الفيزياء والفلك > علم الفلك

أربع سناريوهاتٍ مُحتملة لنهاية الكون!

استمع على ساوندكلاود 🎧

إن أكثرَ ما يُحِبُ عُلماءُ الكونِ الحَديثَ عَنهُ _ إلى جانب الانفجار العظيم وبداية الكون _ هو نهاية الكون!

فَهُناكَ مِئاتُ الحَوادِثِ الفَلكيَة المَعروفة التي يُمكِنُ أن تؤدي لِنهايةِ الحَياةِ على كوكَبِ الأرض، كالإصطدام بنيزكٍ مثلاً! ومع أنَ احتمال حدوثِ أمرٍ كهذا يُعدُّ صغيرًا نسبياً في الأفق المنظور. إلا أنه وفي نهاية الأمر سيأتي ذلك اليوم لامحالة، عندما تتحول الشمس إلى عملاقٍ أحمر. لكنَ التنبؤَ بنهاية كُلِ شيءٍ على الإطلاق هو أمرٌ أكثرُ صعوبة. ومع ذلك، فإن هذا لن يُثني العُلماء عن المحاولة. وسنناقشُ اليومَ أبرزَ أربعِ نظرياتٍ تصِفُ نهايةَ الكون.

يَعتَقِدُ عُلماءُ الفيزياءِ الفَلكيَة أنَ مَصيرَ الكونِ مرهونٌ بثلاثة عوامِلَ أساسيّة : أولاً الشَكلُ العَامُ للكون، ثانياً كَثافَةُ مَادَةِ الكون، وأخيراً كميّةُ المَادَةِ المُظلمة في الكون. وبناءً على هذه العواملِ الثلاثة فإنَ نهايَةَ الكونِ ستحدثُ وفقًا لِأحدِ السيناريوهاتِ التالية:

1 التمزّق العظيم

يَعتمِدُ هذا الاحتمال على فرضيّة أنّ الكون سيتستمرّ بالتوسّع إلى الحدّ الذي لن يُمَكِنَ المجرات والنجوم والكواكب و المادة (وعلى الأرجح المادة على المستوى مادون الذرّي أيضاً) من التَماسُك ولذلك ستتمزق. مما يَعني أنَ الحيّ المُجاوِرَ لَكُم قَد يَنشَطِرُ إلى نِصفين ورُبما يَنشَطِرُ مَنزِلِكُم أيضًا!

لنفهمَ علاقة هذا الاحتمال بكثافة الكون، علينا أن نعرفَ بدايةً ما هي " كثافةُ الكونِ الحرجة". إنها ببساطةٍ الكثافة الحديّة الّتي إذا كانت كثافة الكون الفعليّة أكبر منها فإن شكلَ الكونِ سيصبِحُ مُغلقًا ومنحنياً كالسطح الداخلي لِكُرة، وستتمكنُ الجاذبية بالتالي من جذبِ كُل شيءٍ مجددًا باتجاهِ بعضِه البعض بشكلٍ مُعاكسٍ للانفجارِ العظيم فيما يُسمّى بالانسحاقِ العظيم. وفي حال كانت كثافةُ الكون الفعلية مساويةً للكثافةِ الحرجة فإنَ الكون سيستمرّ في التوسّع أيضًا لكن توسُعَهُ هذا سيتباطأ في مرحلةٍ ما في نهاية الأمر ليتوقف تمامًا في مرحلةٍ ما من الانهاية. أما إذا كانت الكثافةُ الفعلية أصغَرَ من الكثافةِ الحرجة فإن الكون سيستمرّ بالتوسُع بسرعةٍ متزايدة إلى أن يتمزّق كل شيء من مجرّاتٍ ونجوم وحتى نسيج الزمكان بحد ذاته، فيما يُدعى بالتّمزُقِ العظيم.

فإذا كان هذا الاحتمال الأخير هو مصيرُ الكون فإن عليكَ أن تهديء من روعِك، لِأنهُ لن يَحدُثَ إلا بَعدَ نحوِ 22 مليارعام، حيُث سَتكونُ الشَمسُ قَد تَحوَلت منذ زمنٍ طويلٍ إلى عملاق أحمر (حارِقةً بذلكَ الأرضَ على الأغلب) لتصبح بعدها قزماً أبيض (انظر الرابط عن مراحل حياة النجوم ). ولكن حَتى لَو تَمكَنت الأرضُ مِنَ النَجاةِ مِن التَغيُراتِ الّتي سَتطرأُ عَلى الشمس فإنها سَتنفَجِرُ قَبلَ نحوِ 30 دقيقةً مِن نِهايةِ الكون.

2 التجمّد العظيم

يُشارُ إليهِ أيضاً باسم "الموتِ الحراري" أو " البُرودِ العظيم". وفقًا لهذا السيناريو، سيستمِرُّ الكونُ بالتّوسُعِ بِسُرعةٍ مُتزايدة، وبالتالي سَتستَمِرُّ عَناقِيدُ المَجّراتِ والنُجوم والكواكب بالابتعادِ عَن بَعضِها البَعض، مما سَيُفقِدُ الكونَ درجةَ حرارتَهُ تدريجيًا إلى أن تَصِلَ إلى الصِّفرِ المُطلق (273- درجة مئوية )، أي المَرحَلة الّتي لايَستَطيع الكونُ فيها تَقديمَ أيّ عَمل. ومعَ استمرارِ توسُّعِ الكون فإن الكواكب سَتبتَعِدُ عَنِ النُجومِ كثيراً بِحيث تَفقِد الأخيرة مَصدَرَ الموادِ الخام اللازمة لتَشكيلِ نُجومٍ جديدة !

حينئذٍ يَكونُ الكونُ قَد وَصلَ إلى أعلى انتروبية ممكنة، في حين ستستمِرُّ النجومُ المُتبقية بالاحتراقِ لِفترة، ثُمَ ستنطفئ و تَتَبدَد. وستَتَحوّلُ المجرات إلى تَوابيتَ مَليئة بِرفاتِ النُجومِ المَيتة، في حين أن أيّ حضارةٍ ذكيةٍ مُحتملة ستنظُرُ إلى كوننا الميّت معتقدةً أنها وحيدة. فَالضوءُ الخافِتُ مِن النُجوم والمَجرات قَد لايَصِلُهم أبداً. يَعتَقِدُ الكثيرُ مِن العُلماء أنَ حُدوثَ هذا

السّيناريو هُوَ الأكثرُ احتِمالاً حتى الآن.

3 الانسحاق العظيم

اعتقدَ العُلماءُ سابقًا أن هذا السيناريو هو نتيجةٌ حتميّة للانفجارِ العظيم. ووفقًا للانسحاقِ العظيم فإنَ الكونَ لايَستَمِرُ بِالتَمدُدِ إلى الأبد، بل لمُدةٍ غَيرِ مَعروفةٍ مِن الزّمن. فإذا كانَ متوسِّطُ كثافةِ الكونِ كافيًا لإيقافِ التَمدُد، فإنَ الكونَ سَيبدأ بالانهيارِ داخلَ نَفسِهِ ِلينتهي الأمرُ بِكُلِ المَوادِ والجُزيئاتِ المَوجودةِ في الكون إلى التّجمُعِ مَعَ بَعضِها البَعض في حالةٍ فائقةِ الكثافة أو رُبما نُقطة تفرّدٍ Singularity مُشابهةٍ لِنُقطةِ تفرّدِ ثُقبٍ أسود.

علاوةً على ذلك، فإنّ العُلماء يعتقدون بأنَ هذا الحَدث قد حَصَلَ سابقًا. ويَقترِحُ البَعض أنَ الكونَ الّذي نَعرِفُه ماهو إلا نِتاجُ حَلقةٍ مُتكرّرة للانفجارِ العَظيم، أي أنَ الانفجارَ العَظيمَ حصَلَ بَعدَ انهيارِ كونٍ سابق. وعلى خلافِ الاحتمالين السابقين فإن هذا السيناريو يَعتَمِدُ بشكلٍ أساسيّ على الشكل الهندسي للكون، بحيث يحصُل فقط إن كانَ شكلُ الكونِ مُغلقًا مِثلَ سَطحِ الكُرة.

يُصوِّرُ العُلماءُ الأمر وكأنَ الانفجارَ الكَبيرَ هو عَمليةُ شَهيقٍ تَتوسّعُ بَعدهُ الرئتان (أي الكون)، تتبعُها عَمليَةُ زفيرٍ يَتقَلصُ فيها الكون وهكذا دواليك. وقد صاغَ العُلماء هذا الأمر على شكل نظريةٍ تفترِضُ بأن كوننا هو جزءٌ من حلقةٍ مُتكررة من التوسّع والانقباض المستمر. فأنت الذي تقرأ المقال قد تكون قد قرأته سابقاً مليارات مليارات المرات في سيناريو مشابهٍ لاسطورةِ طائرِ الفينيق الّذي يموتُ كلَ مساءٍ لِيعودَ فيحيا مَعَ كُلِ صَباح.

4 الابتلاع العظيم

أبقينا على هذا الاحتمال إلى النهاية لأنه الأفضل أوقد يكونُ الأسوء بحسب وجهة نظرك. ظهرت هذه النظرية منذ زمن قصير بعدَ الكَشفِ عن خصائصَ جديدة تتعلّقُ ببوزون هيغز (انظر رباط المقال حول بوزون هيغز ) اّلذي يُعتقدُ بأنهُ يَمنَحُ الجُسيماتِ الأولية كُتلتها.

في هذا السناريو يَفترِضُ العُلماءُ أنه إذا كانت كُتلة جُسيمات هيغز بوزون مُساويةً للكتلةِ الّتي يتنبأُ به العُلماء، فإن كوننا قد يكون في مُشكلةٍ كبيرة، على الأقل من وجه نظر عالم الفيزياء النظرية من مختبرات فيرمي FERMI الذي يقول : "إذا اعتمدنا على كُلِ الفيزياء الّتي نَعرِفُها حتى الساعة، وقُمنا بما نعتَقِدُ أنه عمليّاتٌ حِسابيّةٌ واضِحة، فإنها أخبارٌ سيئة. "

لإنَ هذا قد يُشيرُ إلى أن طبيعة الفراغ نفسه قد تكونُ غيرَ مُستقرةٍ أصلًا. ودون سابق إنذار، يُمكِنُ أن تنبثِقَ بِسُرعةِ الضوء في مكانٍ ما من الكون فُقاعَةٌ فراغٍ حقيقي من كونٍ آخر داخل كوننا. وإن كانَت كَثافَةُ هذهِ الفُقاعَةِ أصغر مِن كثافَةِ الكونَ فسيفنى الكون بأكمله !

إنهُ حدثٌ كارثيّ فعلًا، هل تعلمون لماذا؟

لأنهُ سيؤدي إلى تَفكُكِ البروتونات في كل المواد الموجودة في الكون. وبالرّغم من أن هذا لا يَبدو أمرًا سارًا بما فيه الكفاية، فإنهُ يُمكِنُ أن تَظهَرَ في أي لحظةٍ وفي أي مكانٍ فُقاعةٌ ما وتَبدأ بِالانتشارِ بِسُرعةِ الضَوء حِتى تَبتَلِعَ الكون بِأكمله .

روابط قد تهمك

حياة النجوم : هنا

ماهو بوزون هيغز: هنا

ماهو شكل الكون: هنا

المصدر: هنا