البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

جائزة نوبل في الطب أو الفيزيولوجيا لعام 2016 - البلعمة الذاتية

استمع على ساوندكلاود 🎧

في كل تشرين، تتجه أنظار العلماء ومهووسي العلوم إلى السويد، حيث تجتمع لجنة لتمنح أبرز الجوائز العلمية في العالم... جائزة نوبل. وفي أولى أيامها لهذا العام منحت جائزة الطب والفيزيولجيا ليوشينوري أوسومي عالم البيولوجيا الياباني.

ما هي البلعمة الذاتية؟

دائماً ما تحاول الخلايا التكيف مع التغيرات في ظروفها المحيطة من خلال تعديل محتوياتها للحصول على احتياجاتها المختلفة، ويتضمن هذا الأمر عمليات مستمرة من التصنيع والتفكيك، ومن بين هذه العمليات تأتي البلعمة الذاتية. حيث يتم فيها إدخال بعض من المواد والبنى داخل الخلوية إلى داخل الجسيمات الحالة Lysosomes (في الثديات) أو الفجوات Vacuole (في النباتات والفطور) ليتم تفكيكها.

وتعد البلعمة من بين العمليات التي يتم تنشيطها عند نقص المواد الغذائية في الخلية مما يؤدي إلى تحليل بعض من أجزائها السيتوبلازمية لاستخدام مكونات هذه الأجزاء لتأمين الطاقة وتصنيع المكونات الأساسية لاستمرار حياة الخلية في ظل هذه الظروف. وفي حال لم تستطع الخلية القيام بالبلعمة الذاتية فسينقص محتواها من الحموض الأمينية ولن تكون بالتالي قادرة على تصنيع البروتينات الضرورية لحياتها. كما يمكن للبلعمة الذاتية أن تخدم في وظائف أخرى مثل إزالة المكونات غير المرغوب بها أو الزائدة عن الحاجة أو العضويات التالفة، وفي هذا السياق تعمل البلعمة الذاتية كآلية مضادة للشيخوخة بحيث تدعم إعادة بناء الخلية خلال النمو، كما تساهم في الدفاعات الخلوية تجاه العوامل الممرضة.

اكتشاف البلعمة الذاتية

كان كريستيان دو دوف Christian de Duve أول من استخدم مصطلح البلعمة الذاتية منذ أكثر من 40 عاماً وكان ذلك بناء على ملاحظة انحلال المتقدرات Mitochondria وبنى داخل خلوية أخرى ضمن الأجسام الحالة لخلايا كبد فأر محقونة بهرمون الغلوكاجون. إلا أن آلية حدوث ذلك لم تكن مفهومة في ذلك الوقت على المستوى الجزيئي أكثر من كونها تتطلب تحفيزاً لإنزيم البروتين كيناز أ بالأدينين أحادي الفوسفات الحلقي cAMP. وفي السنوات الأخيرة أعاد العلماء اكتشاف البلعمة الذاتية مما ساهم بزيادة فهمنا وتقديرنا لدروها الفيزيولوجي.

دورها في الأمراض

يبقى دور البلعمة الذاتية في العديد من الأمراض التي تصيب الإنسان غير واضح فلم توضع صلتها بالأمراض في حيز الدراسة إلا منذ زمن قريب. إلا أنه يمكن في الوقت الحالي ربط الخلل في البلعمة الذاتية بأمراض مثل الداء السكري والأمراض العصبية التنكسية بالإضافة للأمراض الإنتانية والسرطانات.

ماذا فعل يوشينوري؟

يوشينوري أوسومي عالم ياباني في بيولوجيا الخلية متخصص في البلعمة الذاتية، وبروفيسور في مركز أبحاث الحدود التابع لمعهد طوكيو للتكنولوجيا، حصل عام 2012 على جائزة كيوتو في العلوم الأساسية، وعام 2016 على جائزة نوبل في الطب أو الفيزيولوجيا.

عمل يوشينوري أوسومي في العديد من المجالات البحثية، إلا أنه وبعد تأسيسه لمخبره الخاص عام 1988 ركز جهوده على تفكك البروتينات داخل الفجوات، وذلك لكون الفطور أكثر سهولة نسبياً للدراسة من الخلايا البشرية وغالباً ما تستعمل كنموذج لها. إلا أن أوسومي قد واجه تحدياً كبيراً، وهو كون خلايا هذه الفطور صغيرة وذات بنى داخلية صعبة التمييز تحت المجهر، لدرجة أنه لم يكن متيقناً حتى ما إذا كانت البلعمة الذاتية موجودة في مثل هذه الخلايا. لذا طرح أوسومي فكرة أنه إذا ما استطاع إيقاف عملية التفكيك داخل هذه الفجوات أثناء حدوث البلعمة الذاتية، فسوف تتراكم الجسيمات البالعة ضمن الفجوة وتصبح مرئية تحت المجهر.

ولذلك قام بزراعة خلايا فطرية طافرة تفتقر لتلك الإنزيمات ونشط عملية البلعمة الذاتية من خلال "تجويع" الخلايا. وكانت النتائج رائعة! فخلال ساعات امتلأت الفجوات بحويصلات صغيرة لم تتفكك، وبذلك أثبتت تجربة أوسومي وجود البلعمة الذاتية لدى خلايا الفطور. ولكن ما كان أهم من ذلك هو أنه أصبح يمتلك طريقة لتحديد الجينات الرئيسية الفاعلة في هذه العملية، وكان ذلك اكتشافاً كبيراً نشره أوسومي عام 1992.

استفاد أوسومي من سلائل الفطور المعدلة، حيث عرضها لمادة كيميائية تحدث طفرات عشوائية في العديد من الجينات، وقام بعدها بتنشيط عملية البلعة الذاتية، وتمكن بعد عام من تحديد أولى الجينات الضرورية لهذه العملية. وتلى ذلك سلسلة من الدراسات التي حدد فيها البروتينات المرمزة بهذه الجينات، وأظهرت النتائج أن عملية البلعمة الذاتية يتم التحكم بها من خلال شلال من البروتينات والمعقدات البروتينية التي يقود كل منها مرحلة من مراحل تكوين الجسيم البالع وتشكله.

مصادر:

هنا

هنا