الهندسة والآليات > اسألوا مهندسي الباحثون السوريون

هلْ يمكنُ بناءُ سفينةٍ للسفرِ عبرَ الزمنِ؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

لم تصبحْ فكرةُ السفرِ عبرَ الزمنِ مشروعةً علمياً إلا بعدَ ظهورِ النظريةِ النسبيةِ الخاصةِ ثم العامة لإينشتاين، فعندما يصبحُ الزمنُ بعداً رابعاً للكون مثله مثل الطول والعرض والارتفاع، سيكونُ من الطبيعي أن نتساءل عن إمكانية الحركةِ ضمنَ هذا البعدِ كما نتحركُ ضمنَ الأبعادِ الأخرى.

في الواقع فإننا نتحرك ضمنَ بُعدِ الزمنِ، ولكنها حركةٌ خارجةٌ عن إرادتنا، فإذا عَبّرنا عن الكون بمستوى ذو أربعةِ محاورٍ لتمثلَ الأبعاد الأربعة للكون، فستكون كلّ الكائنات عبارة عن نقاط متحركة دائماً ضِمنَه بسرعةِ الضوءِ، فإما أنّ تكون كل هذه الحركة ضمن بعد الزمن فقط إذا كان الجسمُ ساكناً مكانياً، أو ضمن الأبعاد المكانية فقط عندما تصلُ سرعةُ الجسمِ المكانية إلى سرعة الضوء فتنعدمُ الحركةُ على بُعْدِ الزمن، أو كما هي الحال عند كل الموجودات تقريباً فإن الحركة ستتوزع بين الأبعاد الأربعة للكون. [1]

وهكذا فإنه كلما زادت سرعةُ الجسمِ في الأبعادِ المكانية قلت حركته ضمنَ بعدُ الزمنِ حتى يصبحُ منفصلاً عن الزمن تماماً، عندما تصلُ سرعته إلى سرعةِ الضوءِ، فلكلّ موجودِ في هذا الكون ساعته الخاصة التي تدّق حسب حركته، متباطئةً بزيادةِ سرعتهِ المكانية ومتسارعة ببطئه المكاني، ولذلك كانت فكرةُ السفرِ إلى المستقبلِ ممكنةً، ولا ينقصها إلا الوصول إلى سرعاتٍ عاليةٍ جداً، بحيث تصنع فرقاً واضحاً بين زمن المسافر وزمن الساكنين على الأرض، وأصبحت طريقة السرعة العالية جداً إلى جانب الاستفادة من وجود حقل جاذبية شديدة (كثقب أسود)، هما الوسيلتان الأكثر رواجاً للتدليل على إمكانية السفر إلى المستقبل.

و يطرحُ بروفيسور الفيزياء النظرية برايان غرين في كتابه "الكون الأنيق" مثالاً لتوضيح الفكرة أكثر، فافترضْ أنه قُدّرَ لك استكشاف ثقب أسود كتلته أكبر من كتلةِ الشمسِ بحوالي ألف مرة، حيتُ ستكونُ جاذبيتهُ كبيرةً جداً، مما يسببُ اعوجاجاً شديداً في نسيجِ الزمكان، والذي بدوره يؤدي إلى تمدد الزمن أو تباطؤه وفقاً للنسبية العامة، إذا اقتربت من هذا الثقب حتى تصيرَ على بعدٍ آمنٍ من أفق حدثه، عندئذٍ ستتسارع حركتك المكانية، وبالتأثير بجاذبية الثقب الأسود العالية فإن مرور الزمن بالنسبة لك سيتباطأ أكثر فأكثر، وستدق ساعتك عشرة آلاف مرة تقريباً أبطأ من ساعات أصدقائك الموجودين على الأرض، وإذا بقيت حائماً فوق أفق الحدث للثقب الأسود بهذه الطريقة لمدة عام ثم أردت أن تعود إلى الأرض، فإنك ستكتشف بمجرد وصولك أنه قد مرّ أكثر من عشرة آلاف عام منذ رحيلك، وبهذا تكون قد استخدمت الثقب الأسود كنوع من آلات الزمن مسافراً في المستقبل بنجاح. [1] [4]

وهذا المثال شبيه بما تم تمثيله في فيلم الخيال العلمي Interstellar حيث إن وجود أبطال الفيلم على كوكب قريب جداً من ثقب أسود جعل مرور ساعة واحدة على هذا الكوكب يعادل مرور سبع سنوات على الأرض.

ويمكنك أن تشاهد ستيفن هوكينغ يشرح نفس الفكرة من هنا:

ولذلك فإن كثيراً من العلماء لا يستبعدون إمكانية السفر إلى المستقبل، وفقَ المفهومِ السابقِ بعد تحقيق التقدم العلمي المطلوب، وتصنيّع المركبةِ الفضائيةِ المناسبة، ولكن الجدل يحتدم حولَ إمكانيةِ السفرِ إلى الماضي، فالسؤال البديهي في حال إذا كان السفر إلى الماضي ممكناً لماذا لا نرى زواراً من المستقبل حيثُ من المفترضِ أن يكون تطور العلم عندهم قد مكنهم من صنع آلة الزمن؟

يجيبُ عالم الفيزياءِ الفلكية في جامعة برينستون في الولايات المتحدة الأمريكية جون ريتشارد غوت، وأحدُ المناصرين للسفرِ عبرَ الزمنِ: " قد يكون من غير الممكن للمسافرين عبر الزمن أن يسافروا إلى نقطة زمنية سابقة لوجود آلة الزمن" ويحاجج ريتشارد غوت عن رأيه بقوله بأنه إذا كنا غير قادرين على بناء سفينة فضائية قادرة على السفر بسرعة أسرع من الضوء، فإننا بالاستفادة من الزمكان المنحني قد نكون قادرين على أن نسبق الضوء باتخاذ طريق مختصر، وإما أن يكون هذا الطريق المختصر هو عبورنا ضمن ثقب دودي يخترق النسيج الزمكاني من نقطة زمانية ومكانية معينة إلى أخرى قد تكون في الماضي، أو عن طريق التفافنا حول زوج من السلاسل أو الأوتار الكونية. [3]

يمكنك التعرف أكثر عن الثقوب الدودية وكيف استطاع العلماء ابتكار ثقب دودي مغناطيسي من هنا

ويبين الشكل التالي مفهوم الثقب الدودي:

وفي معرضِ الردّ على وجهةِ النظرِ تلك، يقولُ مديرُ قسمِ الفيزياء النظرية في معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا MIT إيدي فرحي Eddie Farhi والخبير العالمي في النظرية النسبية: "لقد فكرت كثيراً في السنوات القليلة الماضية في موضوع السفر عبر الزمن، وبدا لي الأمر وكأن قوانين الفيزياء تتآمر على الإنسان، كي تمنعه من السفر عبر الزمن إلى الماضي" ويضيفُ رداً على جون ريتشارد غوت حول إمكانية السفر إلى الماضي بالاستفادة من الأوتار الكونية: "ما وصلنا إليه هو أنه لا يمكنك تصميم آلة كتلك، والسبب في ذلك أنّ الطاقة التي ستحتاجها هذه الآلة قد تكون أكبر من نصف الطاقة الموجودة في الكون أجمع". [2]

ومن القضايا التي تطرحُ أيضاً لتأكيدِ استحالةِ السفرِ إلى الماضي قضية تعرف بمعضلة الجد “Grandfather Paradox" ،والتي تفترض بأنك لو تمكنت من السفر إلى الماضي وقمت بقتل جدك قبل أن يتزوج وينجب أطفالاً، فإنه لن يكون لأبيك أو لأمك وجود، وبالتالي لن تولد أنت ولن تسافر عبر الزمن لتقتل جدّك (أو القيام بأي عمل في الماضي تكون نتيجته مستحيلة في الحاضر)، مستنتجة في النهاية أن السفر إلى الماضي مستحيل من الناحية المنطقية [4]، ولكن في أواخرِ العامِ 2014 قامت مجموعةٌ من العلماءِ بوضعِ نموذجٍ كشفَ - باستخدامِ الفوتونات - أنّ ميكانيكَ الكمِّ قادرٌ على حلّ هذهِ المعضلة. يمكنك التعرف أكثر على هذه المعضلة والطريقة المفترضة لحلها من هنا

إذاً مازالت الإجابة على سؤال السفرِ عبر الزمنِ غير واضحة تماماً، إلا أنه يمكننا أن نستنتج أنّ السفر عبر الزمن إلى المستقبل ليس بالأمر المستحيل في حال تمكنا من صنع آلة تنقلنا بسرعة قريبة من سرعة الضوء، أو توصلنا إلى مكان قريب من ثقبٍ أسود، على عكس السفر إلى الماضي الذي اختلف العلماء حول إمكانيته، فأغلبهم اعتبره مستحيلاً منطقياً وعلمياً، والقليل منهم اعتبره ممكناً على الأقل من الناحية الفيزيائية ولم يصنفوه تحت خانة المستحيل.

يمكنك أن تتطلع على رأي برايان غرين حول إمكانية السفر إلى المستقبل والماضي من هنا:

المصادر:

1- الكون الأنيق _ برايان غرين.

2- هنا

3- هنا

4- هنا