البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

الإدمان على شرب القهوة قد يكون في مورثاتك!

استمع على ساوندكلاود 🎧

الكثير منا لا يستطيع بَدءَ يومه دون تناول فنجانٍ من القهوة، فهي المشروب السحري الذي يمنحنا الطاقةَ والنشاطَ لمتابعة اليوم بحيوية وإنجاز ما علينا من أعمال، ولكن هل من الممكن أن يكونَ الدافعُ وراء شرب كميات كبيرة من القهوة ذو علاقة بمورثاتنا؟

تُعدُّ القهوة من أكثر المشروبات شعبيةً، فهي إحدى المصادر الأولية والأساسية للحصول على الكافيين، وإلى جانب مذاقها الرائع ورائحتها الزكيّة، فإنَّ لها العديدَ من الفوائد الصحيّة، إذ بيّنت العديد من الدّراسات أنّ القهوة تفيد في الوقاية من داء باركنسون والزهايمر والسكري من النمط الثاني والأمراض القلبيّة بالإضافة لبعض أنواع السرطان. لكن بالمقابل يصحَب تناولَها بعضُ المشكلات مثلُ الأرق والصداع وبعض الاضطرابات الهضمية. يُمكن الاطلاع على فوائد ومضار القهوة عبر الاطلاع على مقالينا السابقين:

هنا

هنا

أُجريت العديد من الدراسات لاكتشاف آثار القهوة على صحّة الفرد، وحديثاً انتقل العلماء من خلال ثورة دراسة المورثات ووظائفها لمعرفة فيما إذا كان لاستهلاك القهوة علاقة ما مع المورثات التي نحملها أم لا! وقد وجدت مجموعةٌ من الباحثين في جامعة Edinburgh في سكوتلندا، تغيّراتٍ معيّنةً تطرأ على المورثة PDSS2 من الحمض النووي البشري تؤثّر على آليات استقلاب مادة الكافيين في الجسم وبالتالي تؤدي إلى بطء استقلابها فينجم عن ذلك بقاؤها مدةً أطولَ في الدم والاستفادةُ مدةً أطول من التأثير المنشّط والمحرّض للكافيين.

وقد أتت نتيجة هذه الدراسةِ لتدعمَ نتائجَ توصّلت إليها دراساتٌ سابقةٌ حول العلاقة بين المورثات وعادات تناول القهوة لدى الأفراد ما يعطي نتائجَ أكثرَ دقّةً حول الموضوع، فكيف أجرى الباحثون هذه الدراسة؟

وزّع الباحثون استبياناتٍ تتضمّن أسئلةً عن عادات تناول القهوة وعدد الأكواب المُتناولة في اليوم الواحد على 370 شخصاً من إحدى قرى إيطاليا بالإضافة إلى 843 شخصاً آخرين من عدّة قرىً أخرى واقعةٍ شمال غربي إيطاليا، واستبعدوا منها أولئك المصابين بارتفاع الضغط الشرياني لأنَّهم مجبرون على تقليل مقدار استهلاكهم اليومي للقهوة، ثم قاموا بتحديد النمط المورثي لهؤلاء الأشخاص ودرسوا البياناتِ المورّثيّةَ لهم وربطوا بين النتائج.

فماذا كانت النتيجة؟

وجدوا أنَّ الأشخاصَ الذين يملكون تغيراتٍ معينةً على المورثة PDSS2 يميلون إلى استهلاك كميّاتٍ أقلَّ من القهوة مقارنةً بأولئك الذين لا يملكون تلك التغيّراتِ في المورثة الخاصة بهم وقد كان الاستهلاكُ -بتأثير المورثة PDSS2- أقلَّ بكوب واحد من المتوسط، وللتوصّل إلى نتائجَ أكثرَ دقّة قرّر الباحثون إجراءَ الدراسةِ نفسِها على مجموعة أكبرَ عدداً ومن دولة أخرى، فقاموا بتوزيع نفس الاستبيان على 1731 شخصاً من هولندا ونظروا في البيانات الوراثية كذلك، وقارنوا بين المجموعتين، وفي النهاية حصلوا على نتائجَ مشابهةٍ، لكن كان تأثير المورثة PDSS2 على عدد الأكواب المتناولة أقلّ بشكل طفيف في المجموعة الثانية.

ما تفسير هذه النتائج؟

يعود الفرق بين المجموعة الأولى والثانية إلى الاختلاف بين أنواع القهوة الشائعة في كل بلد، فالإيطاليون يفضّلون تناولَ الموكا والإسبريسو في أكوابٍ صغيرةٍ (فنجان)، في حين أنّ الهولنديين يفضّلون شربَ القهوة المركّزة في أكوابٍ ذاتِ سعةٍ أكبر، كما أنَّ تراكيزَ الكافيين في أنواع القهوة المذكورة متماثلةٌ، لكنّ الفرق في حجم الكوب المستعمل لشرب القهوة يشيرُ إلى أنَّ الهولنديون يميلون إلى تناول ثلاثة أضعاف كمية الكافيين في الكوب الواحد عن الإيطاليين.

بمَ يمكن أن تفيدنا هذه الدراسة مستقبلاً؟

يوجدُ العديدُ من المورثات التي تتدخّل في عمليات استقلابِ مادّة الكافيين والاستفادةِ منها وفي نفس الوقت لها دورٌ في استقلاب بعض الأدوية، وبالتالي فإنَّه من الممكن أن يقدمَ اكتشافُ هذه المورثات وتحديد أدوارها بدقّة تفسيراتٍ حولَ الاختلاف بين الأشخاص في الاستجابة لدواء معيّن والاستفادة منه، كما أنَّ ذلك يساعد الأطبّاء على وصف الدواء بشكل أكثر دقّة وأكثر توافقاً مع حالات المرضى.

ويشير الدكتور نيكولا بيراتسو NicolaPirastu الاستشاري في جامعة University of Edinburgh's Usher Institute والقائم على الدراسة بأننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذا الاكتشاف بالإضافة لجهود أكبر في توضيح العلاقة البيولوجية بين مورثة PDSS2 وعادات استهلاك القهوة.

المصدر:

هنا

البحث الأصلي:

هنا