التعليم واللغات > اللغويات

كيف تنتج أجسامنا الكلام؟ نظرة تشريحية

استمع على ساوندكلاود 🎧

وأنتَ تستمعُ إلى كلامِ أخيكَ أو والدتكَ أو إلى صوتِ فيروزَ مثلاً، هل فكرتَ كيفَ تخرُجُ هذهِ الأصواتُ التي نُسمّيها الكلام؟ هل خطرَ بِبالكَ أنَّ في الجسمِ جهازاً معقداً تَدربنا على استخدامهِ في أعوامنا الأولى لنُصدِرَ أصواتاً يَفهمُها الآخَرونَ ونتواصلُ بها مع مُحيطِنا؟ هل أستَفِزُّ فُضولكَ بسُؤالي عن عددِ العضلاتِ التي تتحرَكُ للنُطقِ بحرفِ "القافِ" مثلاً؟ في مقالنا هذا نأخُذكم في جولةٍ سريعةٍ في الجهازِ المسؤولِ عن النطقِ داخلَ أجسامنا لنُلقيَ نظرةً سريعةً على هذا الجهازِ الرائع. رافقونا لتعرِفوا أكثر.

يصدرُ جميعُ ما نلفظُ من أصواتٍ أثناءَ الكلامِ نتيجةً لتقلصاتٍ عضليةٍ تحدُثُ داخلَ الجسمِ. بدايةً تقومُ عضلاتُ الصدرِ المسؤولةُ عن التنفسِ بتكوينِ تيارِ الهواءِ الضروريِ لإنتاجِ جميعِ أصواتِ حروفِ الكلامِ تقريباً. ثمَّ تقومُ عضلاتُ الحنجرةِ بتغييراتٍ مختلفةٍ على هذا التيارِ الجارِي من الرئتينِ إلى الفم، بعدَ خروجِ الهواءِ منَ الرئتينِ والحنجرةِ يَعبرُ ما نسميهِ القناةَ الصوتيةَ (Vocal Tract) التي تنتهي عندَ الفمِ والمنخرينِ حيثُ يخرجُ هواءُ الزفيرِ خارجَ الجسمِ حاملاً معهُ الأصوات. وفي جسمِ الإنسانِ مجموعةٌ كبيرةٌ ومعقدةٌ منَ العضلاتِ القادرةِ على فرضِ تغييراتٍ في شكلِ القناةِ الصوتية. ولكي نتعلَّمَ كيفَ يُنتِجُ الجسمُ الأصواتَ لا بُدَّ أن نتعرفَ أولاً على أعضاءِ جهازِ النُطقِ (Articulators) التي تَتشَكَّلُ منها القناةُ الصوتية. وقبل البدءِ لابدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ أعضاءَ النُطقِ الرئيسة هي سبعةٌ يمكنُ أن يُضافَ إليها ثلاثةُ أعضاءٍ ثانويةٍ هي الحنجرةُ والتي يُمكنُ تصنيفُها بأنها عضوٌ ناطقٌ مستقلٌ ومعقد، ومَهمَةُ الحنجرةُ وحبالُها الصوتيةُ تتمثلُ بإنتاجِ الصوتِ الخامِ قبلَ أن تقومَ باقي الأعضاءُ بإجراءِ التغييرِ عليهِ ليصبحَ باءً أو خاءً أو دالاً ...الخ. ثمَّ هناكَ الفكانِ اللذانِ يساهمانِ في الكلامِ ونخصُّ بذلكَ الفكَ السُفليَ الذي لابد من تحريكهِ عند الكلام. إضافةً إلى التجويفِ الأنفيِ الذي نستعملهُ أحياناً في إضافةِ الغُنّةِ لبعضِ أصواتِ الحروفِ مثل الميم أو النون.

أما أعضاءُ النطقِ الأساسيةُ فتبدأُ من فوقِ الحُنجرةِ وهي:

١. البُلعوم: وهو القناةُ التي تبدأُ من فوقِ الحنجرةِ تماماً، ويبلغُ طولها حوالي ٧ سنتيمتراتٍ عندَ الإناثِ و٨ سنتيمتراتٍ عندَ الذكور. يَنقسِمُ أعلى البُلعومِ إلى جُزأينِ يُشكلِ أحدُهما القسمَ الخلفيَ للفمِ بينما يُشكلُ الآخرُ بدايةَ المخرجِ نحوَ التجويفِ الأنفي، ويستطيعُ المرءُ رؤيةَ أعلى البلعومِ إذا نظرَ في المرآةِ وفمهُ مفتوحٌ.

٢. شراعُ الحلقِ أو سقفُ الحلقِ اللحميِ (الرَخو): ويقعُ في موضعٍ يسمحُ للهواءِ بالنفاذِ من خلالِ الأنفِ والفمِ، ولكنه يرتفعُ عندَ الكلامِ ليوجهَ الهواءَ بالكاملِ نحوَ الفمِ ويمنَعَ خروجهُ منَ الأنفِ، ولسقفِ الحلقِ الرخوِ أهميةٌ أُخرى فهو أحدُ أعضاءِ النطقِ التي يُمكنُ للسانِ مُلامستُها. فعندِ لفظِ الصوتين /k/ و/g/ يكونُ اللسانُ على تماسٍ مع أسفلِ سقفِ الحلقِ الرخوِ، وهذا ما يدعونا لتسميةِ مثلِ هذه الأصواتِ بالأصواتِ الحلْقية.

٣. سقفُ الحلقِ العظمي (الصلب): يُسمى غالباً "سقفُ الفمِ"، ويمكنُ للمرءِ تَحسُسُ سطحهِ المنحني بلسانهِ ، وتُسمى الأصواتُ الساكنةُ الناتجةُ عن تقريبِ اللسانِ من سقفِ الحلقِ الصلبِ بالأصواتِ الحنكيةِ كما في الصوتِ /j/ في كلمة "yes" [jɛs].

٤. الحافةُ السنخيةُ: وتقعُ بينَ الأسنانِ العلويةِ الأماميةِ وسقفِ الحلقِ الصلبِ، وبالإمكانِ أيضاً تحسُسُ شكلها بواسطةِ اللسان. سطحها أقسى مما تبدو عليه بالفعلِ وتكثرُ فيها النتوءات. تُسمى الأصواتُ الصادرةُ عن هذا الجزءِ بالأصواتِ النطعيةِ مثل أصواتِ /د/ و /ط/ و/ت/.

٥. اللسان: جزءٌ مهمٌ جداً من أجزاءِ أعضاءِ النُطقِ، فيمكنُ تحريكهُ في عدةِ اتجاهاتٍ وعدةِ أشكالٍ، وقد جرتِ العادةُ على تقسيمِ اللسانِ إلى أقسامٍ مختلفةٍ رغمَ أنهُ لا وجودَ في تكوينهِ لتلكَ الخطوطِ الفاصلةِ بين هذه الأقسامِ. وأقسامُ اللسانِ هي:

أ. طرفُ اللسانِ

ب. النصلُ

ج. المقدمةُ د. المؤخرةُ

ه.الجذرُ

٦. الأسنانُ: وتُسمى الأصواتُ الناتجةُ عن تلامُسِ طرفِ اللسانِ والأسنانِ الأماميةِ بالأصواتِ اللثويةِ كما في الصوتينِ /ث/ و /ذ/.

٧. الشفتان: للشفتينِ دورٌ مهمٌ في نطقِ كثيرٍ منِ الأصواتِ، فيمكنُ إطباقُهما على بعضهما البعضِ كما في الصوتينِ /b/ و/p/ وتَنتُجُ بعضُ الأصواتِ بملامسةِ الشفةِ لطرفِ الأسنانِ كما في /f/ و/v/، أما صوتُ حرف الواوِ فيأتي نتيجةَ تدويرِ الشفتين. وتُسمى الأصواتُ الصادرةُ عن تلامُسِ الشفتينِ بالأصواتِ الشفوية.

وفيما يلي عرضٌ لمخارجِ الحروفِ العربيةِ والأعضاءِ المسؤولةِ عن نطقِ أصواتها:

الحــــلق:

وفيه ثلاثة مخارج:

1. أقصى الحلقِ : وتخرجُ منهُ الهمزةُ والهاءُ ( أَءْ ، أَهْـ ).

2. وسطُ الحلقِ: وتخرجُ منهُ العينُ والحاءُ ( أَحْ ، أَعْ ).

3. أدنى الحلقِ: وتخرجُ منهُ الغينُ والخاءُ ( أَخْ ، أَغْ ).

اللســـان :

وفيهِ عشرةُ مخارجَ:

1. أقصى اللسانِ قريباً منَ الحلق: ومنهُ تخرجُ القافُ ( أَقْ ).

2. أقصى اللسانِ قريباً منَ الفم: و منهُ تخرجُ الكافُ ( أَكْ ).

3. وسطُ اللسانِ: ومنهُ تخرجُ الجيمُ والشينُ والياء ( أَجْ، أَشْ، أَيْ ).

4. طرف اللسانِ مع أصولِ الثنايا العُليا: ومنهُ تخرجُ التاءُ والطاءُ والدالُ ( أَتْ، أَطْ، أَدْ ).

5. طرف اللسانِ مع رؤوسِ الثنايا العُليا: ومنهُ تخرجُ الثاءُ والظاءُ والذالُ (أَثْ، أَظْ، أَذْ).

6. طرفُ اللسانِ مع أصولِ الثنايا العُليا: ومنهُ تخرجُ النونُ ( أَنْ ).

7. طرفُ اللسانِ مع أصولِ الثنايا العُليا قريباً من الظهر: ومنهُ تخرجُ الراءُ ( أرْ ).

8. رأسُ اللسانِ مع أصولِ الثنايا العُليا: ومنهُ تخرجُ الزايُ والصادُ والسينُ ( أَزْ، أَصْ، أَسْ ).

9. حافةُ اللسانِ، أي جانبهُ مع التصاقهِ بما يحاذيهِ من الأضراسِ العُليا: ومنهُ تخرجُ الضادُ ( أَضْ ).

10. حافةُ اللسانِ الأماميةِ مع التصاقها بما يُحاذيها منَ الأسنانِ: ومنهُ تخرجُ اللامُ ( أَلْ ).

الشفتـــان :

وفيهما مخرجانِ :

1. ما بينَ الشفتينِ: ومنهُ تخرجُ الباءُ والميمُ مع انطباقِهما والواوُ بدونِ انطباقٍ ( أَبْ، أَهـ، أَوْ ).

2. الشفةُ السُفلىُ مع التصاقِها برؤوسِ الثنايا العُليا: ومنها تَخرجُ الفاءُ ( أفْ ).

فإذا حَسبنا مَجموعَ هذهِ المخارجِ مع مخرجِ (الجوفِ) و (الخيشومِ) تصيرُ المخارجُ سبعةَ عشرَ مخرجاً.

وفي المحصلةِ نجدُ أنَّ إنتاجَ الكلامِ وإن بَدا سهلاً وعفوياً إلا أنَ وراءهُ جهازاً معقداً يعملُ بشكلٍ متناسقٍ ومذهلٍ. فإذا سَلّمنا بأنَّ الكلامَ عمليةٌ عقليةٌ إدراكيةٌ بالمقامِ الأولِ يجبُ ألا نَغفَلَ عن أهميةِ هذا الجهازِ العجيبِ الذي يسمحُ لأفكارنا ومعارفنا بالتَجلي والخروجِ إلى العالمِ على شكلِ رموزٍ منطوقةٍ لا تُخطِئُها أُذنُ السامعِ.

المصادر:

هنا

هنا