الطب > متلازمات طبية

سلسلة المتلازمات 54-مولودون نحو الادمان: متلازمة الانسحاب عند حديثي الولادة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تقومُ العديدُ من النساءِ الحوامِلِ بممارساتٍ خاطئةٍ اثناء الحَمْلِ قد تكون كارثيّةً على أجِنَّتِها، ومن هذه الممارسات تعاطي الأدويةِ وغيرِها من الموادِّ بعيداً عن أعْيُنِ الطبيب المُشرف ممَّا قد يُسبِّبُ تعلُّقاً لدى جنينها يؤدي الى إصابته بما يُعرَفُ بمتلازمة الانسحاب لدى حديثي الولادة، فتابعوا معنا هذا المقال لنتعرف أكثر على هذه المتلازمة وأعراضها وكيفيَّة تفاديها.

متلازمةُ الانسحاب لدى حديثي الولادة (Neonatal abstinence syndrome) هي مجموعةٌ من الأعراضِ التي تحصلُ عند الأطفال الخُدَّج نتيجةَ تعرُّضِهم لموادَّ تُسَبِّبُ الإدمان خلال الحمل، وقد تكونُ هذه الموادُّ مباحةً كالأدويةِ أو التبغ، أو غيرَ مباحةٍ كالمخدِّرات.

تحدثُ هذه الأعراضُ نتيجةَ النّقصِ المفاجئِ لِتركيز هذهِ الموادِ في أجسامِ الرُضَّعِ عند انفصالهم عن الأم عند الولادة.

لهذه المتلازمةِ نمطان:

• النمطُ الأوَّل: ينتجُ عن استخدامِ موادَّ مِن قِبَلِ الأمِّ أثناءَ الحملِ تؤدِّي إلى أعراضِ الانسحابِ لدى الجنين بعدَ ولادته.

• النمط الثاني: يحدثُ نتيجةً لإيقافِ بعضِ الأدويةِ المستخدَمةِ لعلاجِ حديثي الوِلادةِ، دونَ الحاجةِ للتعرّضِ لهذه الأدوية قبل الولادة.

الآلية المرضية:

يُعدّ الهيروين والكوكائين والمورفين والكودين والميثادون وغيرُها كالكحول والتبغ والبنزديازبينات وأدوية الاكتئاب وحتى القهوة من المواد المُسببة لهذه المتلازمة خلال الحمل، أي النمط الأول.

تسبِّبُ معظمُ هذه الموادُّ إدماناً لدى الأمِّ وتَعلُّقاً أو اعتماداً لدى الجنين. ويكونُ الاعتمادُ لدى الأخيرِ ناتجاً عن عبورِ تلكَ الموادِّ الحاجزَ المشيميَّ وبتراكيزَ مُختلفةٍ لكلِّ مادَّة، نَظراً لاختلافِ الخواصِّ الدوائيَّةِ لكُلٍّ منها. إذ أنَّ معظمَ الأدويةِ التي تسبِّبُ التعلُّق ولا سيَّما تلك الَّتي تَستهدفُ الجُملةَ العصبيَّةَ المركزيَّة تكونُ مُحِبَّةً للدُّسُمِ (lipophilic) بدرجةٍ كبيرةٍ وذاتَ وزنٍ جزيئيٍّ منخفضٍ نسبيَّاً، وبالتالي تُسَهِّلُ هذه الصِّفاتُ عبورَ الأدويةِ من دورانِ الأُمِّ إلى دورانِ جنينها.

حالَ عبورِ هذه الأدويةِ الحاجزَ المشيميَّ إلى الجنين، تَتراكَمُ في جسمه ويعجَزُ عن إطراحها، لعدَمِ نُضجِ الوظيفةِ الكلويَّةِ والآلياتِ الأنزيميَّةِ المسؤولَةِ عن التخلُّصِ من الموادِّ السَّامةِ، ويتوقَّفُ عبورُ هذه الموادِّ بعدَ الولادةِ وبعدَ حدوثِ التعلُّق لدى الجنين لتتطوَّر لديه أعراضُ الانسحاب.

في حين يُعد الفنتانيل (Fentanyl) والمورفين من أشيع الموادِّ المسببةِ للنمط الثاني من هذه المتلازمة. ويحدُثُ هذا النمط عندَ التوقُّف المُفاجِئ عن إعطاءِ المسكِّناتِ والمهدِّئات المورفينيَّة لحديثي الولادةِ ولا سيَّما الفنتانيلِ أَحَدِ أشيَعِ الأدويةِ المُستخدمَةِ في وَحداتِ العنايةِ المشدَّدَةِ الخاصَّةِ بحديثي الولادة. وهو مُهدِّئٌ قويٌّ وسريعُ التَّأثير ذو تأثيراتٍ جانبيَّةٍ قليلةٍ نسبيَّاً. ويُلاحَظ حدوثُ أعراضِ انسحابٍ أخفَّ بعد الإعطاء المتقطّعِ لهذه المواد، مقارنةً بإيقافها بعد إعطاءٍ مستمر "عادةً عبر الوريد".

يجدُرُ بالذكرِ أنّ الأعراضَ الظاهرةَ تكون متماثِلةً في نمطَي المتلازمة.

الأعراض والعلامات:

- · البُكاء بصوتٍ حاد.

· العصبيَّة والتَّوتر.

· الرَّجفان.

· تشنُّجٌ واختلاجاتٌ معمَّمةٌ في الجسم.

· تعرُّق وحمَّى.

· تبقُّع الجلد.

· صعوباتٌ في التَّغذية.

· إقياءاتٌ وإسهالاتٌ شديدةٌ.

التشخيص:

الاختباران الأكثر شيوعاً لتشخيص هذه المتلازمة:

· مقايَسة السُّمومِ في البول.

· تحليلُ العقي (Meconium)*.

كما يمكن التشخيص اعتماداً على عدد الأعراض وشدّتها، بالإضافة لبعض الاختبارات المُكَمّلة الأخرى مثل:

· فحوصاتٍ دمويَّة.

· المُقايَسةِ المناعيَّة والأنزيميَّة الشعاعيَّة (radioimmunoassay and enzyme radioassay).

· تحليلٍ للشَّعر.

الاختلاطات المحتملة:

· التشوُّهات الولاديَّة.

· انخفاض الوزنِ عندَ الولادةِ.

· الولادةُ المبكِّرة.

· صِغَرُ حَجمِ الرَّأس.

· متلازمة موت الرضيع الفُجائي.

· مشاكلُ في التطوُّرِ والتَعلُّم.

التدبير:

لم توضَع خُطَةٌ وَاضِحَةٌ تُحدِدُ أسلوبَ العلاجِ الأساسي لِمتلازمة الانسحابِ عندَ الأجنَّة. إلَّا أنَّه من المفتَرَضِ أن يكون العلاجُ الأوليُّ داعماً وغيرَ دوائيٍّ نظراً لأنَّ اعتمادَ العلاجِ الدوائي يُمكنُ أن يُعرِّضَ الجنين لعواملَ إضافيَّةٍ غالباً ما تكونُ غيرَ ضروريَّة.

لذا ينبغي أَن يُجرَّبَ العلاجُ غيرُ الدوائي (الدَّاعم) مع كلِّ الأطفالِ قبلَ العلاجِ الدوائيِّ؛ ويتضمَّنُ أساليبَ كَحَملِ الرَّضيعِ بِرِقَّةٍ والإلحاحِ في إطعامِهِ وتَجنُّبِ ايقاظِه والتَّقليلِ من تغطيَتهِ ولَفِّه، إذ لوحِظَ أنَّ هذه الأساليبَ تُقلِّلُ من البكاءِ وتُحفِّزُ النَّوم العميقَ والهادىء.

في حين يَجبُ اللُّجوءُ إلى المعالجَةِ الدوائيَّة في الحالات التالية:

- فشَلُ المعالجَةِ الدَّاعمة أو غيرِ الدوائيَّة.

- استمرارُ أعراضِ الانسحابِ بشدَّة.

- ظهورُ أعراضٍ خطيرةٍ كالنَوبات seizures أو التَّجفافِ الشديد النَّاتج عن الإقياءِ والإسهال.

يُعتبَرُ المورفين الدَّواءَ المُفضَّل للمعالجةِ نظراً لأنَّهُ يُنقِصُ من خطرِ حدوث النوبات ويُحسِّنُ تغذيَةَ الرَّضيعِ ويوقِفُ الإسهالَ ويقلِّلُ الهياجَ. ولكن يمكن استخدام الميثادون methadone ذي التأثير الطويل عوضاً عنه.

في حال استمرارِ الأعراض مع جُرعاتٍ كبيرة من هذه الأدوية، يمكن استعمال أدويةٍ مساعدة كالفينوباربيتال أو الكلونيدين.

الوقاية:

· استشارةُ الطَّبيبِ المشرف على مُراقبَةِ الحَملِ عندَ كُلِّ استخدامٍ لدواءٍ غيرِ موصوف.

· تجنُّبُ الحاملِ الأدويةَ غيرَ الموصوفَةِ من قبل الطَّبيب المشرف.

· الابتعادُ عن الكحولِ والتَّبغ.

الهامش:

العِقي meconium: هو الغائط أو البراز الأوليّ الذي يطرحه الرضيع بعد الولادة بفترة قصيرة قبل أن يبدأ بهضم الحليب أو طعام الرُضَّع. ويمكن أن يتم طرحه في السائل السلوي (الأمنيوسي) داخل الرحم، مما قد يسبب مشاكلَ للرضيع. وسنتحدث عن هذه الحالة في مقال آخر.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا