الاقتصاد والعلوم الإدارية > ريادة الأعمال

ستاربكس الجزء الثالث: التعثر والنهوض

استمع على ساوندكلاود 🎧

إعادة صياغة الاستراتيجية 2008 – 2012

ستاربكس التي استمرت بالتوسع وتحقيق الأرباح على مدى 20 عاماً، واجهت انكماشاً سريعاً وغير متوقعاً. حيث أنذر تقييم سوق الأوراق المالية بوجود مشاكل، فالسهم الذي وصل إلى أعلى سعر له 40$ في أوكتوبر 2006، انخفض سعره بأكثر من 75% على مدى السنتين التاليتين. وتباطأت الأرباح التشغيلية ومبيعات المتاجر الجديدة. وفي وسط القلق المتزايد حيال استراتيجية ستاربكس الحالية، تمت إعادة انتخاب عضو مجلس الادارة و المؤسس هاوارد شولتز كمدير تنفيذي، مقتنعاً بأن مصدر مشاكل ستاربكس كان قبول الحلول الوسط وتقديم التنازلات في مبادئ ستاربكس الأساسية التي ساهمت في نموها المتسارع. نتائج ستاربكس المالية لعامي 2008 و 2009 أظهرت تدهور أداء ستاربكس.

إعادة ستاربكس على الطريق الصحيح

صاغ Schultz استراتيجيته لحل المشكلة على أساسين. الأول كان تخفيض النفقات : أعلن شولتز بعد إعادة تعيينه بفترة قصيرة أن الشركة ستقلص افتتاح المقاهي الجديدة بشكل حاد وأنها ستعيد النظر في الممارسات التشغيلية لتحسين فاعلية النفقات. نجم عن هذا إغلاق 600 مقهى في الولايات المتحدة إضافة إلى غالبية المتاجر في أستراليا في صيف 2008. هذه الإغلاقات تسبّبت بخسارة حوالي 6000 وظيفة والاستغناء عن 700 منصب ومنصب دعم. ولم يتوقف شولتز عند هذا الحد، بل مدّد تقليص النفقات ليشمل مكتب المدير التنفيذي : حيث خفّض راتبه من 1.200.000$ إلى 10.000$ و باع اثنتين من طائرات شركة ستاربكس الثلاثة. أدى هذا كله إلى تخفيض النفقات التشغيلية 500$ مليون في عام 2009.

الأساس الثاني كان إعادة التأكيد على قيم ستاربكس ومبادئها في العمل، الذي تضمن إعادة "تجربة ستاربكس" إلى الحياة وإعادة الاتصال مع المستهلكين. وكان لتنشيط التزام ستاربكس الاجتماعي أيضاً دور مركزي في عملية إعادة اكتشاف ستاربكس. حيث عاودت الشركة أخذ مهمتها بعين الاعتبار والتزامها بمسؤوليتها الاجتماعية. تجلى ذلك بمشاركة 10.000 موظف من ستاربكس في العديد من المشاريع الاجتماعية المتنوعة لتنظيف و ترميم ما خلفه إعصار كاترينا. ومما تضمنته المبادرات إطلاق Starbucks Shared Planet : و هو برنامج مكرس للحفاظ على البيئة وخدمة المجتمع.

أعاد شولتز النظر في ممارسات التشغيل للتأكد من تناغمها مع تجربة ستاربكس وصورتها. واحد من التغييرات الهامة كان العودة إلى القهوة المصنوعة يدوياً. حيث أنفقت ستاربكس الملايين خلال عام 2008 على تركيب آلات قهوة جديدة تصنع فناجين القهوة فردياً من حبوب القهوة الطازجة. وطلب Schultz مراجعة وتعديل قائمة طعام ستاربكس. التغيير الأساسي هنا كان سحب سندويشات الفطور المحمصة التي غطت روائحها على رائحة القهوة : "سندويشات الفطور تعود علينا بالأرباح لكنها تتداخل مع كل شيء نمثله حيال القهوة و رومنسية القهوة."

إعادة الاتصال بالمستهلكين تضمنت الاستخدام المكثّف لوسائل التواصل الاجتماعي : كانت ستاربكس رائدة في استخدام الفيسبوك لأغراض الترويج و بناء ولاء المستهلكين. كما أصبحت أيضاً الرائدة في استخدام الدفع عبر الهاتف المحمول، و ذلك من خلال بطاقة ستاربكس، حيث يستطيع حملة بطاقات ستاربكس استخدام هواتفهم للدفع في المقاهي ويمكنهم إعادة شحن بطاقاتهم اتوماتيكياً عبر تطبيقات الاندرويد والآيفون.

و الأهم من ذلك، سافر شولتز مسافات شاسعة ليلتقي موظفيه ("شركائه") ويدعم قيم الشركة ليعيد إشعال حماسهم. وتكمن شولتز من ذلك عبر سلسلة من اللقاءات التي عُقدت في قاعات الحفلات وأماكن أخرى، أعاد فيها سرد القصص الملهمة عن "إنسانية ستاربكس" والدور الذي لعبه المدراء في خلق التجربة التي "تقدّر و تحترم" المستهلكين. وطلب في الوقت ذاته من مدراء المقاهي أن يتحدّوا في مواجهة قسوة الظرف الراهن، مؤكداً على الحاجة لرفع أداء ستاربكس والعودة للقيم و الممارسات التي جعلت من ستاربكس مكاناً مميزاً.

و رأى شولتز أن إعادة ستاربكس على الدرب الصحيح تتطلب عكس عملية التوسع في عدد المتاجر، و استبعاد المنتجات غير الجوهريّة، و إعادة الجودة إلى القهوة وخدمة المستهلكين، في تلك الفترة التي أصبح فيها النمو "مسرطناً".

يقول شولتز: عندما ننظر إلى النمو كاستراتيجية، يصبح الأمر مغرياً، و مثيراً للإدمان. لكنّ النمو لا يجب أن يكون – و هو ليس – استراتيجية، هو تكتيك. الدرس الأساسي الذي تعلمته على مر السنوات أنّ النمو والنجاح يمكنهما أن يغطيا على الكثير من الأخطاء ... فعندما أعدنا النظر إلى بعض المقاهي ضعيفة الأداء، أرعبتني فكرة أن المتاجر التي اضطررنا إلى إغلاقها اُفتتحت منذ أقل من 18 شهراً. و أعتقد أيضاً أنّ هنالك أوقات كنا نطارد فيها التوسع، فقد كنا نتخذ قرارات كانت نوعاً ما متواطئة مع أسعار الأسهم. هذا طريق من الخطير جداً جداً سلوكه.

عودة النمو

بعودة الفعاليّة التشغيليّة والاتصال مع المستهلكين، أُعيد تنظيم خدمة تقديم الطعام من جديد، ونقلت ستاربكس تركيزها إلى (فرص التوسع). الاختلاف هنا أن التوسع سيكون "مضبوطاً." وتم السعي لتوسيع الإيرادات في مجالين : تجارة البقاليات و الأسواق العالمية.

النظرة إلى المستقبل

أعطت النتائج المالية للربع الأول عام 2012 المزيد من التأكيدات على قوة تعافي ستاربكس تحت قيادة شولتز، وعززت النظرة إلى أن المأزق الذي وقعت فيه الشركة عامي 2007/2008 كان ناتجاً عن هوس ستاربكس في التوسع آنذاك. وفي خضم الطمأنات بإعادة شولتز لربحيّة الشركة ونموها، لم تختفِ العديد من مصادر القلق التي ظهرت في تحليل الاستثمارات عام 2008؛ حيث ظهرت هشاشة تعافي الاقتصاد العالمي والأميركي من الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، وعادت القوى التي ظهرت كمصدر تهديد عام 2008 إلى الظهور بشكل أقوى عام 2012.

كما لازالت الشكوك موجودة حيال تماسك استراتيجية ستاربكس، فهل ستصبح مبادرات شولتز المتعددة مصدر تهديد لهوية الشركة التي أعاد التأكيد عليها؟ حيث رأى البعض تقديم ستاربكس للقهوة الفورية تهديداً للعلامة التجارية المبنية على أساس تقديم القهوة الاستثنائيّة الأصيلة.

ولا ننسَ أن دخول الشركة إلى قطاع البقاليات وضعها في بيئة شديدة التنافسية تتطلب منها تطوير مقدرات جديدة. علّق Jeff Bernstein محلل رأسمال Barclays: "لقد بدأوا فصلاً جديداً من الصفر، وبالرغم من إعجاب الكثيرين بهذه الخطوة، سيكون السؤال: هل تدركون ضخامة هذه المهمة الذي يأخذونها على عاتقهم؟".

* : القهوة المخصصة

المصدر:

Grant، R. M. (2016). Contemporary strategy analysis: Text and cases edition. John Wiley & Sons.