المعلوماتية > الذكاء الصنعي

هل يمكن للتقانة أن تساعد في تفادي الجرائم وإيقافها قبل حدوثها؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

أصبحت مدينة شيكاغو حاضنةً للتّقنياتِ البوليسيّة الهادفة إلى الحفاظ على النّظام وذلك في إطار سعيها للحدِّ من جرائم العنف المسلح. فبعد تجربة أسلوبٍ يُطلق عليه مُسمّى Community Policing والهادف إلى تعيين أفراد شرطةٍ محدّدين في كل حيٍّ من أحياء المدينة بحيث يندمجون مع السّكان، وبعد تجربةِ العديد من التّقنيات الأخرى، قررتِ المدينةُ الاستعانةَ بالذّكاء الصُّنعيّ وتجربةَ أسلوبٍ جديدٍ لعله يساعدها في الحد من جرائم العنف المسلح المتزايدة.

قامت مديريّةُ شرطةِ مدينة شيكاغو في عام 2013 بالبدءِ ببناء نظامٍ يعتمد على الذّكاء الصّنعيّ وعلى البيانات المخزّنة مسبقاً في قواعد بيانات مراكز الشّرطة. حيث يقوم هذا البرنامج بتوليد قائمةٍ من أسماء مقيمين في المدينة متنبئاً بمساهمتهم بحوادث عنف مسلح في المستقبل أو كونهم جزءاً من هدفٍ لعملية عنف مسلّح. تهدف عملية توليد هكذا قائمة إلى تمكين الشّرطة من تقديم خدمات اجتماعيّة للمتضررين قبل وقوع الجريمة أو التنبؤ وإيقاف من يخطط لجريمة عنف مسلّح.

يقوم النّظام بإنشاء قائمة الأسماء من خلال البحث في سجلّات اعتقال سكان المدينة ودراسة من يتواجد لديهم عدد من المتغيرات أو الخواص. من المتغيرات الّتي كان النّظام يتحقق منها في بداية عمله:

● عدد المرّات الّتي كان الشّخص بها ضحية اعتداءٍ خطيرٍ أو هجومٍ عدائيٍّ

● عمر الشّخص عند عمليّات اعتقاله الحديثة

● عدد مرّات اعتقال الشّخص في قضايا حيازة أو استخدام سلاح

● الميل إلى النّشاط الإجراميّ في تاريخ سجل اعتقاله

● الانتماء إلى العصابات أو وجود روابط بها

● عدد مرّات الاعتقال بسبب المخدّرات

● عدد مرّات وقوع الشّخص ضحيةً للعنف المسلّح في السّابق

● عدد مرّات الاعتقال بسبب جريمة عنف

للأسف، فإنَّ تقريراً حديثاً من شركة RAND أظهر عدم نجاح النّظام في مساعدة الشّرطة في الوصول إلى المبتغى المنشود. ويُشيرالتّقريرُ إلى أنّ القائمة المُولّدة لم تكن بفاعلية قائمةِ أكثر المطلوبين أمنياً في أفضل الأحوال.

من خلال السّماح للباحثين في شركة RAND الولوجَ إلى القوائم والمشاركةَ في الاجتماعات الدّاخلية، وجد الباحثون أنّ النّظام لم يساعد في حفظ حياة أيِّ شخصٍ حتّى تاريخ إعداد التّقرير. حيث وجد الباحثون أنَّه في أكثر من ثُلثَيّ الحالات قام أفراد الشّرطة بتجاهل القائمة. صرّح الباحثون بأنّه وبشكلٍ عامٍ ومن خلال المراقبةِ والرّصدِ وبعد إجراءِ عددٍ من المقابلات، وجد الباحثون عدم وجود خطة أو توجّهٍ منهجيٍّ لدى أفراد الشّرطة في كيفيّة التّعامل مع الأسماء الموجودة في القائمة المُولّدة. كذلك عدم إعارة الموظفين في المناصب الإداريّة و التّنفيذيّة للبرنامج والقائمة المُولّدة منه.

يُشيرُ التّقرير إلى قيام الشّرطة بمعاملةِ الأسماء الواردة في القائمةِ على أساسِ أنّهم هدفٌ للاعتقال متناسينَ احتمالَ وقوع هذه الأسماء ضحيّةَ عنفٍ مسلّحٍ. وبذلك تكون القائمة المُولّدة قد أصبحت للبحث عن أشخاصٍ لاعتقالهم وليس لتفادي أو إيقاف الجرائم ومساعدة السّكان.

وتجدر الإشارة إلى وجود 11 مبادرةٍ آخرى للحدِّ من العنف والجريمة في المدينة مما دفع بأفراد الشّرطة التّوجّه لمهامهم الاعتياديّة وتجاهل القائمة المُولّدة.

عموماً، لنلقي نظرةً على الكيفيّة الّتي تعمل بها هذه الأنظمة بشكلٍ أساسيٍّ كي نتفهّم نتيجة التّقرير السّلبية الخاص بشركة RAND.

إذا قمنا بكتابة العبارة Predictive Policing على جوجل وبحثنا لوجدنا الكثير من الأنظمة الّتي تدّعي وتسوق على أنّها المستقبل في هذا المجال.

تعمل أنظمة (حفظ النّظام بالتنبّؤ – Predictive Policing) من خلال تحليل بياناتٍ سابقةٍ والقيام بمجموعةٍ من الحسابات الرّياضيّة للتّنبؤ بمدى احتمال حدوث جريمة ما في فترةٍ محددةٍ وفي موقعٍ محددٍ. وبما أنّها تستعين بالذّكاء الصُّنعيّ، فإنّ هذه الأنظمة بحاجة للوقتِ والبياناتِ الكافيةِ والّدقيقةِ للتّعلم وإنتاج تنبؤاتٍ تزداد دقةً مع الوقت. لذلك، من الجيّد تشبيهُ هذه الأنظمةِ بالأنظمةِ الّتي تساعدنا على التّنبو بأحوال الطّقس.

لهذه الأنظمة العديد من الأنواع من أبرزها:

1- الأنظمة الّتي تتنبأ بوقوع جريمة وهي الّتي تحدد الموقع الجغرافيّ والوقت الّذين تكون احتماليّة وقوع جريمةٍ عندهما عالية.

2- الأنظمة الّتي تتنبأ بقيام شخصٍ أو مجموعةِ أشخاصٍ بجريمةٍ في الوقت القريب.

3- الأنظمة الّتي تتنبأ بوقوع شخصٍ أو مجموعةِ أشخاصٍ ضحايا لعمليّةٍ إجراميّةٍ.

قام فريقٌ من شركة Upturn بعمل تقريرٍ ودراسةِ الأنظمة الموجودة في السّوق حالياً ووجدوا أنّ غالبيتها تُركّز على التّنبؤ بالوقت والموقع الجغرافيّ دون وجود أيّ تركيزٍ على من سيقوم بالجريمة أو سيكون هدفاً لها. ومما وجده الفريق أيضاً أنَّ جميعَ هذه الأنظمةِ تركّز على الجرائم التّالية:

- حوادث السّرقة وسرقة السّيارات

- جرائم السّطو

- جرائم الاعتداء الجسديّ

- جرائم المخدّرات

رغم تزايدِ عددُ الجهاتِ الحكوميّةِ الّتي بدأت تستعين بهذه الأنظمة، إلّا أنّ هناك الكثيرُ من المساحة لتطويرها وتحسينها. هناك عددٌ من العوائق الّتي تقف حائلاً دون وصولنا للنّتيجة الأمثل من استخدام هذه الأنظمة فمثلاً يصعب على الحكومات السّماحُ للشّركاتِ الخاصةِ المطوِّرَةِ لهذه الأنظمة بالولوج إلى بيانات المواطنين الحساسة حيث أنّها تُعتَبر جزءٌ من الأمْنِ القوميِّ للعديد من البلاد. كذلك، الذّكاء الصُّنعيّ بحاجةٍ للمزيدِ من التّطوير للوصول إلى القدرةِ على فَهم البشر ونفسيّاتهم وتفسير العديد من أفعالهم الّتي تُعتبر عشوائيّةً جداً بالنّسبةِ للحواسيبِ والحوسبَةِ.

---------------------------------------------------------------------

المصادر:

هنا

هنا

هنا