الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

هل يُعد الطهي باستخدام أواني الحديد الصب آمناً؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

استُخدِم الحديدُ الصب (الزهر) Cast iron منذُ أكثرَ من ألفِ سنةٍ كأحدِ الموادِ المُعتمدة والموثوقةِ للطهي، وفعلياً يعودُ ذلكَ إلى العصرِ الحديدي، أي منذُ ما يُقارب ألفين وخمسمائة (2500) سنة. ومع التقدم العلمي، أخذَ الناس بالتساؤلِ عن مدى سلامةِ كل شيءٍ يحيطُ بهم، بما في ذلكَ حديدِ الصب. فاستخدامُ الحديدِ الصب لسنواتٍ عديدةٍ من قبَلِ الكثير من الأشخاص الذين عاشوا حياةً طويلةً وصحيةً لا يعني بالضرورة أنه الخَيار الأكثرُ ملاءمةً لاستخدامه على شكل أوانٍ للطهي. والحديدُ الزهر هو مادةٌ قاسيةٌ تتألفُ من خليطٍ من الحديدِ والكربونِ والذي يمكنُ قولَبَتُه بسهولة، ويحتوي على نسبةِ كربون أعلى من الحديد (بنسبة 2:4.3).

من الناحيةِ الغذائية، يعتبرُ الحديد عنصراً معدنياً هاماً، وقد يؤدي الطهيُ في مقلاةٍ من الحديد الصّب إلى انتقالِ القليلِ من المعدن من المقلاة إلى الغذاء ومنهُ إلى أجسامنا، وهو أمرٌ قد يراهُ البعضُ محبذاً، خاصة وأنّ 1.6 بليون نسمةٍ من التعدادِ السكاني العالمي مصابون بفقرِ الدم (الأنيميا) الناجمِ بشكلٍ رئيسيٍ عن نقصِ الحديد. إلا أنّ الخاصيّةَ التي تجعلُ الحديدَ عنصراً هاماً جداً للجسم، هي نفسُها التي تجعلُهُ مسبِّباً محتملاً للضرر عند تناولِ كمياتٍ أكثرَ من اللازم، وهي قابليتُهُ لمنحِ أو استقبالِ الالكترونات، والتي تؤدّي في حالِ زيادتِهِ إلى زيادةِ إنتاجِ الجذورِ الحرّةِ في الجسم، خاصّةً وأن الأبحاثَ والدراساتِ العلميّةَ قد أثبتَت أن الارتفاعَ الكبيرَ في مستوياتِ الحديد يرتبط بالعديد من الحالاتِ الصحيّةِ المختلفة، كالآلزهايمر وأمراضِ القلب وسرطان القولون والمستقيم على سبيل المثالِ لا الحصر. ومع كل ذلك، تبقى هناك مجموعتانِ من البشر لا يتوجّب عليهما القلق من فرطِ الحديد كثيراً، وهما النساءُ في سنّ الحيض، والأشخاصُ الذين يتبعون حمياتٍ لا تتضمن اللحوم كالنباتيين Vegetarians والخضريين Vegans. أما بالنسبة للآخرين، وخاصةً من يتناولون اللحومَ الحمراء بشكلٍ منتظمٍ، فيجبُ عليهم تجنّب الإفراط في تناولِ المصادرِ الغذائيةِ للحديد.

احتماليةُ الارتفاعِ المفرط لمخزون الحديد

يرتفعُ مؤشّرُ الخطرِ لدى الأشخاصِ المصابينَ بداءِ ترسُّبِ الأصبغةِ الدموية الوراثي Hereditary hemochromatosis، وهي حالةُ تصيب الإنسانَ بعمرِ المراهقة، وفيها يحدثُ امتصاصُ كميّاتٍ كبيرةٍ من الحديد من مصادرِه الغذائيّة، مما يجعلُهُ يُماثلُ خطورةَ التسمُّمِ بالحديدِ لدى الأطفال، والتي بدأت تُلاحَظ في الثمانينيات من القرن الماضي، وأدّت إلى استبعادِ الحديد من بعض كبسولاتِ الفيتامينات المُخصّصةِ للأطفال. كما تحتوي أنواعٌ محددةٌ من الأغذيةِ – وبشكلٍ خاصٍ حبوبُ الإفطار- على الحديدِ المضاف، والذي يُمكنُ أن يساهم في بناءِ مخزونِ الحديد مع الوقت لدى الأشخاصِ الذين لا تَطرح أجسامُهم الحديد مرةً كل شهر، وبالتحديدِ جميعُ الذكورِ والإناثِ بعدَ سنّ اليأس.

وبشكلٍ عام، توجد ثلاثةُ وسائلَ للحدِّ من فرط المدخولِ من الحديد، الأولى هي ببساطةٍ تناولُ كمياتٍ أقلَّ منه، وذلك باستبدالِ كبسولات الفيتامينات المتناولةِ بنوع خالٍ من الحديد، والتقليلُ من المصادرِ الغذائيةِ الغنيةِ به. أما الوسيلةُ الثانية، فهي تناولُ بعضِ الأغذية التي تُبطِئ امتصاصَ الحديد، كالقهوةِ وبعضِ الأنواعِ المحددةِ من المواد الكيميائية النباتية Phytochemicals. أما الوسيلة الثالثة، والتي تبدو أكثرَ الخيارات جوهريةً، فهي التبرّعُ بالدم بين حينٍ وآخر، والتخلّي عن بعضِ الحديدِ العالقِ في خلايا الدم الحُمر، وهي طريقةٌ لا تُحتِّم إجراءَ تغييراتٍ في النظامِ الغذائي، علاوةً على كونِها مساعدةً قيمةً لمن يحتاج تلك الدماءَ بشدةٍ، لذا فهي صفقةٌ رابحةٌ من الجهتين.

ويبين الشكل التالي احتمالية الخطر الناتج عن الارتفاعِ المفرط لمخزون الحديد على فئاتٍ مختلفةٍ من الأشخاص:

تأثير الطهي في أواني الحديد الصبّ على محتوى الغذاء من الحديد

يحتاجُ الرجال إلى 8-10 ملغ من الحديد يومياً، وترتفعُ الحاجة عند النساءِ قبل سنة اليأس إلى حوالي 15 ملغ، ويمكن لحصةٍ من صلصةِ البندورةِ المطبوخةِ في مقلاةٍ من الحديد الصّب أن تُؤمّنَ 5 ملغ من الحديد تقريباً. ويعدُ هذا التأثيرُ إجراءً موثوقاً للغايةِ لمكافحةِ الأنيميا، إذ بيّنَت الدراساتُ أن قدورَ الطهي والمقالي المصنوعةَ من الحديد تُعزّزُ مستوياتِه في الجسم، وتزيد محتواهُ في أنواعٍ محددةٍ من الأغذية، كالبيضِ وعصيرِ التفاح، إلّا أنها لا تزيدُه في أطعمةٍ أخرى كالبرغر مثلاً. ويكونُ الحديد الذي تُصنعُ منه أواني الطهي على الشكل اللّاهيمي Non-heme form والذي لا يتم امتصاصُه بنفسِ كفاءةِ امتصاصِ الحديدِ الموجودِ في اللحوم، إلّا أنّ الفيتامين C يستطيعُ، إلى جانبِ مجموعةٍ من الحموض، أن يزيدَ معدّلَ امتصاصِهِ بشكلٍ كبيرٍ، وعليه فإن الوصفاتِ التي تحتوي على مكوناتٍ كالليمون أو صلصةِ البندورة يمكن أن تُعزّزَ امتصاصَ الحديد في الجسم.

وعادةً ما تكونُ المقلاةُ الجديدةُ والأكثرُ مَيلاً لإلصاقِ الأطعمة بها أكثرَ تسريباً للحديدِ من المقلاة القديمة. كما تزدادُ معدّلاتُ التسرُّبِ بتأثيرِ ثلاثةِ عواملَ أخرى، وهي استخدامُ السوائل، وزيادةُ وقتِ الطهي، وتحريكُ الطعام بشكلٍ متكررٍ.

ويبين الشكل التالي تأثير الطهي في أواني الحديد الصبّ على محتوى الغذاء من الحديد:

لا تهمّني كلّ هذهِ التفاصيل، أريدُ أن أعرف إن كان عليَّ التوقّف عن استخدامِ الأواني الحديدية الخاصةِ بي؟

إن كان الحديدُ الصّب قد استُخدم لقرونٍ عديدةٍ ولم يُظهِر أي ضررٍ واضح، فلِم يتوجّبُ علينا التساؤل؟ في الحقيقةِ، هنالِكَ سببان على الأقل يدفعانِنا لذلك؛ الأولُ هو توفرُ أنواعٍ متعددةٍ أخرى من أواني الطهي في السوق للمستهلِك، وحقيقةً فإن الحديدَ الصّبَ لا يُعدّ الخيارَ الأمثل لعدةِ أنواعٍ من الطهي والتي سنمُر على ذكرها لاحقاً، لذا فإنّنا بالتأكيدِ لسنا بحاجةٍ لاقتناء أواني طهيٍ مصنوعةٍ من الحديد الصّب. والثاني -وهو السبب الأهم- أنّ الناس يستخدمون أواني الطهي خاصَّتَهم بشكلٍ يوميٍ تقريباً، مما يتسبّبُ على مدارِ السنين بالتعرّضِ للمواد التي تُسربُها هذه الأواني.

يتمتّع الحديدُ الصّب بالعديد من الإيجابيات، فهو رخيصُ الثمن، ويمكن أن يدومَ مدى الحياة، ويتحسّنُ مع الوقت، كما يُمكن استخدامُه بأمانٍ داخلَ فُرنٍ شديدِ الحرارة. كل هذه المُميّزاتِ تؤدّي إلى احتفاظِهِ بالحرارة بشكلٍ أكبر، ممّا يجعلُهُ يتفوّقُ على أي مقلاةٍ أخرى عند تحميرِ شريحةٍ طريّةٍ وسميكةٍ من اللحم مثلاً. كما أن قدرتها الضعيفةَ على منعِ الالتصاق تسمحُ باستخدامِها في العديد من تقنيّاتِ الطهي التي لن تنجحَ أبداً في مقلاةِ مانعةٍ للالتصاق، كما في تحضيرِ بعضِ أنواع الصّلصاتِ والشورباتِ الخاصة.

من جهةٍ أخرى، توجدُ بعضُ السلبيّاتِ للحديدِ الصّب، فهو ثقيل الوزن، كما أنّ العنايةَ بالأواني المصنوعِة منه صعبةٌ في الفترةِ الأولى، إلا أنّها تتحسّن مع مضي بعض الوقتِ على استخدامِها. كما أنّ الحديدَ الصّب ليسَ موصِلاً جيداً للحرارة، مما يجعلُهُ يميلُ إلى تكوينِ بقعٍ ساخنةٍ وأخرى باردةٍ. ويضافُ لقائمةِ المساوئ هذه تسرّبُ الحديدِ إلى الطعام، وحال أردنا أن نُحضِّر صلصةَ البندورة باستخدام مقلاةٍ من الحديد الصّب، فإنّ احتمالَ شعورِنا بطعمٍ غريبٍ عند تناولِها كبيرٌ جداً، والمتّهم، هو الحديد طبعاً. ولذلك فإنّه من المفيد امتلاكُ أكثرِ من نوعٍ من أواني الطهي، وخاصّة أواني التفلون Teflon (متعدد رباعي فلورو الإيثيلين)، والتي لا تُسرّب أي عنصرٍ إلى الطعام عند الاستخدام في ظروف الحرارةِ العادية، فضلاً عن أنّ تسرُّبَ القليل من التفلون إلى الطعام ليس بالأمر الجَلل، نظراً لطبيعتِهِ الخاملة والتي تجعلُ هضمَهُ في المعدة عديمَ الأثرِ على الجسم والصحّة.

وبالرغم من كلِّ الخياراتِ المتوفرة، لا توجدُ مقلاةٌ مثاليةٌ للاستخدام، فحتى أواني التفلون تصدرُ أبخرةً مضرّةً بالصحة عند استخدامِها في درجاتِ حرارةٍ شديدةِ الارتفاع ولفتراتٍ طويلةٍ جداً. كما أنّنا نحتكمُ عند اختيارِ أواني الطهي إلى عواملَ متعدّدة، مثل خاصيةِ عدم الالتصاق، واحتمالِ احتراقِ الأطعمة في الأواني المصنوعةِ من الحديد، فضلاً عن أخذ سهولةِ الاستخدامِ والتسخينِ المتساوي بالحسبان أيضاً. فنجدُ أخيراً أن الحديد الصّب يؤدّي بعضَ هذه المهام بشكلٍ جيدٍ، بينما لا يكون مرغوباً في بعضِها الآخر. ولذلكَ فإنّ الأساس في الاختيار يعودُ إلى أولوياتِ الشخصِ وعاداتِه اليوميّة، ويفضّل بشكلٍ عام وجودُ عدّةِ أوانٍ للطهي مصنوعةٍ من أكثرَ من نوعٍ واحدٍ من المواد.

الدراسات المرجعية المستخدمة:

1. هنا

2. هنا

3. هنا

4. هنا

5. هنا

6. هنا

7. هنا

8. هنا

9. هنا

10. هنا

11. هنا

12. هنا

13. هنا

14. هنا

15. هنا

16. هنا