الطب > ‫‏كيف يعمل جسم الإنسان‬؟

سلسلة "كيف يعمل جسم الإنسان؟" -سوائل الجسم - الجزء الثاني

استمع على ساوندكلاود 🎧

يشكل الماءُ حوالي 60% من وزن جسمِ الإنسانِ البالغِ، أي أنك بمعنىً آخرَ عبارةٌ عن كثيرٍ من الماءِ وقليلٍ من الأشياءِ الأخرى! وبينما يتوزع أغلبُ هذا الماءِ ضمنَ الخلايا وبينَها، يبقى جزءٌ منه ليملأَ أجوافَ الجسم... وبعدما تعرفنا على أجزاءِ الجسمِ المختلفةِ لننظرْ سوياً إلى السوائلِ التي تملأ تلك الأجواف.

تعرفنا في المقالِ السابقِ إلى سوائل الحيِّزِ البَيْنِيِّ؛ ألا وهي السائلُ الدماغيُّ الشوكيُّ والسائلُ الجَنْبِيُّ والسائلُ البريتوانيُّ والسائلُ التامورِيُّ والخِلْطُ المائيّ.. في مقالِنا هذا سنتناول بقيةَ سوائلِ الجسمِ الحيويةِ؛ ألا وهي البولُ والسائلُ المَنَوِيُّ والعَرقُ واللعابُ والدمع.

هيا نتابع معاً رحلتَنا السابقةَ في استكشافِ سوائلِ الجسم.

البول Urine:

هو سائلٌ عقيمٌ تُنتجُه الكليتان ليمرَّ عبرَ الحالبِ ويُختزَنَ في المثانةِ ريثما تمتلئُ، و يُطرحُ عبر الإحليلِ إلى الوسطِ الخارجيِّ، وظيفتُه الأساسيةُ إطراحُ بعضِ الفضلاتِ الاستقلابيةِ التي تقوم الكُلْيةُ بتصفيةِ الدمِ منها كالبَولةِ وحمضِ البولِ، إضافةً إلى مستقلَباتِ الأدويةِ والموادِ الكيميائيةِ وبعضِ الشواردِ والأصبغةِ وكريات الدمِ الحُمْرِ الميتةِ وبعضِ البروتيناتِ والمُركباتِ الضارةِ للجسم. يتكون البولُ من 95 % ماءً والباقي هو الفضلاتُ السابقةُ التي تختلف بتركيزِها وكمياتِها حسب النظامِ الغذائيِّ والوضعِ الصحيِّ ووظيفةِ الكُلْيةِ وكميةِ الماءِ المتناوَل.

تُعادِل كميةُ البولِ المطروحةُ يومياً عند الانسانِ الطبيعيِّ حوالي 1.5 ليتر، أما اللونُ الطبيعيُّ للبول فهو الأصفرُ الشاحبُ أو الذهبيُّ، وهذا ناتجٌ عن صِباغٍ ينتجه الجسمُ هو اليوروكروم أو اليوروبيلين. تتغير كميةُ البولِ ودرجةُ اللونِ بين الداكنِ والفاتحِ، وعددُ مراتِ التبوّلِ حسبَ كميةِ الماءِ المتناوَلِ. وإنّ زيادةَ عددِ مراتِ التبوّلِ قد تدلُّ على بعضِ الأمراضِ كالسكريِ أو مشاكلِ الكُلْيةِ أو المثانة.

يتغير لونُ البولِ بحسبِ الطعامِ والشرابِ كالجزرِ والتوت، أو تِبْعاً لحالةٍ مرضيةٍ كالإنتاناتِ البوليةِ أو أمراضِ الكُلْيةِ، أو في حالِ تناولِ أدويةٍ معينةٍ كالصادّاتِ الحيويةِ أو الفيتامينات. تشمل الألوانُ غيرُ الطبيعيةِ للبول: الأبيضُ والأحمرُ والأزرقُ والأخضرُ والبُنيُّ الداكن. وكغيره من سوائلِ الجسمِ يمكن تحليلُ البولِ وإخضاعُه لفحوصاتٍ بهدف التحرّي عن بعضِ الأمراضِ كالسكريِ أو أمراضِ الكُلْيةِ أو الكبد.

السائل المَنَويّ Semen:

سائلٌ أبيضٌ رماديٌّ مخاطيُّ القَوامِ يُفرَزُ من الجهاز التناسليِّ الذكريِّ أثناء الجِّماعِ أو عند الإثارةِ الجنسية.

تُشكّل النطافُ 2-5% من حجمِ السائلِ المنويِّ، والباقي يعود لمُفرَزاتِ غددِ الجهازِ التناسليِّ الذكريِّ وهي سكرُ الفركتوز وبروتيناتٌ وبعضُ الإنزيماتِ والمخاطِ، وعندما تمرّ النطافُ التي تكوّنتْ في الخصيتين عبر القنواتِ الناقلةِ تختلط مع هذه المفرَزاتِ ليتشكلَ السائلُ المنوي.

الفركتوزُ مسؤولٌ عن تغذيةِ النِّطافِ لتبقى حيةً وتكملَ رحلتَها ضمن جسمِ الأنثى، لتصلَ إلى البُويضةِ وتلقحَها.

يتحرك السائلُ المَنَويُّ الطبيعيُّ في وسطٍ سائلٍ أو مائعٍ مساعِدٍ بسرعةِ 1-4 ملم/دقيقة، ويتميز بدرجةِ باهاء pH=7.5 وهي أقربُ للقَلَوِيّة. تعيش النِّطافُ عدةَ أسابيعَ في القنواتِ التناسليةِ الذكريةِ إلا أنّ حياتَها بعد القذفِ ضمن جسمِ الأنثى لا تتعدّى 24-48 ساعةً في درجةِ الحرارةِ العاديةِ، أما في درجات الحرارةِ المنخفضةِ فيمكن تخزينُ النطافِ لسنينٍ، وهذا ما يحدث في بنوكِ النطاف.

يبلغ حجمُ السائلِ المنويِّ في كل عمليةِ قذفٍ حوالي 2-5 مل ويحتوي وسطياً على 35-500 مليونِ نطفةٍ/مل، ورغم أن السائلَ المنوي يحوي ملايينَ النطافِ إلا أنّ عدداً قليلاً جداً منها يصل إلى البويضةِ التي يتمّ تلقيحُها بنطفة واحدةٍ فقط.

يمكن إخضاعُ السائلِ المَنَوِيِّ لفحوصاتٍ كبقيةِ السوائلِ لتحديد تركيبِه وخصوبتِه أو اضطراباتِه بحالِ وجودِ عُقمٍ أو مشكلاتٍ في الجهاز التناسليِّ الذكري.

العَرق Sweat:

هو السائلُ الذي تنتجه الغددُ العَرَقيةُ ويطرحُه الجلدُ بهدف تنظيمِ درجةِ حرارةِ الجسمِ كما أنّ إطراحَ العرقِ هو جزءٌ من وظيفةِ الجلدِ الإطراحية.

يتكون العرقُ من الماء بشكلٍ أساسيٍّ (بنسبة 99%) أما القسمُ الباقي فهو الفضلاتُ التي يطرحها الجلدُ، وهي الأملاحُ والبَوْلة. توجد المكوناتُ السابقةُ في البول أيضاً لكن بنسبٍ مختلفة.

يحوي الجلدُ حوالي 3 مليونِ غدةٍ عرقيةٍ موزَّعةٍ في أنحاءِ الجسمِ، وعندما ترتفع درجةُ الحرارةِ سيحفّز الجهازُ العصبيُّ تلك الغددَ لتبدأَ بإنتاجِ العرقِ وذلك بهدف إنقاصِ درجةِ حرارةِ الجسمِ عبر تبخُّرِ العرقِ عن سطحه، وكما نعلم يحتاج التبخرُ حرارةً مرتفعةً نسبياً يأخذُها من الجلدِ مما يُسهِم في تبريدِه. ولذلك يتعرّق الإنسانُ عند ارتفاعِ درجةِ حرارةِ الوسطِ الخارجيِّ أو الداخليِّ (الحمّى) وعند القيامِ بمجهودٍ عضليٍّ، كما نتعرق في بعض الحالاتِ العاطفيةِ كالخوفِ والقلقِ والإحراجِ والغضبِ وأحياناً عند تناولِ الأطعمةِ الحارّة.

يشكل الإبطانِ والوجهُ وراحتا الكفّينِ وأخمصا القدمينِ أشيعَ مناطقِ التعرّقِ في جسم الإنسان.

يعاني البعضُ من غياب عمليةِ التعرقِ وتسمّى هذه الحالةُ ‘انقطاعَ التعرُّق‘ anhidrosis، وتنجُمُ عن عدة أسبابٍ- بعضُها خِلْقِيٌّ- تؤدّي إلى خللٍ في وظيفةِ الغددِ العرقيةِ، مما يعرِّض هؤلاء الأشخاصَ لارتفاعِ حرارةِ أجسامِهم والإصابةِ بضربةِ الحرِّ التي تكون مميتةً أحياناً، أما التعرقُ الزائدُ hyperhidrosis فله أضرارُه أيضاً، وقد تكون نفسيةً أكثرَ منها جسدية.

التعرقُ هو حالةٌ طبيعيةٌ لكنه قد يدلُّ على وجودِ حالةٍ مَرضيةٍ، في حالِ ترافقِه مع أعراضٍ أخرى كألمِ الصدرِ أو الدُّوارِ أو انقطاعِ النفَس.

من الجدير بالذِّكرِ أنه ليس لأيٍّ من مكوّناتِ العرَقِ رائحةٌ؛ إنما تأتي رائحتُه من الجراثيمِ الموجودةِ على سطح الجلدِ والتي تتفاعل مع العرقِ وتُنتِجُ هذه الرائحةَ النفّاذةَ الكريهة.

اللعاب Saliva:

سائلٌ رائقٌ تنتجه الغددُ اللعابيةُ، وهي 6 غددٍ رئيسيةٍ ومئاتُ الغددِ الأخرى الصغيرةُ الموجودةُ في باطنِ الفمِ، ويستمرّ إنتاجُ اللعابِ 24 ساعة/اليوم كلَّ يومٍ، وهو مكوَّنٌ بشكلٍ أساسيٍّ من الماء (النسبة الأكبر) وكمياتٍ قليلةٍ من البروتينِ والمعادنِ والمخاطِ والأنزيمات.

يتميز اللعابُ بدرجة باهاء PH =6-7 ويُصنِّع الجسمُ حوالي 1-2 ليتر من اللعاب يومياً إذ تقوم الغددُ بإرسالِ كمياتٍ قليلةٍ إلى الفمِ بشكلٍ مستمرٍّ، لكنّ الإفرازَ الحقيقيَّ يبدأ عندما تأكلُ أو ترى الطعامَ أو تفكرُ به أو تشمُّ رائحتَه.

شُبِّهَتْ وظيفةُ اللعابِ في الجسمِ كوظيفةِ الزيتِ في المحرِّكِ؛ إذ تتمثل أهميةُ اللعابِ في الحفاظ على رطوبة الفمِ، كما له دورٌ مهمٌّ في المضغِ والبلعِ والتذوّقِ، ويساهم في القضاءِ على الجراثيمِ في الفم بواسطةِ إنزيماتِه وبالتالي منعِ رائحةِ النفَسِ الكريهةِ، ويساعد في إزالةِ بقايا الطعامِ من الأسنانِ وحمايتِها من التسوّس، كما يحوي اللعابُ بروتيناتٍ ومعادنَ تحمي ميناءَ الأسنانِ وتمنع تحلّلَ الأسنانِ وأمراضَ اللثةِ، إضافةً إلى دورِه في الهضم الأوَّليِّ لبعض الأطعمةِ كالنشاء.

تؤثّر بعضُ الأمراضِ (كمتلازمةِ جوغَرن والداءِ السكري) والأدويةِ (كمضادّاتِ الحساسيةِ وخافضاتِ الضغط) على كميةِ اللُّعابِ المفرَزةِ، فقد تُسبِّبُ نقصَ اصطناعِ اللعابِ مما يسبّب جفافَ الفمِ والذي يجرُّ معه مشكلاتٍ أخرى كرائحةِ النفَسِ الكريهةِ ومشكلاتِ الأسنانِ واللثة.

وقد يكون جفافُ الفمِ ناتجاً عن نقص تناولِ الماءِ أو عن أحدِ المواقفِ الخطرةِ أو المفاجِئةِ، أما الإفرازُ الزائدُ للعاب أو ما يسمى بالإلعاب فيمكنُ أن يحدثَ بحالِ تناولِ أطعمةٍ حارّةٍ أو حامضةٍ أو توابلَ، أو بحالِ فَرْطِ نشاطِ إحدى الغددِ، كما أنّ هناك بعضَ الحالاتِ المَرَضيةِ التي تسبب الإلعابَ كضخامةِ اللسانِ وداءِ باركنسون والتخلفِ العقلي.

الدمع Tears:

سائلٌ رائقٌ شفّافٌ تنتجُه الغددُ الدمعيةُ الموجودةُ في الجفنِ العُلويِّ للعين، ويتألف بشكلٍ رئيسٍ من الماءِ ومن موادَّ أخرى هي أملاحٌ ودهونٌ وسكّرياتٌ وبروتيناتٌ، وتختلف نسبةُ هذه الموادِّ حسب نوعِ الدموع. نعم! للدموعِ أنواعٌ، وهي: أساسيةٌ و انعِكاسيةٌ وعاطفية.

الدموعُ الأساسيةُ موجودةٌ دائماً في عيونِنا، ففي كلِّ مرةٍ نرِفُّ جفنَنا يتم نشرُ طبقةٍ رقيقةٍ من الدمعِ على امتدادِ القَرنيةِ، وتُشكّل هذه الطبقةُ غلافاً واقياً مزلِّقاً للعين ومنظِّفاً ومغذياً كما أنه قاتلٌ للجراثيم. وهذه العمليةُ لا تتوقفُ، فلماذا اذن لا تسيلُ الدموعُ على وجهِنا طوالَ الوقتِ؟

بسبب وجودِ قناةٍ تُصَرِّفُ الدمعَ من العينِ إلى الأنفِ وتوجد بدايتُها في الزاويةِ الإنْسِيّةِ للجفنِ السفليِّ أي قربَ الأنفِ، و لهذا السببِ يسيل أنفُنا عندما نبكي.

النوعُ الثاني هو الدموعُ الانعكاسيةُ التي تَنتُجُ عن الموادِّ المهيِّجةِ والغبارِ وعند تقشيرِ البصل.

أما النوعُ الثالثُ فهو الدموعُ العاطفيةُ التي تنهمر عند الحزنِ والسعادةِ والألمِ، ويحوي هذا النوعُ مستوياتٍ أعلى من هرموناتِ التوتّرِ بالمقارنة مع النوعين الآخرَين.

تحدث زيادةٌ في إفرازِ الدمعِ (الدُّماع) في العديد من الحالاتِ كما هو الأمرُ عند انسدادِ القناةِ الأنفيةِ الدمعيةِ والشعرةِ والتهابِ كيسِ الدم.، أما الحالة المُعاكِسةُ هي جفافُ الدمعِ، وتحدُث في بعض الأمراضِ كمتلازمةِ جوغْرِن (التي تترافق بجفاف في الأغشية المخاطية) وعَوَزِ فيتامينِ A، كما يجفُّ الدمعُ في الطقسِ الحارِّ جداً أو الباردِ جداً أو عند التحديقِ إلى شاشةِ التلفازِ او كتابٍ ما دونَ رفِّ الجفنين.

أخيراً وليس آخراً، كان اليونانُ القدماءُ يعتقدون أنّ الألماسَ هو دموعُ الآلهة.

المصادر:

Guyton Textbook of Medical Physiology 11th ed.

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا