الرياضيات > الرياضيات

ألعاب الحظ, أهي فعلاً حظ أم رياضيات؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعتبر ألعاب الحظّ من الألعاب المسليّة،وقد يحدث أن يتراهن صديقان في لعبة ما معتَقدَين أنّ الأمر مسلٍّ فيجربان اللعبة وكل منهما يتمنى أن يكون الحظّ حليفه. ولكن ما يجهلَه الكثيرون أنّ تلك الألعاب تخضع لقوانين رياضيّة والفوز فيها ليس حظاً مجرداً.

يعتمد هذا النّوع من الألعاب على الاحتمالات، وهو العلم الّذي يشير إلى إمكانيّة حصول حدثٍ معينٍ في الوضع الرّاهن. ويمكن التّعامل معها على أنّها نسبة، وجميع الاحتمالات هي عبارة عن قيمٍ عدديّةٍ بين الصّفر والواحد حيث تشير القيمة صفر إلى أنّ احتمالَ حدوثِ هذا الحدثِ أمرٌ مستحيلٌ ومثال على ذلك حجرُ النّردِ الّذي يحمل الأرقام من 1 إلى 6، عند رميه فإنّ احتمال رؤية الرّقم 7 هو 0 لأنّه حدثٌ مستحيلٌ. وأمّا القيمة واحد فتعبّر عن أنَّ وقوعَ هذا الحدثِ أمرٌ حتميٌّ.

ولكنّ لاعبي ألعاب الحظّ والرّهانات لا يهتمون فقط بالاحتمالات بل يهمهم مقدار المال الذي يمكن أن يجنوه نظرياًّ من اللّعبة. ويسمى المقدار الوسطيّ الّذي يمكن أن تتوقّع ربحه بالقيمة المتوقّعة:

“Expected Value(EV)”

وهي تُعرّف رياضيّاً على أنّها مجموع ناتج جداء كل الاحتمالات الممكنة بمقدار الرّبح أو الخسارة الخاص بكل منها، فإذا كان لدينا الأحداث التالية :

X1،X2،…،Xn

واحتمالات وقوعها الترتيب:

P1،P2،…،Pn

فالقيمة المتوقّعة عندئذٍ:

EV= X1.P1+X2.P2+⋯+Xn.Pn

مثلاً لنفترض أنّ شخصين يلعبان لعبة رمي عملة نقديّة وكان شرط اللُّعبة أنّه عند رمي القطعة النّقديّة في الهواء وبعد أن تستقر على وجهها الّذي يحمل الكتابة فسيكسب اللّاعب الأوّل $1 أما إن سقطت على الوجه الآخر أي على الوجه الّذي يحمل الشّعار أو الصّورة فسوف يخسر اللّاعب الأّول $1 ليأخذها اللّاعب الثّاني،عندئذٍ تكون القيمة المتوقّعة لهذه اللّعبة تساوي الصّفر وذلك لأنّ احتمالَ ظهور الوجه الأوّل عند رمي قطعة نقديّة مساوٍ لاحتمال ظهور الوجهِ الآخرِ ويساوي العدد 0.5 كما يُعلّمنا علم الاحتمال وبالتّالي فإنّ القيمة المتوقّعة هي:

EV= (1$) × 0.5 + (-1$) × 0.5 = 0$

وتعتبر هذه اللّعبة "لعبة عادلة" لأنّ اللّاعب لا يملك مزايا أو سيئات نقديّة مهما لعب اللعبة.

أمّا لو ربح اللّاعب الأوّل $1.5 في كل مرّة تستقر العملة على الكتابة ستتغير القيمة المتوقّعة إلى 0.25 وذلك لأنّ:

EV= (1.5$) × 0.5 + (-1$) × 0.5 = 0.25$

وهذا يعني إذا لُعبت اللّعبة 100 مرّة فيكون من المتوقّع أن يجني اللّاعب الأوّل $25. إذاً تُعتبر القيمة المتوقّعة مؤشراً هاماً في ألعابٍ من هذا النّوع لأنّها تتنبّأ بمقدار الرّبحِ أو الخسارةِ الّتي على اللّاعب أن يتوقّعها.

ومن المناسب هنا أن نطرح التّساؤل التّالي : ماذا عن ألعاب المقامرة ؟

والجواب هو أنّها تعتمد نفس الأسلوب وتكون اللّعبة في الملهى مصمّمة لتكون القيمة المتوقّعة سالبة، أي أنّك ستخسر المال على المستوى البعيد. وهذا يفسر من أين تجني الملاهي أرباحها. ولكن ما الّذي يجذب النّاس إلى تلك الألعاب ويدفعهم لتبديد أموالهم إن كانت تلك الألعاب مصمَمَةً رياضيّاً ليخسروا؟ وكيف نفسّر قدرةَ بعض اللّاعبين على الحصول على آلاف الدّولارات عندما يلعبون؟

أوّلاً :معدّل التّقلّب ( التّذبذب) (1):

ويُعتبر مؤشراً على فرصة حصول اللّاعب على مالٍ أقلَّ أو أكثرَ من القيمة المتوقّعة. فلو عدنا لمثال القطعة النّقديّة السّابق (وبعد سلسلة من الحسابات ) تُقدّر فرصة اللّاعب لأن يجني مالاً بين $10 و -$10 بـ 68% بينما تُقدّر فرصته أن يجني ما بين $20 و -$20 بـ 95%. إذاً يُخبر معدّل التّقلب اللّاعبينَ باحتمالِ أن يجنوا مالاً أكثرَ من القيمةِ المتوقّعةِ إن استمروا باللعب عدداً معيناً من المرات. إنّ القيم الكبيرة لمعدّل التّقلب تعني وجود فرق كبير بين القيمة المتوقّعة والقيمة الحقيقيّة وبالتّالي فرصة اللّاعب بأن يجني مالاً أكثرَ من القيمة المتوقّعة أكبر. وإنّ إمكانيّة ربحِ مالٍ يزيدُ عن القيمةِ المتوقّعة هو ما يجذب النّاس إلى هذه الألعاب.

ثانياً :الأرجحيّة (Odds):

إنّ الأرجحيّة ما هي إلّا طريقة أخرى لوصفِ الاحتمال، فعندما نُعبّر عن احتمال بأنّه أرجحيّة فنحن نُعبّر عنه بعدد الحالات الّتي لا يمكن أن يقع فيها الحدث وعدد الحالات الّتي يمكن أن يقع فيها. على سبيل المثال إنّ أرجحيّة الحصول على الوجه المنقوش عند رمي قطعة النّقود هو 1 لـ 1 ويسمى ذلك بالأرجحيّة المتعادلة. أمّا لو كنّا نرمي حجرَ نردٍ يحمل الأرقام من 1 لـ 6 فإنّ أرجحيّة الحصول على الرّقم 1 هو 5 لـ 1 لأنّ هناك خمسُ حالاتٍ لعدَمِ ظهور الرقم 1 مقابل حالة واحدة فقط لظهوره.

فمثلاً بالعودة لمثال القطعة النقديّة نلاحظ أنّه عندما يدفع الطّرف الثّاني $1 عند ظهور الكتابة والّذي أرجحيته1 أيضاً فاللّاعبان في حالة تعادل هذا يعني أنّه لو لُعبت اللّعبة عدداً كبيراً من المرّات سينتهي المطاف باللّاعبَين بتعادل أموالهما. ولكن إن افترضنا أنّ الرهان كان أنّ يخسر اللّاعب الأّوّل $1 إن لم تظهر الكتابة، بينما يكسب $2 إن ظهر، عندئذٍ سيكسب أموالاً كثيرة وذلك لأنّه نظريّاً سيكسب $2 نصف الوقت وفي النّصف الآخر سيخسر $1 فقط.

في الحقيقة يجب أن يكون الشخصُ غبياً جداً ليعلب على رهانٍ كهذا. ولكن أولئك الأشخاص السّاذجون دائماً يلعبون ألعاباً كالبوكر حيث تُعدُّ عمليةُ إيجاد الأرجحيّات لهذه اللعبة أمراً صعباً ولذلك تجد اللّاعبين يعطون أرجحيّات على الرهانات أكبر مما تستحقه فعلاً. وبهذا تجني الملاهي أرباحاً من ألعابِ الحظِّ حيث تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على الفرق بين المال الّذي يُدفع على الرّهان والمال الفعليّ الّذي يمكن أن يجنيه اللّاعب.

ومثالٌ بسيط ٌعلى ذلك عجلة الرّوليت الملوّنة فإن راهن أحدهم بـ $5 على اللّون الأسود فإنّه سيكسب $5 إن استقرت العجلة على اللون الأسود ولكنّه سيخسر $5 إن استقرت على أيّ لون آخر، وفي الرّوليت 38 حدثاً 18 منها فقط ملونٌ بالأسود.

وهذا يعني أنّ احتمالَ فوزِ الرّهان على اللّون الأسود هو 18/38 أي ما يساوي47.37%، أي أنّ الملهى سيفوز باحتمال أكبر من النّصف بقليل وهذا ماتعتمد عليه الملاهي لتجني أرباحها.

وهكذا نجد أنّ ألعاب الحظِّ ليست حظاً صِرفاً كما يقولون ولكنّها تملكُ أساساً رياضيّاً، فليس خفيّاً أنّ من عملوا أصلاً على وضع وتطوير علم الاحتمالات كان هدفهم تفسير وحلّ المشاكل الّتي واجهتم خلال ممارستهم لهذه الألعاب.

المصادر:

هنا

هنا