الفيزياء والفلك > فيزياء

إذا كان الكون آخذًا بالتوسّع فكيف يُمكِنُ للمجرّاتِ أن تصطدمَ ببعضها البعض؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تقدِّمُ لنا الجوابَ عالمةُ الكونيَّاتِ تامارا ديفيس Tamara Davis، الباحثةُ في جامعةِ Queensland في أستراليا وعضوُ مركزِ علومِ الكونِ المُظلمِ في الدانمارك.

إنَّ حركةَ الكونِ محكومةٌ بالعديد من القِوى المُتنافسةِ التي يختلفُ تأثيرُها بحسبِ المدى الّذي تؤثّر فيه. إذ يُمكِنُ أحيانًا لِلقِوى الموضعية الّتي تنشأ في بعض الأماكن من الكون، أن تُلغِيَ القِوى الكونيَّةَ الّتي تسري على الكون بأكمله. ولو تحدثنا مثلًا على مستوياتٍ أكبرَ من عناقيدِ المجرّاتِ، فإنَّ كلَّ المجرّاتِ تتحركُ متباعدةً وِفقَ مُعدلٍ متزايدٍ. ويكونُ التَّجاذبُ المتبادلُ بينَ مجرَّتين أصغَرَ من أن يُشكِّلَ أثراً ملحوظاً، وبالتَّالي تتبعُ المجرّات الاتجاه العام الكوني للتوسّع فتبتعدُ عن بعضها البعض.

ولكنَّ القصّة تختلف لو تحدثنا على مستوى مجرّةٍ وجيرانها من المجرّاتِ، إذ يُمكِنُ للتجاذبُ المتبادلُ بين المجرّات في هذه الحالة أن يطغى على التأثير الكوني العام الّذي يقضي بابتعاد المجرّات عن بعضها البعض، فتقتَرِبُ عوضًا عن أن تبتعد.

تسبِّبُ الطَّاقةُ المظلمةُ تسارعَ توسُّعِ الكونِ، إذ تعمَلُ كقوةِ دفعٍ ثابتةٍ تَدفَعُ كل شيءٍ للخارج ليتوسّع الكون. في حين تُناضِلُ قوةُ الجاذبية _الناجمة عمّا تبقى من المادةِ والطاقةِ في الكونِ_ بعكس الطاقةِ المُظلمة الّتي لا تستسلم أبدًا. كانّ الكونُ في وقتٍ سابق أكثَر كثافةً ممَّ هو عليه الآن. وكانت الغَلبةُ لِقوّة الجاذبية على المُستويين الكبيرِ والصغير، مما أدى إلى تكاثُف غيومٍ مِنَ الغازاتِ لتشكيلِ نجومٍ ومجراتٍ ومِن ثمَّ تجمعاتٍ من المجَرّات. ولو كانت كميةُ المادةِ في الكونِ حينئذٍ أكبر؛ لانهارَ الكونُ مُجدَدًا قبلَ أن يَحظى بفرصةٍ لينمو أكثر. لكِنَ كثافةَ المادةِ والطاقةَ تتناقصُ معَ ازديادِ حجمِ الكونِ وبالتالي تصبحُ الطاقةُ المظلمةُ هي المسيطرة. فمنذُ حوالي 6 بلايين سنةٍ _أي منذ حوالي بليون سنةٍ قبلَ أن تتشكّلَ الأرضُ_ أصبحَ توسُّعُ الكونِ متسارعاً في المُحصِلةِ.

وعلى الرغمِ من ذلكَ فإن الرقصةَ الكونية مُستمرة، فالمَجراتُ التي تجمعت معاً قبلَ بدايةِ تسارعِ التوسعِ الكونيِّ يبقى لديها فرصَةٌ في الاصطدامِ ببعضها مُشكِلةً معاً مَناطِق كثيفةٍ في الكونِ تُسيطِرُ فيها قوةُ الجاذبيةِ. فجارتُنا مجرةُ أندروميدا التي تُعدُّ أكبرَ مرافقٍ لنا، تقتربُ منا فعلياً وسيكونُ لنا لقاءٌ قريبٌ بها خِلالَ بِضعةِ بلايين سنةٍ من الزمنِ.

تتكونُ مجموعتُنا من مجراتٍ عديدة كمجرّةِ أندروميدا وغيوم ماجلان، ونحوِ 35 مجرةٍ أخرى تقعُ جميعًا في تجمعٍ أكبر يُسمّى عنقود العذراء. وسنُسافِرُ مَعاً ضمن هذا العنقود عبرَ الكونِ الآخذِ بالتوسّع باستمرار، ونستمتع بالشراكةِ الّتي تجمعنا والّتي لم تنعم بها المجراتُ الأخرى الّتي خَسِرت الجاذبيةُ المعركة فيها.

إنَ الكونَ حالياً مقسمٌ إلى مجموعاتٍ من العلاقاتِ الّتي تنجرفُ وَحدها عبر الكونِ المتوسعِ. وكما هو حالُ الرّكابِ على متنِ السفينة، فإن المجرّاتِ في مَجموعَتِنا لا تزالُ تصطدِمُ و تتفاعلُ مع بعضها البعض بِطُرقٍ لا تُعدّ ولا تحصى. لكننا مُنفصلون عن رُكابِ السُفُنِ الأخرى التي تُبحِرُ بعيدًا عَنا في الكونِ الفَسيحِ إلى الأبد.

المصدر: هنا