الرياضيات > الرياضيات

مسارات الطيران والدوائر العظمى

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل سبق لكم أن شاهدتم الطّرق الّتي تسلكها الطّائرات، قد يفاجئكم أنّ الخطوط الّتي تبيّن مسارات الرّحلات الجّويّة بين مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم ليست مستقيمة! بدلاً من ذلك، مسارات الرِّحَل تتبع ما يبدو وكأنّه أقواس لحلقات مجنونة. ولكنّ هذه الأقواس ليست مجنونة على الإطلاق، إنّها تُدعى دوائر عظمى، فما هي؟ ولماذا الطّائرات تطير وفقاً لها؟

أسرع وسيلةٍ لتطير من فلوريدا إلى الفلبين (علماً أنّ الفلبين إلى الجنوب من فلوريدا) هو أن تأخذ المسار الّذي يذهب شمالاً حتّى ألاسكا! هذا غير مُتَوقّع تماماً، ولكنّه صحيح (انظر الشكل).

لماذا الرّحلات الجّويّة تتبع مثل هذه الطّرق الّتي تبدو غريبة؟ لأنّ هذه الطّرق المنحنية هي في الواقع أقصر مسافة بين هذه المدن، دعونا نرى لماذا.

لفهم مسارات الرِّحَل، نحتاج لمعرفة الدّوائر العظمى والصّغرى على الأرض. دعونا نفكّر في الطّريق بين دمشق وبغداد. لماذا هاتين المدينتين؟ لأنّهما تقريباً على نفس خط العرض (وهو ما يعني أنّهما تقريباً في نفس المسافة الزاويّة إلى الشّمال من خطِّ الاستواء). إذا طلبتُ منكم رسمَ أقصرِ خطٍ بين هاتين المدينتين على الخريطة الورقيّة المسطّحة العاديّة، على الأرجح سوف ترسمون خطّاً أفقيّاً تقريباً لربطِهِما. لكن ليس هذا هو في الواقع أقصرُ طريق.

تخيّلوا أنّنا نملكُ ورقةً مُسطّحةً تماماً، وعملاقةً (يجب أن تكون أكبر من الأرض) واستخدمناها لتقسيم كوكب الأرض إلى قطعتين على طول خطّ يوازي خطّ الاستواء ويمرُّ عبر كلٍ من دمشق وبغداد. الطّريق النّاتج من تقاطع هذه الورقة العملاقة والأرض يخلق دائرةً تمتد من شرق إلى غرب العالم وتربط المدينتين، هذه الدّائرة تسمى دائرة صغرى.

تقاطع أيّ شكلٍ عشوائيّ مع كرةٍ عادةً يشكّل دائرةً صغرى. ولكن في بعض الأحيان هذا التّقاطع يشكّل دائرةً عظمى. فإذا كان بالإضافة إلى أنّه يمرُّ من خلال نقطتين على سطح الأرض (في حالتنا دمشق وبغداد)، يمرُّ أيضاً من خلالِ مركز الأرض، عندها يُطلَق على التّقاطعِ الناّتج دائرةً عظمى.

فإذاً الدّائرة العظمى هي تقاطعُ كرةٍ مع مستوٍ يمرُّ من مركزها، ونصف قطرها مساوٍ لنصف قطر الكرة، وبتعبيرٍ آخر فإنّ الدّائرة العظمى هي دائرة على الكرة لها مركزٌ متطابقٌ مع مركز الكرة، وتقسمها إلى نصفي كرة متساويتين.

وتبيّن أن هذه الدّوائر العظمى تحتوي على خاصيّة مهمة جداً، ولكن قبل أن نصل إلى تلك الخاصيّة المهمة، دعونا نفكر في خطوط الطّول والعرض على الأرض، كما تعلمون خطوط الطّول تمتد من الشّمال إلى الجنوب بين قطبي الأرض، وخطوط العرض تمتد من الشّرق إلى الغرب حول الكوكب.

بالنّظر إلى ما تعلّمناه عن الدّوائر العظمى والصّغرى، هل تشكل خطوط الطّول دوائر عظمى أو صغرى؟ الدّوائر الّتي تشكّلها خطوط الطّول مركزها دائماً هو مركز الأرض. وهو ما يعني أنّ هذه الدّوائر هي دوائر عظمى. بالنّسبة لدوائر العرض فمراكزها تقع في نقطةٍ معيّنةٍ على طول محور دوران الأرض، ولكن ليس بالضّرورة مركزها. لذلك، باستثناءٍ واحدٍ، خطوط العرض هي أمثلةٌ على دوائر صغرى. الاستثناء بالطّبع هي دائرة العرض صفر (خط الاستواء) فهي تشكّل دائرة عظمى لأن مركزها هو مركز الأرض.

كما ذكرنا سابقاً، تحتوي الدّوائر العظمى على خاصيّةٍ مهمةٍ جداً، وهي أنّ أقصرَ مسافةٍ بين نقطتين على سطح الكرة دائماً تمرُّ عبر الدّائرة العظمى الّتي تربط تلك النقطتين.

إذاً هذا هو المسار الّذي تطير الطّائرات به؟ في الغالب، ولكن ليس تماماً. فمن وجهة نظر الهندسة مسار الدّائرة العظمى هو دائماً أفضل مسار ولكنّ الفيزياء لها رأيٌّ مخالفٌ أحياناً. فعمليّاً تتبع الطّائرات عادةً مساراتٍ تختلف قليلاً عن الدّوائر العظمى من أجل الاستفادة من التّيارات الهوائيّة لأخذك إلى وجهتك بشكلٍ أسرع.

المصدر:

هنا