البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

هل تستمتع الكلاب بمشاهدة التلفاز؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

بعد مرور آلاف السنين على تدجين الكلاب، وبعد أن أصبحَ هذا الكائنُ أكثرَ الكائنات أُلفةً مع الإنسان، انطلقت محاولاتٌ عدة لفهم سلوك الكلاب وكيفية تفاعلها وتأقلمها مع الإنسان، وفي هذا المقال سنتطرَّق إلى بعض سلوكيات الكلاب، وبشكل خاص سلوك المشاهدة لديها من خلال عرض بضع دراسات أجريت حولها.

غالباً ما يلاحظ مربّو الكلاب حيوانتِهم الأليفةَ تشاهد التلفازَ وشاشاتِ الحاسوب والأجهزةَ اللوحية، ولكنَّ السؤالَ هو: ما الذي يحدث في أدمغة كلابهم؟ في الحقيقة، خلَصَ العلماءُ بعد مراقبة الكلاب -باستخدام طرائق مماثلة لتلك التي تُستخدم على البشر- إلى أنَّ الكلابَ المُدجَّنةَ تفضّلُ صوراً وفيديوهاتٍ معيّنةً على غيرها. كما أكدت هذه الدراسةُ أنَّ الكلابَ تُفضّلُ مشاهدةَ كلابٍ أخرى، وأنَّ ما يجذبُ الكلابَ نحو التلفاز والأجهزة الأخرى هو الصوت قبل كل شيء، وتشمَل الأصواتُ المُفضلة النباحَ والأنينَ وأصواتِ أناسٍ يُمْلون أوامرَ وديةً على الكلاب والصوتَ الصادرَ عن لُعَب الأطفال. ليس ذلك فحسب؛ إذ تختلف طريقةُ مشاهدة الكلابِ التلفازَ عنها عند الإنسان، فبدلاً من الجلوس بهدوء، غالباً ما تدنو الكلابُ من الشاشة لتأخذَ نظرةً عن كَثَب، وتراها أيضا تسير جيئةً وذهاباً بين صاحبها والتلفاز، لذا يُمكن القولُ إنَّ الكلبَ مُشاهدٌ متفاعلٌ مع ما يشاهده على الشاشة!

هنا يبقى السؤال الأهم، هل تستمتعُ الكلابُ حقّاً بالمشاهدة؟

للإجابة عن هذا السؤال، وضَعَ الباحثون عدة شاشاتٍ ليرَوا فيما إذا كانت الكلابُ تستطيع اختيارَ ما تحب. عندما عُرضت على الكلاب ثلاثُ شاشات، لم تكن قادرةً على اتخاذ قرارها، بل اختارت شاشةً واحدةً منها بغضِّ النظر عمَّا يُعرَض عليها. لقد أظهرت التجارِب -كما رأينا- أنَّ الكلابَ قد تنجذب إلى التلفاز، وأنَّها تُفضّل بعضَ البرامج على غيرها، لكن السؤالَ المُعقَّد الذي بقي دون إجابة حتى الآن هو ما إذا كانت الكلابُ تستمتع بذلك أم لا، فغالباً ما يُشاهد البشر لقطاتٍ أو فيديوهاتٍ مُحزنةً تجعلهم يشعرون بأحاسيسَ مختلفة من الحزن أو الغضب أوالخوف وأخرى عكسها تمنحهم شعوراً جيداً، ولا نعرف بعد فيما إذا كانت عواملُ مشابهةٌ تدفع الكلابَ للمشاهدة. وعلى أية حال فإنَّ ما ينجذب إليه كلبٌ ما، يختلفُ عمّا ينجذب إليه كلبٌ آخر وهذا يعتمدُ على "شخصيته" وخبرته وتفضيلاته، كما قد يكون الكلبُ متأثراً بما يشاهده صاحبُه على الأرجح؛ إذ يُحاول فهمَ صاحبه من خلال التحديق في تعابير وجهه ومراقبة تصرفاته.

من هنا ننطلق إلى سلوكٍ آخرَ للكلاب؛ إذ أظهرت دراسةٌ حديثةٌ من جامعة هلسنكي في فنلندا أنَّ سلوكَ التحديق الاجتماعي للكلاب المُدجَّنة يشابه ذلك عند الإنسان، إذ تُعاينُ الكلابُ تعابيرَ الوجه ككل مفضلةً العيون. علاوة على ذلك، تؤثر تعابير الوجه على سلوكها وخاصة عند مواجهة الخطر، كما توصّل الباحثون في الدراسة نفسها إلى أنَّ الوجوهَ التي تَظهرُ عليها علاماتٌ مُهدّدة بالخطر تثيرُ استجاباتٍ فريدةً لدى الكلاب.

استخدمت الدراسة تِقْنيةَ تتبُّع تحديق العين لوصف كيفية رؤية الكلاب التعابيرَ العاطفيةَ في وجوه البشر أو الكلاب الأخرى، ووجدَ الباحثون أنَّها تنظر إلى منطقة العين أولاً، وتتفحَّص العينين وقتاً أطولَ من الوقت الذي تتفحَّص فيه منطقةَ الأنف أو الفم، وقد أثارتِ الوجوهُ المُتجهّمة "انحياز الانتباه" الذي ربما يكون مبنياً على آليّة تكيفيّة تطوريّة؛ إذ إنَّ الحساسيةَ لكشفِ التهديدات وتجنُّبها تمثل وسيلةً للبقاء. والأهم من ذلك، أنَّ سلوكَ التفحُّص عند الكلاب اعتمد على نوع الكائن الظاهر في الصورة؛ فبينما أدَّت وجوهُ كلابٍ من نفس النوع تُظهِر تهديداً بالخطر إلى تفحُّص أطولَ، أثارت بالمقابل وجوهُ البشر المُتجهِّمة استجابةَ التجنُّب والابتعاد التي قد تكون ناتجةً عن تدجين الكلاب. إنَّ مؤشراتِ الخطر -ذات العواقب البيولوجية المختلفة- تُعالَج بواسطة مسالكَ عصبيةٍ-إدراكيةٍ فريدة.

وفي الختام، نودُّ القولَ بأنَّنا لم نصل بعد إلى إدراكٍ كاملٍ لما تشاهده الكلاب فعلاً، وما إذا كانت تستمتعُ حقاً بمشاهدة التلفاز معنا، ولكنَّ تلك المحاولاتِ قد تفتحُ أمامَنا أبواباً عديدةً لفهمِ الغاياتِ الكامنة وراء السلوك الفريد لهذه الحيوانات...

المصادر:

هنا

هنا

البحوث الأصلية:

هنا

هنا