الاقتصاد والعلوم الإدارية > علوم مصرفيّة

يوم الجمعة الأسود

استمع على ساوندكلاود 🎧

أكثر من 2 تريليون دولار، هكذا كان حجم الخسائر في يوم الجمعة فقط والذي تم تسميته بيوم الجمعة الأسود Black Friday. حيث أعلنت فيه نتائج الاستفتاء حول بقاء أو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والذي انتهى بفوز الفريق الداعم للخروج واستقالة رئيس الوزراء البريطاني David Cameron.

نتائج الاستفتاء سببت حالة من الذعر لدى المستثمرين حول العالم، مما دفعهم إلى بيع الأصول الخطرة والاتجاه نحو الاستثمار في الأصول الآمنة والتي تسمى الملاذ الآمن كالذهب، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب بحوالي 4%. في حين هبطت أسعار النفط بما يقارب 5% نتيجة المخاوف حول الآثار السلبية المترتبة على النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط. كما فقد الجنيه الإسترليني أكثر من 10% من قيمته في أكبر هبوط له منذ ثلاثين عاماً.

سنتعرف في هذا المقال على ردة فعل الأسواق العالمية ومؤشرات الأسهم على انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي British Exit (Brexit)، وتذكر بأن كل ما ستقرأه الآن حصل في يوم واحد وهو يوم الجمعة الأسود

أسواق الولايات المتحدة الأمريكية

انخفضت أسعار الأسهم الأمريكية إلى أدنى مستوى لها منذ 10 أشهر، وسط توقعات بأن قرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى عرقلة النمو العالمي، وهو ما سبب حالة تخوف واضطراب في الأسواق وعمليات بيع واسعة للأصول.

خلال يوم الجمعة فقط، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي Dow Jones Industrial Index بما يزيد عن 600 نقطة (3.4%)، في حين تجاوزت الخسائر على مؤشر S&P 500 Index هذا المعدل لتصل إلى 611.21 نقطة (3.6%). كما تراجع مؤشر ناسداك المركب The Nasdaq Composite Index بمقدار 4.1% وهي الخسارة الأكبر منذ 5 سنوات.

تجاوزت حجوم التداول 15 مليار سهم في البورصات الأمريكية، وهو ما يزيد عن ضعف المعدل اليومي للتداول خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

إضافةً إلى Brexit، فإن يوم الجمعة كان موعد عملية إعادة التكوين السنوية لمؤشرات FTSE Russell Indexes، وهو ما شكل ضغوطات إضافية على عمليات التداول.

لقد كانت الخسائر ليوم واحد على أسهم البنوك، التكنولوجيا، الأسهم الصناعية والمواد الخام هي الأسوأ منذ أربعة سنوات. إلا أن الخسارة الأكبر كانت من نصيب البنوك والمؤسسات المالية، نظراً لارتباط أعمالها واستثماراتها الواسعة في المملكة المتحدة. نتيجةً لذلك، هوت أسعار أسهم البنوك الأمريكية بشكل كبير، حيث انخفضت أسهم Citigroup بمقدار 9.4%، وانخفضت أسهم البنكين العملاقين JPMorgan Chase وGoldman Sachs Group بما يزيد عن 6.9%، والذي يعتبر الانخفاض الأكبر منذ أربع سنوات.

بالإضافة إلى البنوك، عانت العديد من الشركات الصناعية الأمريكية العريقة خسائراً في قيمة أسهمها نظراً للتأثير السلبي المحتمل على أنشطتها التشغيلية ومبيعاتها. منها شركة Ford Motor التي انخفضت أسهمها بما يزيد عن 6.6%، وشركة General Motors التي انخفضت أسهمها بمقدار 4.9%.

في الحقيقة، لقد كان توقيت Brexit سيئاً جداً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تعيش أسواقها مسبقاً حالة من عدم اليقين بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وانخفاض الأرباح الربع سنوية للشركات، إضافة إلى التساؤلات حول قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تحفيز النمو بعد أسوأ شهر من حيث التوظيف منذ عام 2010.

الأسواق الأوروبية

بعد تفاؤل المستثمرين بعدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جاءت نتائج التصويت يوم الجمعة مخيبةً لآمالهم ومسببةً أكبر انخفاض شهدته أسواق الأسهم الأوروبية منذ الأزمة العالمية عام 2008.

تراجع مؤشر الأسهم الأوروبي Stoxx Europe 600 Index بمقدار 7% نتيجة انخفاض أسعار جميع الأسهم المكونة لهذا المؤشر، وقد كانت البنوك وشركات التأمين هي الخاسر الأكبر. حيث تراجعت أسهم بنوك Lloyds Banking Group وBanco de Sabadell بما يزيد عن 19%.

أما المؤشر البريطاني FTSE 100 Index فقد انخفض في الدقائق الأولى من بدء التداول بمقدار 8.67% وهو الهبوط الأكبر له منذ الأزمة العالمية في عام 2008، إلا أنه تحسن خلال جلسة التداول لتنخفض الخسارة إلى 3.2%، وذلك نتيجة المكاسب المحققة للمصدرين البريطانيين بسبب انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني ووعود البنك المركزي البريطاني بدعم الأسواق.

بشكل عام، لحقت الخسائر بجميع مؤشرات الأسهم المحلية للدول الأوروبية. حيث انخفض المؤشر الألماني DAX Index بمقدار 6.8%، والمؤشر الفرنسي CAC 40 Index بمقدار 8%، والمؤشر السويسري Swiss Market Index بمقدار 3.4%، والمؤشرين الإيطالي FTSE MIB Index والإسباني IBEX 35 Index بمقدار 12%. أما الأداء الأسوأ في الاتحاد الأوروبي فقد كان من نصيب اليونان والتي تراجع مؤشرها ASE Index بمقدار 13%.

إن قرار المملكة المتحدة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي أدى إلى انخفاض كبير في أسعار أسهم الشركات التي تحصل على معظم عائداتها من المملكة المتحدة. فقد وصل هذا الانخفاض إلى ما يزيد عن 28% بالنسبة لشركتي البناء البريطانيتين Taylor Wimpey وPersimmon. ولكن من ناحية أخرى، عزز الانخفاض في قيمة الجنيه الإسترليني من موقف شركات التصدير البريطانية التي تعتمد إيراداتها بشكل كبير على التصدير إلى خارج البلاد، فارتفعت أسهم شركتي Compass Group وBritish American Tobacco بمقدار 2.6%.

أسواق أوروبا الناشئة وجنوب افريقيا

ساد القلق بين المستثمرين في أسواق أوروبا الشرقية وجنوب افريقيا لاعتقادهم بأن اقتصاديات هذه الدول ستكون المتضرر الأكبر من Brexit، وبشكل خاص الدول الأوروبية الناشئة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي زاد من احتمال انخفاض المساعدات المالية المقدمة لهذه الدول، إضافة إلى خسارتها القدرة على الوصول إلى السوق البريطاني. هذا الأمر دفع المستثمرين إلى بيع أصولهم الخطرة مما أدى إلى انخفاض أسعار الأسهم في تلك الأسواق.

انخفض مؤشر الأسواق الناشئة MSCI Emerging Markets Index بمقدار 3.5%. من هذه الأسواق نذكر مؤشر وارسو البولندي WIG 20 Index الذي انخفض بمقدار 4.5% وهي أكبر خسارة ليوم واحد خلال عشرة شهور، مؤشر بورصة اسطنبول التركي Borsa Istanbul 100 Index الذي انخفض بمقدار 3.4%، مؤشر بورصة بودابست Budapest Stock Exchange Index الذي انخفض بمقدار 4.5%. كما شهد المؤشر الافريقي FTSE-JSE Africa All Share Index أكبر خسارة له منذ عام 2010 بانخفاض قدره 3.6%.

إضافةً إلى التراجع في مؤشرات الأسهم، شهدت عملات الدول الناشئة تراجعاً ملحوظاً في قيمتها. حيث انخفض مؤشر عملات الدول الناشئة MSCI Emerging Markets Currency Index بمقدار 1.2%.

بالنسبة لعملة الزلوتي البولندية والذي ينظر إليها كمؤشر لمخاطر الأسواق الناشئة فقد انخفضت بمقدار 2% مقابل اليورو، في حين انخفضت الليرة التركية بمقدار 2.5% مقابل الدولار والرند الافريقي بمقدار 4.4% مقابل الدولار. كما أبلغت البنوك المركزية في كل من كوريا الجنوبية والهند عن تدخلها في السوق من أجل ضمان سلامة تداول عملاتها حيث انخفضت قيمة كل من عملتي البلدين بمقدار 2.5% و1.1% على التوالي.

كذلك ارتفعت العلاوة التي يطلبها المستثمرون على الديون السيادية للدول الناشئة لتسجل أعلى مستوى لها منذ عام 2013، وهو ما يدل على ارتفاع المخاطر المرتبطة بالاستثمار في هذه الديون.

أسواق غرب آسيا والشرق الأوسط

شهدت الأسهم الآسيوية أكبر انخفاض لها خلال العشرة شهور الماضية، بسبب التخوف من انخفاض النمو العالمي كنتيجة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

انخفض مؤشر الأسهم الآسيوية MSCI Asia Pacific Index بمقدار 4.1%. كان الانخفاض الأكبر من نصيب المؤشر الياباني Topix والذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ عام 2011 بمقدار 7.3%. في الحقيقة، إن أسواق الأسهم اليابانية كانت من الأسواق الأشد تأثراً، وذلك نتيجة التوقعات بأن الأزمة الحاصلة سوف تدفع المستثمرين إلى شراء الأصول الآمنة مثل الين الياباني، مما سيرفع من قيمة الين ويؤثر سلباً على صادرات اليابان. هذا الأمر أدى إلى خسائر كبيرة للشركات اليابانية، حيث انخفضت أسهم شركة Toyota Motor أكبر شركة في اليابان بمقدار 8.7% وهو الانخفاض الأسوأ منذ الأزمة العالمية عام 2008.

انخفض أيضاً المؤشر الصيني لبورصة هونج كونغ Hang Seng Index بمقدار 2.6%، حيث أن شركات الإسكان في بورصة هونغ كونغ تحصل على الجزء الأكبر من إيراداتها من المملكة المتحدة، بالتالي فإن الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه الإسترليني في ظل تثبيت اليوان الصيني مقابل الدولار سيؤدي إلى انخفاض أرباح هذه الشركات عند تحويلها الى العملة المحلية.

طالت الخسائر جميع الأسواق الآسيوية، حيث انخفض مؤشر نيوزيلاندا S&P/NZX 50 Index بمقدار 2.3%، وأسهم فيتنام بمقدار 1.8%، إضافة إلى الانخفاض في مؤشرات الأسهم في كل من اندونيسيا والفيليبين وتايلاند بمقدار 1.3%.

بالانتقال إلى الشرق الأوسط، لم تسلم البورصات العربية أيضاً من الآثار السلبية ل Brexit، حيث ساد القلق بين المستثمرين حول تأثير خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي على اقتصاديات هذه الدول.

انخفض مؤشر بورصة مصر EGX 30 Index بمقدار 5.5%. كما لحقت الخسائر بمؤشرات الأسهم في جميع دول الخليج العربي، فقد انخفض مؤشر بورصة دبي DFM General Index بمقدار 3.3% وهو الانخفاض الأسوأ منذ بداية العام، كما انخفض مؤشر بورصة قطر QE Index بمقدار 1.2%، مؤشر بورصة مسقط في سلطنة عمان MSM 30 Index بمقدار 0.6%، مؤشر بورصة أبو ظبي ADX General Index بمقدار 1.9%، مؤشر بورصة البحرين ADX General Index lost بمقدار 0.7% ومؤشر بورصة الكويت SE Price Index بمقدار 1.1%.

وفقاً لمحمد علي ياسين المدير العام لشركة أبو ظبي الوطنية للأوراق المالية، فإن التأثير على أسواق دول مجلس التعاون الخليجي سيكون عبر قناتين، الأولى هي المشاعر السلبية المتولدة لدى المستثمرين نتيجة ظروف عدم اليقين والخسائر المحققة في الولايات المتحدة والأسواق الأوروبية. والثانية هي آثار إعادة تكوين المحافظ العالمية التي تستثمر في الأسواق الناشئة حيث أن دول مجلس التعاون الخليجي هي جزء من هذه الأسواق.

أيضاً فقد انخفض المؤشر السعودي Tadawul All Share Index بمقدار 1.1%، ومما لا شك فيه بأن الانخفاض في أسعار النفط كان أحد الأسباب الرئيسية. كما ارتفع معدل الفائدة لمدة ثلاثة أشهر بين البنوك السعودية وهو ما يشير إلى انخفاض السيولة في النظام المصرفي في المملكة.

الخاتمة

إن القرار الذي اتخذته المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي كان قراراً مكلفاً على مستوى العالم. حيث تذكرنا أبعاده بأزمة انهيار بنك Lehman Brothers عام 2008 وأزمة الديون الأوروبية التي بلغت ذروتها عام 2011. ولكن بحسب آراء بعض الاقتصاديين فإنه على الرغم من الضبابية والغموض الذي يكتنف الأسواق حالياً، يبقى الحديث عن أزمة مالية عالمية جديدة مبكراً.

المصادر :

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا