الاقتصاد والعلوم الإدارية > علوم مصرفيّة

أزمة فلوريدا العقارية

استمع على ساوندكلاود 🎧

خلال العشرينيات من القرن الماضي في فترة الازدهار التي بدأت في الولايات المتحدة وتحديداً في ولاية فلوريدا، تغيّرت أسعار العقارات بشكلٍ كبير، فالأرض التي كان يمكن شراؤها بمبلغ 800 ألف دولار أصبح من الممكن بيعها في غضون في عام واحد بأربعة ملايين دولار أمريكي. استمر ذلك حتى عام 1926، حيث تضخمت أسعار العقارات بشدة لدرجة أنّ المبلغ المطلوب لشراء شقة ضمن بناء في ولاية فلوريدا يساوي المبلغ اللازم لشراء منزل فخم ضمن منطقة كاملة الحراسة في مدينة ميامي في الوقت الحالي (4،500،000 دولار أميركي ). وقاد هذا إلى حدوث أزمة اقتصادية أدّت إلى انهيار الأسعار وعودتها إلى فترة ما قبل الازدهار مسببة خسائر كبيرة للمستثمرين.

وكملخص لما حدث، كانت الولايات المتحدة الأمريكية في عشرينيات القرن الماضي تعيش حالة من الرخاء والتطور الاقتصادي كما هو الحال في الإمبراطورية البريطانية في القرن الثامن عشر، حيث بدأ الناس يعتقدون أنّ هذا الازدهار لا نهاية له. ولم يكن هذا الازدهار يقف عند سوق الأسهم فقط بل امتد ليشمل سوق العقارات أيضاً. ففي عام 1920 أصبحت ولاية فلوريدا ذات شعبية كبيرة لما تتميز به من طقس دافئ في الشتاء، وأضحت وجهة للأشخاص الذين لا يحبون الجو البارد، مما أدى إلى نمو عدد السكان بشكلٍ مستمر. بحلول عام 1925 ازداد عدد السكان حوالي 300 ألف شخص، و لم يكن الطقس فقط سبب جذب الناس، بل ساعدت القوانين التي تمّ تشريعها في تلك الفترة على جذب الأغنياء من كافة أنحاء البلد. بالإضافة إلى ذلك، بدأت سباقات الأحصنة والكلاب تزداد خلال هذه الفترة مما جذب الكثير من المقامرين الأغنياء. وتابعت السكك الحديدية نموها ضمن الولاية حيث ساعدت السكة الحديدية التي تربط جنوب شرق ولاية فلوريدا بولاية نيويورك على نمو العديد من شبكات السكك الحديدية لترتبط بها، وحصل ازدهار كبير في المنشآت الترفيهية والخدميّة ضمن الولاية. وبسبب هذا الازدهار رأى الكثير من المستثمرين أن شراء العقارات سيكون مربحاً في فلوريدا، وبدأ معظمهم يشترون بدون أن تطأ أقدامهم الولاية. ومن ناحية أخرى لم يكن هنالك مساكن تكفي للطلب المتزايد عليها مما أدّى إلى مضاعفة الأسعار مرتين أو ثلاث في بعض الحالات، وكان الارتفاع لهذه الدرجة في الأسعار غير مبرر. من هنا بدأت المشكلة حيث أن أخبار تضاعف أسعار أي شيء مرتين أو ثلاث دائماً يجذب المضاربين للحصول على أعلى الأرباح.

كانت انطلاقة السوق العقارية في فلوريدا عندما بدأ المضاربون بضخ كمية ضخمة من الأموال، بحيث لم يبقَ أحدٌ في فلوريدا إلا وأصبح مستثمراً عقارياً أو وكيلاً للأعمال العقارية، حتى الأشخاص الذين لا يملكون ثمن العقار كاملاً كانوا يدفعون دفعات مقدمة لحجزه وإبرام عقود البيع. ولسوء حظهم فإن القواعد هي نفسها، سواء كنت تدفع مبلغاً كبيراً للحصول على سهم أو لشراء قطعة من الأرض يتوجب عليك أن تجعل الأسعار أكبر لكي تحصل على أرباح أكثر. وهذا ما حدث لفترة في فلوريدا لدرجة أن أسعار العقارات تضاعفت أربع مرات في أقل من سنة، وفي نهاية المطاف بدأ الناس يدركون أنّ ارتفاع الأسعار مبالغٌ فيه وتوقفوا عن شراء الأراضي بهذه الأسعار المرتفعة، وعندها بدأت الأسعار بالانضباط بشكلٍ خفيف.

في عام 1925 وبعد هذا الارتفاع الخيالي بالأسعار، لم يتمكّن المستثمرون الجدد من دخول السوق، وتوقع المستثمرون القدامى أن الأسعار ستنخفض. كما دعمت التغيرات المناخية التي أدّت إلى قدوم شتاءٍ باردٍ إلى ولاية فلوريدا توقعات المستثمرين في ذلك الوقت، فبدأ الذعر ينتشر بينهم وتبعها حالات بيع بالآلاف مقابل عدد قليل فقط من المشترين، وهنا كان انفجار هذه الفقاعة الاقتصادية. فانخفاض الأسعار بشكلٍ كبيرٍ جعل الناس يبيعون أغلب ممتلكاتهم تجنباً للإفلاس، وترافق ذلك مع إفلاس العديد من المستثمرين مما جعلهم غير قادرين على سداد تعهداتهم بدفع المبالغ المتبقية عليهم، مما أدى إلى انخفاضات أكبر في الأسعار. وكما بدأ الإقبال الكبير على عقارات فلوريدا فجأةً، توقف هذا الاقبال فجأةً، وتبعه حالةٌ من الكساد استمرت لـ 4 أعوام بعد انفجار الفقاعة، أي حتى عام 1929 حيث حدث انهيار سوق الأسهم الكبير فدخلت البلاد كلها بما يعرف بالكساد العظيم.

المصادر :

هنا

هنا