِهِما سَيؤثِّرُ بِشكلٍ لَحظيٍّ على الآخر مَهما كانَت المَسافُةُ الفَاصِلَةُ بَينَهُما.

حسنًا، دعنا الآن نَدمِج النظريّتين سويّةً.

يَقتَرِحُ ليونارد سوسكيند في ورَقَتِه البَحثيّة أن يَقومَ شَخصانِ افتراضيّان (أليس وبوب مثلاً) بحملِ مجموعةٍ من الجُسيماتِ المُتشابكة، بحيث تأخُذُ أليس جُسيمًا واحِدًا مِن كلِّ زَوجٍ مُتشابك، في حين يأخذُ بوب الجُسيم الآخر. فإذا سافرَ كُل منهما إلى جهتينِ مُتعاكِستين مِن الكون، وبعد ذلك قامَ كلٌّ مِنهُما بِسحقِ الجسيماتِ الّتي يحمِلُها بقوّة كبيرة، سيؤي ذلك إلى تشكيلِ ثُقبين أسودين مُنفصلين يقَعُ كلٌّ منهما في جهةٍ مُختلفة مِنَ الكون.

فإذا افتَرضنَا أن المُعادلة السابِقة صَحيحة، فإنّ نفقًا دوديّاً سَيربِطُ بَينَ هذينِ الثُقبين الأسودَين وبالتالي، يُمكِنُ وَصفِ التَشابُكِ الكمّي باستِخدامِ هَندسَةِ الثقوبِ الدوديّة. لكِنَ الأغرب من ذلك هو احتِماليَّةُ وجودِ جُسيمين دون ذريّين، مُتشابِكين مع بعضِهما عبرَ نوعٍ مِنَ الثُقوبِ الدُوديّة. وبما أن الثقوبَ الدوديّة هي تشوُّهات في هندسة الزمكان، موصوفةٌ اعتمادًا على النسبيّة العامّة لآينشتاين، فإنّ وَصفَ هذهِ الثُقوب اعتمادًا على التَشابُك الكمّي سَيُشكِّلُ رابِطاً بينَ المِيكانِيك الكلاسيكيّ وميكانيك الكم.

هل سوسكيند على حق؟ من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال الآن، فقد قام سوسكيند بنشر ورقته على موقع arXiv.org لتُدرَسَ من قِبل نُظرائه، وهي بحاجةٍ إلى دراسةٍ عميقة.

من الجدير بالذكر أن سوسكيند لم يكن أوّل من فكر في هذا الأمر، ففي وقتٍ سابقٍ من هذا العام اقترحت مجموعةٌ من العلماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا فرضيّةً مماثلة عندما حاولوا ربط التغيُّرات في الأطوار الكميّة، مَع انحناءات الزمكان.

المصدر: هنا