الهندسة والآليات > اسألوا مهندسي الباحثون السوريون

هلْ يمكنُ توصيلُ شريحةٍ إلكترونيةٍ مع الدماغِ كي نُصبحَ أكثرَ ذكاءً؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

من منا لم يشاهدْ فيلم "الماتريكس"، وكيف كانت المهاراتُ تنتقلُ إلى دماغِ بطلِ الفيلمِ "نيو" عن طريقِ أقطابٍ كهربائيةٍ مزروعةٍ في دماغهِ؛ ليصبحَ خبيراً فيها في لحظات دون أن يكون له أدنى علم أو خبرة عنها قبل نقلها إليه.

هل يَعْتَبِرُ العلماءُ أن مثلَ هذا الخيالِ هو تطفلٌ على العلمِ وجهلٌ في حدوده؟

إذا كنت تشعرُ بأن دماغك يمكن أن يتلقى دعماً خارجياً للقيام بوظائفه المعتادة كالتفكير والتذكر والمعالجة الحسيّة وقيادة الوظائف الجسدية الأخرى، عندئذٍ فإن الشريحةَ الإلكترونية يمكنُ أن تكونَ هي تلك الوسيلة الخارجية المساعدة. [1]

إن الفكرةَ بحدّ ذاتها ليست جديدةً، إذ يمكنُ أنّ يعودَ تاريخُها إلى العام 1875، إثرَ اكتشافِ وجودِ إشاراتٍ كهربائيةٍ تَصدُرُ من دماغِ الحيواناتِ لأول مرة، ولكن تطورها كان بطيئاً نوعاً ما حيث إن إنجازَ مثل هذه الشرائح المزروعة في الدماغ يتطلبُ تظافرَ جهودِ العديدِ من المجالاتِ العلميةِ المختلفة، مثل علوم الحاسوب والهندسة الكهربائية والهندسة الطبية وجراحة الأعصاب. [2]

يحصلُ بعضُ الناسِ بالفعلِ على شيءٍ من المساعدةِ الخارجيةِ؛ لتكميلِ وظائفِ دماغهم، فمن خلالِ أدواتِ السمعِ المزروعةِ في دماغِ الشخصِ الأصمّ يمكنُ تحويلُ الصوتِ إلى إشاراتٍ يمكنُ للدماغِ أن يفهمها، ومن خلالِ المنبهاتِ الدماغيةِ، والتي هي عبارة عن أقطابٍ كهربائيةٍ مزروعةٍ في الدماغ، يمكنُ مساعدةُ مرضى الأعصاب في الحدّ مما يعانون من ألم واكتئاب.

إن الجيلَ الأولَ من شرائحِ الدماغِ لا يزالُ في مرحلةِ التطورِ، ومن المتوقعِ في المستقبلِ إضافةُ بعضِ الإمكانياتِ الأخرى لهذه الشرائح مثل منع النوبات المرضية والقدرة الكاملة على التحكم بالكراسي المتحركة، أو أي وسائل مساعدة أخرى عن طريق الاستفادة من الأمواج الدماغية، كما حصلَ مؤخراً بتجربةٍ ناجحةٍ مخبرياً حيث استطاعَ العلماءُ الاستفادةَ من الموجاتِ الدماغيةِ للقرودِ في تحريك كرسي مدولب لاسلكياً، دون الحاجةِ لزرعِ أيةِ أقطابٍ بالدماغِ حيث يتمّ التقاطُ الإشاراتِ العصبيَّة (الأفكار) من دماغِ القردِ لاسلكيا وإرسالِها إلى حاسوبٍ آخر يقومُ بترجمةِ الأفكارِ إلى إشاراتٍ كهربائيةٍ تتحكَّمُ بالكرسيِّ، يمكنك التعرف أكثر على التجربة: هنا

وعلى نحوٍ أكثرَ إثارةً، حتى وإن كان أقلَ نضجاً، فإن احتمالَ استخدامِ وصلاتٍ بينيةٍ ثنائيةِ الاتجاهِ بين الخلايا العصبية والشرائح الإلكترونية، يمكنُ أن يعتبرَ كـ "معالجٍ ثانويّ" يساعدُ الدماغَ حتى يصبحَ أكثرَ ذكاءً، يوضحُ إدوارد بويدن مديرُ قسمِ البيولوجيا العصبية الاصطناعية في معهد ماساتشوستس MIT للتكنلوجيا: "سيكونُ هدفُ القرنِ القادمِ اكتشافَ مبادئ التحكمِ بالدوائرِ العصبيةِ واختراعِ تقنيات جديدة تدعمُ خوارزميات التحكم تلك". [1]

هناك بالتأكيدِ العديدُ من التحدياتِ العمليةِ في سبيلِ تصنيعِ مثلِ تلك الشريحة، فالشريحة التي يجبُ أن توضعَ في الدماغِ عليها أن تكونَ صغيرةً بما يكفي، ومتوافقة مع الأنسجةِ الحيويةِ بحيث لا تشكلُ أي ضرر عليها، دون أن تشعَ حرارةً زائدةً أو تحتاج استبدال للبطارية أو أي صيانة إضافية. كما يجبُ أن تتفاعلَ بنجاحٍ مع "الدارات" الطبيعيةِ التي في الدماغ إلكترونياً وكيميائياً.

تعملُ عدةُ أقسامٍ في معهدِ ماساتشوستس للتكنلوجيا؛ لمساعدة الجهود التي يبذلها قسم الهندسة في هذا الاتجاه، حيث يُجري فريقُ بويدن دراسةً عالميةَ النطاقِ حول النباتات والبكتريا والفطريات بحثاً عن الجينات الطبيعية التي تجعلُ الخلايا العصبية حساسةً للضوء نشطةً أو خاملةً إثر وجوده. وباستخدام مصفوفة من الألياف الضوئية يمكن التحكمُ بالعملياتِ الحسابيةِ العصبية التي تقوم بها خلايا معينة في الدماغ، كخطوة أولى نحو تصنيعِ معالجات وظيفية مساعدة للدماغ. [1]

يمكنكَ التعرفُ على مشروعٍ قامَ به جيشُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، يهدفُ إلى زرعِ شريحةٍ في الدماغِ من شأنها أن تستعيدَ الذاكرةَ المفقودةَ بسبب الإصابات التي قد يتعرض لها المحارب. هنا

إذاً فزراعةُ شرائحَ إلكترونيةٍ في الدماغِ؛ لتحسين وظائفه أو لتزويده بمهارات جديدة ليس مجردُ خيالٍ ولا تطفلٌ على العلم ولا تجاوزٌ لحدوده، بل على العكس تماماً فإن مثل هذه الشرائح موجودة على أرض الواقع؛ لمعالجة بعض الاضطرابات المرضيّة، ومع تطور علوم الأعصاب والجراحة الدماغية والهندسة الكهربائية والطبية ربما يصبح شيءٌ من خيال فيلم "الماتريكس" واقعاً في متناول الجميع.

المصدر:

[1] هنا

[2] هنا