الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

بين اللحوم العضوية والتقليدية.. ما الأفضل؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُطلقُ اسم اللحوم العضوية Organic meat على اللحوم التي يتم الحصول عليها من حيواناتٍ مجترّةٍ أو دواجنَ تمّت تربيتها تربيةً حرّة (أو طليقة)، مع تغذيتِها على أعلافٍ نباتيةٍ خاليةٍ من المنتجاتِ الحيوانيّةِ الثانويّة. كما يُمنعُ في الإنتاجِ العضويّ للمنتجاتِ اللحميّة إعطاءُ الحيوانِ أيَّ نوعٍ من الهرمونات، وقد تعرّضنا في مقالٍ سابق لأساسيات الإنتاج العضوي وآراء مناصري هذه الطريقة هنا.

وكما هو الحال في معظمِ المنتجاتِ العضويّة، كالحليب هنا والمنتجاتِ النباتيّة من حبوبٍ وفاكهةٍ وخضار هنا ، نجد أن تزايدَ اهتمامِ المستهلكينَ بمنتجاتِ اللحوم العضويّة التي تتمّ تَغذيتُها على الأعشابِ يثيرُ عدداً من التساؤلاتِ المتعلّقةِ باختلافاتِ الجودةِ والقيمةِ التغذويةِ بين إنتاجِ اللحم العضوي ونظيرِه التقليديّ الذي ينتجُ عن حيواناتٍ تغذَّت على الحبوب.

وبحسبِ عددٍ من البحوثِ التي تجاوزَت مدةُ بعضِها الثلاثةَ عقودٍ، نجدُ أنَّ الالتزام بتغذيةِ الأبقارِ على نظامٍ غذائيّ قائمٍ على الأعشاب يُمكن أن يُحسّن تركيبَ اللحم من الأحماضِ الدهنيّةِ FA ومضادّاتِ الأكسدة بشكلٍ كبير. إذ يلاحظُ تحسّنٌ في نسبةِ الأحماض الدهنيّة من النوع أوميغا-3 بنسبةِ 50%، وحمضِ اللينوليئيك المقترِن (C18:2)، وحمض الفاكسينيك من النوعِ ترانس Trans vaccenic acid، والذي يتحوّل في أجسامِ الثدييّات إلى حمضِ الرومينيك Rumenic acid؛ وهو أحدُ أشكالِ حمضِ اللينوليئيك المقترِن، علماً أن جميعَ الأحماضِ السابقةِ تُعرفُ بدورِها في تقليلِ خطرِ الإصابةِ بأمراضِ القلبِ والشرايين، وتحسين وظيفةِ الجهاز العصبيّ، ودعمِ الجهاز المناعيَّ.

أما من حيثُ الأحماضِ الدهنيّةِ المشبعة SFAs، فلم يُلاحظ اختلافٌ في تراكيزِها الكليّةِ بين نظامَي التغذية المُتّبَعَين، إلا أنّ التركيبَ الدقيقَ لها كان مختلفاً بعضَ الشيء، حيثُ لوحظَ ارتفاعُ نسبةِ حمضِ الستياريك Stearic acid في لحمِ الأبقارِ العضوية، وهو أمرٌ إيجابيّ، فعلى الرّغم من تصنيفِهِ كحمضِ مشبع، إلّا أنه يُعرف بعدمِ تأثيرِه على مستوياتِ الكوليسترول في الجسم، كما احتوى اللحم العضوي على نسبةٍ أقلَّ من الأحماضِ الدهنيّةِ الرافعةِ للكوليسترول مثل حمض الميرستيك Myristic acid والبالميتيك Palmitic acid.

كما من جهةٍ أخرى، اقترحَت بعضُ الدراساتِ ارتفاعَ تراكيزِ طلائعِ كلٍّ من الفيتامين A وE، ومضاداتِ الأكسدةِ المكافحةِ للسرطان مثل الغلوتاتيون Glutathione، بتأثيرِ التغذيةِ العضويةِ على الأعشاب. إضافةً لذلكَ، سيجدُ المستهلكون الذين يفضّلون تجنّبَ الأطعمةِ الدهنيّة ناحيةً إيجابيةً جديدة، إذ لوحظَ انخفاضُ محتوى اللحوم العضوية من الدهون الكلية، ولكن هذا الاختلافُ في التركيب يمتلك تأثيراً سلبياً على المواصفات الحسيّةِ للمنتج، حيثُ تميلُ نكهةُ اللحم في هذه الحالة إلى التشابُهِ مع نكهةِ العشب! وهو ما قد يقف حائلاً أما تقبّل هذه المنتجات من قِبل المستهلِكين.. وعلاوةً على ذلك، فإنّ لونَ الدهون في اللحومِ العضويةِ يكون مصفرّاً نتيجةَ ارتفاعِ مُحتواها من الكاروتينوئيدات Carotenoids بسبب التغذية على الأعشاب أيضاً.

وعند الرّجوع إلى أحدثِ دراسةٍ أجريت في شباط العام 2016 لمراجعةِ 67 بحثاً عن اللحومِ العضوية والتقليدية، وإخضاعِ نتائجِها لتحليلٍ تُلَّويّ Meta-analysis، نجدُ أن نتائج البحث الأخير تتوافق مع ما ذُكر سابقاً، خاصّةً من حيث تماثلِ نسبةِ الأحماضِ الدهنية المشبعة SFA بين اللحوم العضوية والتقليدية، في حين أشارَت إلى انخفاض نسبةِ الأحماض الدهنيةِ أحاديةِ عدمِ الإشباعِ MUFA في اللحوم العضويةِ عن نظيرتِها التقليديّة. أما الفروقُ الأكبر بين نظامَي التغذية والإنتاج، فقد تمّ الكشفُ عنها فيما يخصُّ الأحماضَ الدهنيّةَ متعدّدةِ عدمِ الإشباع PUFA والتي كانت أعلى في اللحوم العضوية بنسبةِ 23% من اللحوم التقليدية. وبالشكل نفسِه كانت الأحماض الدهنية من نوع أوميغا-3 أعلى في اللحوم العضوية بنسبةِ 47٪.

أمّا بالنّسبةِ للحومِ الدواجنِ العضويةِ، كالفرّوج أو الدّجاج، فقد تمّت مقارنةُ جودتِها في حالتَيّ الإنتاج العضويّ والتقليديّ بالاعتماد على معاييرِ جودةِ اللحومِ التقليديّةِ المعارفِ عليها، وشملَ ذلك نسبةَ الأجزاءِ القابلةِ للاستهلاكِ من الذبيحة، ولونَ الجلدِ، وقوامَ اللحم ولونَه، وخسارةَ الوزنِ عند الشّواء، والمحتوى من العناصر الغذائية وخاصّةً الأحماضِ الدهنيّة، فضلاً عن تقييم جودتِها ومواصفاتها الحسيّة.

وقد تفاوتَت الذبائِح العضوية بين التفوّقِ في بعض المواصفات، والتراجعِ أمامَ نظيرَتِها في مواصفاتٍ أخرى، فعلى الرّغم من تسجيلِها لأوزانٍ أعلى، إلّا أن جودتَها لم تَكن كافيةً وفقاً لتشريعات الاتحاد الأوروبي، فاتّصفت بنسبةٍ أقلَّ من لحمِ الصدر، ولونٍ أكثرَ اصفراراً للجلد واللحم، في حين حقّقت قيماً أفضل من حيثُ المكوناتِ الغذائيةِ المفيدةِ، وخسارةِ الوزن عند الشواء. وبشكل عام، كان لحم الدواجن العضوي أفضل من التقليديّ عند أخذ مجملِ المواصفاتِ بعين الاعتبار.

يُعابُ على لحمِ الدّواجنِ العضويّ ارتفاعُ نسبةِ الإصابةِ بالجراثيم المنتجةِ لإنزيماتِ بيتا اللاكتاماز (أو البينيسيلليناز Penicillinase) واسعةِ الطّيف ESBL، وهي الإنزيمات المسؤولةُ عن منحِ الجراثيم القدرةَ على مقاومةِ المضادّات الحيويةِ واسعةِ الطّيف مثل البينيسيللين Penicillin، والسيفالوسبورين Cephalosporin. وقد أشارَت إحدى التجاربِ التي أُجريت في هولندا إلى الكشفِ عن تواجدِ هذه الجراثيم في جميعِ عيّنات لحمِ الدواجنِ التقليديّ التي تمّ اختبارُها (أي بنسبةِ 100% من العينات المختبرةِ خلال التجربة)، وعلى الرّغم من أن النسبةَ كانت أقلّ في اللحومِ العضوية، إلّا أنّها بلغَت 84%، وهو رقمٌ يعدّ مرتفعاً للغاية، ويستوجب اتّخاذ خطواتٍ حذرةٍ خلالَ عملياتِ التداولِ والطهي والاستهلاك.

وبشكل عام، يمكن القول بأنّ اللحومَ العضويةَ لمُختلفِ أنواعِ الحيواناتِ تتفوق على اللحومِ التقليديّةِ في بعضِ الفوائدِ والخواصِ الغذائيةِ والاستهلاكيةِ، وذلكَ ناجمٌ عن شروطِ التربيةِ الطليقةِ للحيوانات والتي تتيح لها الرعيَ بحريّةِ في المراعي الخضراء، وتقلّلُ كثافةَ التربية لتعزيزِ رفاهيةِ الحيوان، فضلاً عن منعِ استخدامِ الموادِ الكيميائيةِ والأدويةِ والمضادّاتِ الحيويّة مما يقلّلُ تعرّض الإنسانِ للبقايا التراكُميّةِ هذه الملوّثات البيئئية، ويبقى الحُكمُ على محتوى اللحوم العضويةِ من الفيتامينات والمعادن بشكلٍ دقيقٍ أمراً يحتاجُ مزيداً من الأبحاثِ والدراسات.

المصادر:

1. هنا

2. هنا

3. هنا

4. هنا

5. هنا

6. هنا