الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

بكتريا خارقة تستصنع الذهب!

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل سبق وسمعت بالعمل الفني المُسمى "العمل العظيم لعشاق المعادن"، انَّه لوحة مطليَّة بذهبٍ أنتجته بكتيريا خارقة تنتج الذهب. هذا الحدث الفني العلمي يحمل بين طياته اكتشافاً علمياً ذا تأثير اقتصادي عالمي نتناوله في هذا المقال.

في الوقت الذي وَصلت فيه قيمة الذهب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، اكتشف باحثون من جامعة ولاية ميشيغان، بكتيريا ذات قدرة على تحمل كميات هائلة من المركبات السامة، وهو المفتاح الرئيس لخلق الذهب ذو الـ 24 قيراط .

يشرح لنا كاظم كاشفي؛ الأستاذ المساعد في علم الأحياء المجهرية وعلم الوراثة الجزيئي أنَّ ما يفعله هو وزملاءه في المختبرات هو خيمياء* جرثومية بكل معنى الكلمة؛ بمعنى الحصول على الذهب من تحويل شيء لا قيمةَ لهُ إلى ذاك المعدن الثمين والقيِّم. جرى ذلك بعد اكتشاف صفة فريدة عند أحد أنواع الجراثيم Cupriavidus metallidurans التي تتمتع بقدرة تحمل للمعادن، إذ تستطيع أن تعيش وتنمو في تراكيز هائلة من كلوريد الذهب - أو الذهب السائل، وهو مركب كيميائي سام موجود في الطبيعة. قام كاظم بتغذية البكتيريا بكمياتٍ غير مسبوقة من مُركب كلوريد الذهب، بهدف محاكاة العملية التي يرى أنها تَحدُث في الطبيعة، وخلال حوالي الأُسبوع، قامت البكتيريا بتحويل السموم حيوياً مُنتِجةً كُتلة صلبة من الذهب.

قد يثير ذلك تساؤلك عن وجود الذهب في الطبيعة وكيفية تشكله. يوجد الذهب على نطاق واسع في الطبيعة، ولكن كمياته قليلة في أي منطقة معينة، ينتشر ضمن الصخور والمياه بكميات صغيرة جداً بحيث يصعب جمعه بكميات مفيدة. ولكن، تحدث عمليةٌ طبيعية تعتمد على الكلورين تسبب تركيز الذهب تحت البراكين مشكلةً الاحتياطيات التي يستهدفها البشر ويلعب كلوريد الذهب (AuCl) وكلوريد هيدروجين الذهب (HAuCl2) دوراً هاماً في صناعة الذهب الموجود في متناول أيدينا.

أظهرت التجارب أنَّ البكتيريا أقوى بـ 25 مرة مما توقعهُ العلماء، وقد عزم الباحثون من خلال تجهيزاتهم وتراكيبهم الفنية، على إظهار القدرات البكتيريَّة عبر العمل الفني العلمي المُسمى بالعمل العظيم لعشَّاق المعادن، والذي يستخدم مزيجاً من التكنولوجيا الحيويَّة والفن والخيمياء، لتحويل الذهب السائل إلى ذهب صلب بعيار 24 قيراط.

العمل الفني المقصود ما هو إلا مُختَبَر محمول ومُتنقِّل، مصنوع بفخامة، ذي تجهيزات مطليَّة بذهب 24 قيراط، يحتوي على مُفاعل حَيوي زُجاجي والبكتيريا المذكورة آنفاً. تُستخدم البكتيريا المُحِبة للذهب في المفاعل الحيوي لتحويل الذهب السائل إلى ذهب 24 قيراط صالح للاستعمال، يُشَكِّل كُل ما سبق المجموعة الفريدة التي تُنتِج الذهب أمام الجمهور. يشمل العمل الفني أيضاً على مجموعة من الصور المُلتقطة بواسطة المجهر الإلكتروني الماسح.

طبق آدم براون -وهو فنان مشارك في المشروع العلمي الفني- تقنيات الإضاءة المُذهبة الكلاسيكية المستخدمة في العصور القديمة لتَلوين مناطق مُعينة في تلك الصور، مُستخدماً الذهب البكتيري المحصود من العمليات الحيويَّة للجراثيم، وبذلك فقد اشتملت كل لوحة على بعض الذهب المُنتَج في المفاعل الحيوي المذكور، ليحصل في النهاية على تحفة فنية وعلمية بآن واحد، وَصَفها صانِعوها بأنها تُحفة الخيمياء الحديثة، حيث أن كُل جزء وتفصيل منَ المَشروع هو عبارة عن خليطٍ بينَ علم الأحياء المجهريَّة الحديثة والخيمياء.

إنَّ إعادة إنتاج التجربة السابقة على نطاقٍ أوسع سيكون باهظَ الكلفة، لكن نجاح الباحثين في تخليق الذهب (إن جاز التعبير) يثيرُ تساؤلاتٍ عديدة حول الجشَّع والاقتصاد والأثر البيئي، مع التركيز على الأخلاق المتعلقة بالعلوم والهندسة الطبيعة. تم اختيار "مشروع محبي المعادن العظيم" ليتم عرضه وحصل على جائزة شرفية في منافسات فنية إلكترونية عالمية، مثل جائزة: Prix Arts Electronica ، في النمسا، وهي إحدى أهم جوائز الإبداع والريادة في مجال الإعلام الرقمي والمختلط.

للفن القدرة على تحقيق وإثارة التساؤلات حول أثر العلم في العالم، والمشروع أعلاه يتحدث بشكل مباشرة عن الانهماك العلمي في محاولة إعادة تشكيل البيولوجيا وجعلها ترضَخ لإرادتِنا وجشعنا التي يبدو ألا حدود لها.

هامش:

(*) الخيمياء Alchemy: ممارسة قديمة ترتبط بعلوم الكيمياء والفيزياء والفلك والفن وعلم الرموز وعلم المعادن والطب والتحليل الفلسفي وعلي الرغم أن هذه العلوم لم تكن تمارس بطريقة علمية كما تعرف اليوم إلا أن الخيمياء تعتبر أصل الكيمياء الحديثة قبل تطوير مبدأ الأسلوب العلمي.

المصادر:

هنا

هنا