الهندسة والآليات > اسألوا مهندسي الباحثون السوريون

لماذا لم تَزدد سرعةُ الطائراتِ التجاريةِ منذ ستينات القرن الماضي؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

في عصرِ السرعةِ والتسارعِ المتزايدِ لكلِ أشكالِ التواصلِ والنقلِ، نشاهدُ مختلفَ وسائلِ النقلِ الجويةِ، أو الأرضية أو البحرية في تزايد مستمر في السرعة، وتتسابقُ هذه الوسائل ومصنعيها إلى كسر حواجز وأرقام الشركات المنافسة، ولكن عند الحديثِ عن الطيرانِ التجاري نشاهدُ مفاجأة بأن سرعتها ما زالت في ثبات منذ ستينات القرن الماضي...لماذا؟ دعونا نشاهد الجواب الهندسي الدقيق لهذا السؤال الغريب!

في العصر الذي تتسارع فيه التطورات، فإن هذه الطائرات تحلقُ بسرعةِ أقل مما كانت عليه. السرعة المحددة للطيران التجاري تتراوح بين 480-510 عقدة مقارنةً مع Boeing 707 النموذجية في تلك الحقبة من الزمن، والتي كانت تحلق بسرعة 525 عقدة بينما سرعة الصوت تساوي 666.74 عقدة، لماذا؟

يقولُ مارك دريلا وهو بروفيسور في علوم الطيران في قسم الملاحة الجوية والفضائية في معهد MIT:"المشكلة الرئيسية هي التوفير في الوقود، السرعة الزائدة تستهلكُ المزيدَ من الوقود بالنسبة لكل راكب لكل ميل يقطعه، هذه المشكلة تكون حقيقية أكثر ما يمكن في محركات الطيران عالية الالتفاف الحديثة "High-bypass" مع مراوحها الأمامية ذات القطر الكبير.

الطيارون المتمرسون يستطيعون ملاحظة هذه المحركات بسهولة حيث إنها ذات مسرب هواء بطول 10 أقدام، وخصيصاً في المحركات الأحدث ذات المحركين النفاثين ذات المدى الطويل، المحركات القديمة كانت تمتلك مسارب هوائية ذات عرض أقل من نصف الحالية وتمرر هواء أقل عند السرعات العالية، محركات "High-bypass" يمكنها الوصول إلى نفس قوة الدفع بهواء أقل وعند سرعات دوران أقل عبر تدوير أغلب الهواء (تصل 93%) حول توربين المحرك عوضاً عن تمريره من خلاله، يقول دريلا:" نسب الانتفاع تكون في أعلى قيمها عند السرعات المنخفضة مما يجعل مصنعي الطائرات يفضلون الطائرات الأكثر بطئاً، الطائرة الأكثر بطئاً يمكن أيضاً أن تمتلك مدى ميلان جناح أقل مما يجعلها أصغر، وأخف وزناً وأرخص ثمناً، ال707 كانت ذات ميلان 35 درجة أما ال777 الحالية فإنها ذات ميلان 31.6 درجة.

بالطبع فقد كان هنالك استثناء هام ووحيد من كل ذلك: فإن طائرات الكونكورد طارت بالركاب الدرجة الأولى عبر الأطلسي بسرعة تزيد قليلاً عن ضعف سرعة الصوت من عام 1976 حتى عام 2003. بموجب الاتفاقية بين حكومتي بريطانيا وفرنسا فإن طائرات الكونكورد تخدم جزء صغير من السوق الراقية، وكانت هذه الخدمة مقيدة من ناحية الوجهات التي يمكن أن تسافر إليها. الطائرة التي تكسر حاجز سرعة الصوت تولد موجة صدمة التي تنتج صوت انفجار عندما تمر من فوقنا، هذا الأمر كان لا بئس به عندما تطير الطائرة فوق المحيط الأطلسي لكن العديد من الدول منعت الطائرات التي تكسر حاجز الصوت من الطيران فوق أراضيها، وهذه المشكلة والتي يمكننا أن نسميها مشكلة الانفجار الصوتي يقول عنها دريلا:" كانت أحد أهم الأسباب لإيقاف تنافس وسائل النقل التي تفوق سرعة الصوت".

ما يزال هنالك بصيص من الأمل لوسائل النقل التي تفوق سرعة الصوت على الأقل، لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف الطائرة الخاصة، فعدد من الشركات حالياً تقوم بتطوير طائرات تفوق سرعة الصوت مخصصة لرجال الأعمال، فحجمها الصغير وتصميمها العملي الجديد المقاوم لصوت الانفجار "boom-shaping" وأشار دريلا أن الطائرات التي تفوق سرعة الصوت تصرف كمية أكبر من الوقود نسبةً لكل راكب لكل ميل تقطعه، ولكن هذه المشكلة لا تهتم بها شركات الطيران الخاص بقدر شركات الخطوط الجوية ويقول أيضاً: "ولكن مع ذلك فإنه من الناحية السياسية فذلك موضوع أخر".

إلى الآن يبدو أن المسافرين سيقدّرون فوائد المحركات high-bypass، ولربما في المستقبل سيستطيعون السفر بواسطة طائرات تفوق سرعة الصوت ولربما تصل إلى سرعة الضوء. أصدقائي شاركونا في رحلة المعرفة، ما هو التساؤل الذي طالما دار في مخيلتك دون أن تحصل على جواب علمي دقيق له؟ حان الوقت لتعرف الجواب

المصدر:

هنا