الهندسة والآليات > الهندسة البحرية

طرق الملاحة البحرية وتحديد المواقع

استمع على ساوندكلاود 🎧

كثيراً ما سمعنا عن الملاحة البحرية وأغلبنا يردد هذه الكلمة من دون إدراك لماهيتها ومعناها، هل تصورت في يوم من الأيام أن تكون كلمة الملاحة هي عملية التخطيط والتسجيل والسيطرة على أي سفينة وتأمين انتقالها بشكل أمن؟

في هذا المقال سنتحدث أكثر عن الملاحة ومفهومها إضافة لكيفية قياس الاتجاهات وكيف تحدد السفينة المواقع وهي في وسط المحيطات؟

الملاحة البحرية هي عمليّة التخطيط، والتسجيل، والسيطرة على حركة أيّ سفينة وتأمين انتقالها بشكل آمن من مكان إلى آخر. هنالك العديد من تقنيّات الملاحة الّتي استُخدمت عبر العقود الماضية والّتي تستخدم الآن ولكن جميعها ينطوي تحت تحديد موقع السفينة الحالي ومقارنته بمواقع أخرى معلومة.

تقنيّات الملاحة العصرية: إنّ معظم تقنيّات الملاحة العصرية تعتمد بشكل رئيسي على موقع يُحدّد إلكترونياً بواسطة مستقبلات تقوم بجمع المعلومات القادمة من الأقمار الاصطناعية. وبقيّة التقنيات العصرية -في الغالب-تعتمد على تقاطع خطوط الموقع Lines Of Position. خط الموقع الواحد يمكن أن يرجع إلى شيئين مختلفين وهما الخط المرسوم على الخريطة (من قبل الملّاح)، والخط الوهمي ما بين المراقب وجسم مرئي (حقيقي) وهو ما يعرف بالاتّجاه Bearing. فعندما يتمكّن الملاح من قياس الاتجاه على الأرض الواقع، سيكون بإمكانه رسم خط الموقع على الخريطة الملاحية الورقية.

وبالإضافة لموضوع الاتجاه، فإنّ بإمكان الملّاح قياس المسافة بينه وبين بقيّة الأشياء المرئية.

على الخريطة:

- المسافات تحوّل إلى دوائر، ومنحنيات، وقطع زائد للموقع وتسمّى أيضاً بخطوط الموقع Lines Of Position.

- إذا تمكّن الملاح من رسم خطّي موقع على الخريطة فإن تقاطعهما سينتج عن موقع السفينة الحالي.

والآن سنتكلّم عن مصادر الحصول على موقع السفينة:

أولاً: الموقع الحسابي Dead Reckoning: هو الموقع الّذي يتم حسابه باستخدام خط سير السفينة وسرعتها فقط، ولكن لا يأخذ بالحسبان القوى الخارجية الّتي تؤثّر على السفينة كالرياح والتيارات وأخطاء التوجيه وغيرها، وبالتّالي فإنّه يعتبر غير دقيق.

ثانياً: خدمات الإرشاد Piloting: والّتي يتُم استخدامها في المياه المحدودة (المياه الضحلة، والممرّات المائية الرئيسيّة) ومن خلالها يتم أخذ موقع السفينة بشكل دقيق قدر الإمكان خلال فترات زمنيّة متتابعة. وتختلف الإجراءات الّتي يجب القيام بها هنا من سفينة لأخرى، فمثلاً: إذا كانت السفينة مزوّدة بجهاز الخريطة الالكترونية فإنّ من مسؤوليّة الملّاح المراقبة البسيطة لعملية سير السفينة على المسار المحدد، والمراقبة البصريّة للتأكّد من أن السفينة تقوم بالمطلوب على وجه الدقة مع مراقبة البوصلة وجهاز قياس الأعماق. ولكن قد يحدث عطل ما في الخريطة الالكترونية وهذا وارد جداً وبالتّالي يجب على الملّاح الاعتماد على مهارته في التصرّف.

ثالثاً: الملاحة الفلكيّة Celestial Navigation: نظُم الملاحة الفلكية تعتمد على مراقبة مواقع كل من الشمس، والقمر، والنجوم. وإنّ النقطة الّتي يتمّ قياسها بواسطة جهاز يعرف بآلة السدس، يكون عندها الجرم السماوي في أثناء دوران الأرض له ارتفاع وزاوية عن الأفق المرئي، هذا الارتفاع يمكن استخدامه لحساب المسافة منسوبة للأرض وتحويلها إلى خط موقع دائري كما ذكرنا سابقاً.

رابعاً: نظُم الملاحة الالكترونية:

1-الملاحة اللاسلكية:

بالرغم من أن نظام الملاحة اللاسلكية Radio Navigation الأقدم إلا أنها ما زالت تستخدم في بعض السفن والمراكب السياحية.

إن مكتشف الاتّجاه اللاسلكي RDF هو جهاز يعمل على اكتشاف اتجاه ما باستخدام مصدر لاسلكي معتمداً على خاصيّة موجات الراديو الّتي يمكنها السفر لمسافات طويلة أعلى الأفق، ويعتبر هذا النظام نظاماً جيداً للقوارب والسفن الّتي تعمل في المناطق الساحلية القريبة من الأرض.

جهاز الـ RDF يعمل من خلال توجيه هوائيّات في اتجاهات مختلفة حيث تقوم بالتقاط الاشارة الّتي ترسل عبر محطّات معلومة الموقع. هذا النوع من النظام كان يستخدم بشكل كبير في ثلاثينيات القرن الماضي واستخدم بشكل كبير في الحرب العالمية الثانية.

Decca، OMEGA، LORAN-C :

ثلاثة أنظمة ملاحة لاسلكية أيضاً، نظام Decca كان نظاماً ذو تردّد منخفض وتمّ العمل به لأوّل مرّة خلال الحرب العالميّة الثانية ولعدّة سنين تالية قبل أن يتوقّف العمل به ويبدأ العمل بنظام LORAN-C والّي استُخدم في البداية بشكل رئيسي في الملاحة الساحليّة وسفن الصيد، ثمّ بدأ استخدامه من قبل الطائرات. وقد شهد انتشاراً واسعاً في منطقة بحر الشمال واستخدمته طائرات الهيلوكوبتر الّتي كان تعمل في منصّات النفط. وفي عام 2000 تم إيقاف العمل بهذا النظام وحلّ محلّه نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي GPS ونظام تحديد المواقع الأوروبي Galileo المخطّط له.

إنّ نظام OMEGA الملاحي كان أوّل نظام حقيقي عالمي يستخدم للطائرات، وكانت تديره الولايات المتحدة بالتعاون مع 6 دول شريكة. OMEGA في الأساس وضِع من قبل القوات البحريّة الأمريكية لاستخدامه في الطيران العسكري، وفي عام 1968 تمّ الحصول من خلاله على تغطية لكافة المناطق والمحيطات في العالم من خلال ثمانية محطات إرسال فقط وبدقة تصل لـ4 ميل عند تحديد موقع ما. في البداية استُخدم هذا النظام على السفن التي تعمل بالطاقة النووية الّتي تنتقل عبر القطب الشمالي إلى روسيا، وفي وقت لاحق تمّ استخدامه من قبل الغوّاصات. ونظراً لنجاح نظام GPS فقد رُفِض استخدام نظام OMEGA في تسعينيات القرن الماضي وتم إيقاف العمل به بشكل نهائي في 30 أيلول عام 1997 وتوقّفت جميع المحطّات الّتي تعمل به.

2-الملاحة الراداريّة :

الرادار البحري يمكن أن يقدم معلومات ملاحية مفيدة جداً في حالات مختلفة. عندما يكون المركب في مدى الرادار فإنّه يمكن للملّاح أن يقيس المسافة ويأخذ الاتجاه عنه بواسطة الرادار مُنشئاً خطوطاً للموقع.

خاصيّة الفهرسة المتوازية Parallel Indexing: هي خاصيّة في جهاز الرادار تتضمّن خلق خط على شاشة الرادار موازي لخط سير السفينة ولكنّه مُزاح إلى اليمين أو اليسار بمسافة معيّنة، هذا الخط يسمح للملّاح بالحفاظ على مسافة ملائمة بعيداً عن المخاطر.

وهناك أيضاً تقنية تعرف بـ "contour" تتضمّن وسم قالب من البلاستيك على شاشة الرادار ونقله إلى الخريطة الورقية لرسم موقع ما.

ويوجد تقنيّة أخرى تدعى Plotting يعمل الرادار من خلالها على رسم مسار لأيّ سفينة تظهر على شاشته تمكّن الملاح من التأكّد بأن خط سيره ملائم للعبور بأمان وتجنّب التصادم مع تلك السفينة.

3-الملاحة عبر الأقمار الصناعيّة:

النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الاصطناعيّة GNSS هو مصطلح عام للملاحة باستخدام الأقمار الصناعيّة أياً كان نوعه. هذا النظام يسمح لمستقبلات إلكترونية صغيرة بتحديد موقعها (خط الطول، خط العرض، الارتفاع) بدقة تصل إلى بضعة أمتار باستخدام إشارات مرسلة من الأقمار الاصطناعية.

يوجد ثلاثة أنواع للأنظمة الّتي تستخدم الأقمار الاصطناعية: نظام تحديد المواقع العالمي GPS، ونظام المواقع الروسي GLONASS، والنظام الأوروبي (قيد الإنشاء) Galileo.

يوجد حالياً أكثر من 24 قمر صناعي لنظام GPS -حد أدنى 24-تقوم بإرسال الإشارات متيحةً لمستقبلات الـ GPS أن تحدّد موقع المستقبل، وسرعته، واتّجاهه. منذ أن تم إطلاق القمر الصناعي التجريبي الأوّل عام 1978، أصبح نظام تحديد المواقع العالمي أمراً لا غنى عنه في الملاحة البحرية، وأداة هامة في رسم الخرائط البحرية.

تمّ تطوير الـ GPS أساساً من قبل وزارة الدفاع الأمريكية وكان يدعى رسميّاً NAVSTAR وأُطلق في البداية لاستخدامات عسكريّة قبل أن يطرح لاستخدامات تجاريّة ومدنيّة لاحقاً.

تخطيط الرحلة البحرية: إنّ سوء التخطيط للرحلة البحرية يمكن أن يؤدي لكوارث عديدة كجنوح السفينة، أو تسرّب الوقود. وتخطيط الرحلة البحريّة هو إجراء لوضع وصف كامل ودقيق لطريق السفينة من مرفأ المغادرة إلى مرفأ الوصول. الخطة تتضمّن مغادرة الحوض أو المرفأ، والرباط، والاقتراب من الموقع المطلوب. ووفقاً للقانون الدولي فإنّ قبطان السفينة هو المسؤول عن الإشراف على تخطيط الرحلة، وتتم هذه العملية بواسطة الضابط الثاني على ظهر السفن التجارية.

هناك دراسات تشير إلى أنّ الخطأ البشري هو عامل في 80 بالمئة من الحوادث الملاحية. عمليّة تخطيط الرحلة قد طوّرت من خطوط ورقية على الخرائط الملاحية إلى عمليّة إدارة المخاطر.

تخطيط الرحلة يتكون من أربع مراحل: التقييم، والخطيط، والتنفيذ، والمراقبة. تتناول مرحلة التقييم جمع المعلومات ذا الصلة ومعرفة المخاطر الّتي قد تتعرض لها السفينة. في المرحلة التالية -التخطيط-يتم إنشاء خطة مكتوبة. المرحلة الثالثة هي تنفيذ الخطّة مع الأخذ بعين الاعتبار التغييرات المفاجأة فيها والّتي قد تحدث بسبب الظروف الجويّة وغير ذلك. المرحلة الأخيرة تتضمّن مراقبة الخطة والتأكد من أنّها تسير وفق المخطّط له.

ومن أجل مراقبة وتخطيط الرحلة بشكل سليم وآمن، هنا بعض الأدوات الملاحيّة الّتي تستخدم في معظم السفن الحديثة:

1-بوصلة الجايرو: تستخدم لإيجاد الاتّجاه الصحيح، على عكس البوصلة المغناطيسية فإنّها لا تتأثر بالحقل المغناطيسي للكرة الأرضية.

2-الملّاح الآلي: يُستخدم للتحكم الآلي بمسار السفينة.

3-مُسجل السرعة والمسافة: يقوم بقياس سرعة السفينة والمسافة المقطوعة من نقطة معينة، ويستخدم في معرفة الوقت المتوقّع للوصول ETA.

4-جهاز قياس العمق Echo Sounder: يستخدم الأمواج الصوتية لقياس العمق الفعلي أسفل السفينة.

5-الخريطة الالكترونية ECDIS: وهي نسخة متطورة عن الخريطة الورقية تستخدم لمتابعة مسار السفينة ويمكن رسم الرحلة عليها ومراقبتها.

6-الأنوار الملاحية: كل السفن كبيرة أو صغيرة يجب أن تضع أنوراً ملاحيّة كجزء من النظام الملاحي لها.

وبهذا نكون قد أخذنا صورة كاملة عن ماهية الملاحة و أدواتها.

المصادر:

Bowditch، Nathaniel (2002). The American Practical Navigator.

Great Britain Ministry of Defence (Navy) (1995). Admiralty Manual of Seamanship. The Stationery Office.

Publication 1310: Radar Navigation and Maneuvering Board Manual (PDF)، 7th edition، Bethesda، MD: U.S. Government Printing Office.

هنا

هنا