الطب > طب الأطفال

سوء التغذية

استمع على ساوندكلاود 🎧

لربما شاهدت على شاشات التلفاز طفلاً إفريقياً في المناطق الفقيرة التي تُعاني المجاعاتِ ولاحظت أنَّ بطنه كبيرٌ للغاية! ربما يكون هذا الطفل مصاباً بمرض يُسمَّى كوارشيوركور الذي يُعدُّ من أبرز أمراض سوء التغذية. يُعدُّ سوءُ التغذية وحده المُسبّبَ لأكثرَ من نصف مجموع وَفَيَات الأطفال حول العالم، وإنَّ حوالي خمسةِ ملايينَ طفل ممَّن هم تحت الخامسة يلقَون حتفهم جرَّاء سوء التغذية. في مقال اليوم سنتحدَّث عن أبرز أمراض سوء التغذية وهما كوارشيوركور والسغل: أسبابهما وأعراضهما وطرق علاجهما.

تٌعرِّف منظمةُ الصحة العالمية WHO سوءَ التغذية على أنَّه عدمُ التوازن الخَلَوي بين وارد الجسم من مغذيات وطاقة وحاجاته الضرورية للنمو والاستتباب والقيام بوظائفَ معينة. وهناك مصطلحٌ يُسمّى سوءَ التغذية البروتيني الحَروري protein-energy malnutrition ويعني سوءَ التغذية الناجم عن نقص البروتين أو الطاقة (السعرات الحرارية) أو كليهما، وينطبقُ على مجموعة من الاضطرابات، هي: كواشيوركور والسغل وحالة وسطية أخرى بينهما.

كواشيوركور:

تُشتقُّ كلمة كواشيوركور من لغة الـ (Ga( في غانا، وهي كلمة تعني "مرض الفِطام" لأنَّه يُصيب الأطفالَ في البلدان النامية بعد مرحلة الفِطام، قد يصيب كواشيوركور البشرَ في جميع الفئات العمرية، إلَّا أنَّه أكثرُ شيوعاً عند الأطفال، كما أنَّه يشيعُ بكثرة في البلدان الفقيرة وغالباً ما يحدث في حالات التَّجفاف والمجاعات والكوارث الطبيعية والحصارات السياسية، إذ تكون هذه الظروف مسؤولةً عن الفقر وقلّة الطعام الذي يؤدي إلى سوء التغذية.

كيف يحدث مرض كواشيوركور؟

كواشيوركور نوعٌ من أنواع سوء التغذية ينجمُ عن عدم تناول الكمية الكافية من البروتين في النظام الغذائي.

ما أعراضُ الإصابة بـ كواشيوركور؟

• وَذَمَاتٌ تحت الجلد عادةً ما تبدأ في الطرفين السفلين ثمَّ تنتشر إلى بقية أنحاء الجسم، وتكون هذه الوذمة أكثرَ وضوحاً في البطن معطيةً إياه مظهراً متضخماً وبارزاً كما هو ظاهرٌ في الصورة:

• فشلٌ في النمو وكسب الوزن.

• تغيراتٌ في لون البشرة.

• جفافُ الشعر وهشاشته، واحتمال تصبّغه باللون الأصفر المحمر أو حتى الأبيض.

• تشقُّق الأظافر.

• الهيوجية.

• النعاسُ والوسَن والبلادة والتعب المستمر.

• نقصُ الكتلة العضلية.

• الإسهال.

• زيادة قابلية التعرُّض للإنتانات بسبب تأذي الجهاز المناعي.

كيف يُشخَّصُ كواشيوركور؟

يشخّص هذا المرض بناءً على المظهر الجسدي ومعرفة النظام الغذائي للمريض، بالإضافة إلى إجراء بعض التحاليل الدموية لتحديد مستوى السكر والبروتين في الدم، وتحرّي وظيفة الكُلية والكبد، بالإضافة إلى معايرة مستوى الفيتامينات والمعادن في الجسم ومستويات البوتاسيوم في المصل، إذ تُجرى التحاليل السابقة لنفي الأمراض الأخرى التي قد تسبب كلَّاً من الوَذَمات والمظاهر المرضية السابقة. وهناك فحوصاتٌ أخرى من المُمكن إجراؤها كقياسِ النمو (الوزن والطول)، وحسابِ مؤشر كتلة الجسم BMI، وقياسِ محتوى الجسم من الماء، وأخذ خَزْعَة من الجلد وتحليلِ عينة من الشعر.

كيف يُعالَجُ كواشيوركور؟

إذا شُخِّصَ كواشيوركور في مراحلَ مبكّرة، يُعالَجُ بواسطة أطعمة خاصّة تعتمد على الحليب، أو من خلال أطعمةٍ علاجيةٍ خاصةٍ جاهزةٍ مصنوعةٍ من زبدة الفستق السوداني وبودرة الحليب والسكر والزيوت النباتية وبعض الفيتامينات والمعادن الإضافية. أما في الحالات الحادة أو في حالات وجود مضاعفات كالإنتانات فلا بدَّ من تطبيق علاجٍ مكثَّفٍ، وقد يستلزم الأمرُ إدخالَ الطّفل إلى المشفى مدَّةً تتراوح بين أسبوعين إلى ستة أسابيع، إذ تتمُّ مراقبةُ الطفل وضبطُ مستوى السكر في دمه وتدفئته ومعالجةُ التَّجفاف، كما يُعطى الصاداتِ الحيويةَ بُغية علاج الإنتان، ويُزوَّد بالفيتامينات والمعادن الناقصة، ويُقدَّم له الغذاء المناسب بشكل تدريجيّ لمساعدته على النمو وكسب الوزن الناقص. كما يُعدُّ تحفيزُ الطفل وتشجيعُه واللعبُ معه جزءاً هاماً من عملية معالجة كواشيوركور.

يعتمدُ إنذارُ كواشيوركور على شدّة حالته وسرعة علاجه، فقد لُوحظ أنَّه في حال العلاج المُبكر يتعافى الطّفل بشكل جيّد ولكن من المحتمل ألَّا يبلغَ الأطفالُ أبداً كاملَ قدراتِهم على النمو. أمَّا في حال تأخُّر العلاج ووصولِ المرض إلى مراحلَ متقدمةٍ، فقد يبقى الطفلُ مصاباً ببعض الإعاقات الجسدية والذهنية أيضاً. وللأسف قد يكون كواشيوركور مميتاً في حال إهماله وعدم علاجه.

السغل Marasmus:

يُشتقُّ مصطلحُ السغل Marasmus من الكلمة اليونانية marasmus التي تعني الإهمال أو الإضاعة. السغل مرضٌ ناتجٌ عن نقص البروتين والطاقة (السعرات الحرارية) من الغذاء (كما في نقص الوارد من السعرات الحرارية أو زيادة خسارتها كما في الإقياءات أو الإسهالات أو الحروق الشديدة أو الأمراض الحادة والمزمنة) لذلك فإنَّه يشيع كما كواشيوركور في المجتمعات الفقيرة وفي حالات المجاعات، كما لُوحظ أيضاً أنَّه يصيبُ الأطفالَ في مرحلةِ الفِطام عموماً والأطفال المعتمدين على الرضاعة الاصطناعية خصوصاً.

ما أعراضُ الإصابة بالسغل؟

يُعدُّ الهُزال والنقص الكبير في الوزن العَرَضَ الرئيسيَّ عند مرضى السغل، لكن تغيب الوَذَمَات المُميزة لكواشيوركور، وتترافق الإصابة بأعراض أخرى، هي:

• نقصُ النشاط الفيزيائي.

• النعاسُ والخمول.

• فشلُ النمو.

• الإسهالُ المزمن (من أشيع الأعراض).

• الإنتاناتُ التنفسيُّة.

• الهزالُ الذي يكون ناتجاً عن استهلاك الجسم لمخازنه الغذائية، إذ يُلاحَظُ نقصٌ في كلٍّ من الكتلة العضلية والكتلة الشحمية تحت الجلد، وفي المراحل المتقدمة تتأثر العضلات الوجهية والكتلة الشحمية الوجهية أيضاً ما يُعطي الطفلَ مظهرَ الشيخوخة المبكرة.

• فقدانُ الشهية، الذي يشكّل عائقاً أمام إعادة التغذية.

• اللامبالاة.

كيف يُشخَّصُ السغل؟

يُشخص السغل -كما في حالة كواشيوركور- بالاعتماد على المظهر السريري ومعرفة النظام الغذائي، ولكن يجب على الطبيب أثناءَ الفحص السريري الانتباهُ إلى أبسط الشذوذات السريرية، فمثلاً: عندما تكون درجةُ حرارة مريض السغل ٣٧،٥ درجة مئوية فقد يعني ذلك أنَّها تساوي 39 -40 درجة مئوية عند الشخص السليم، كما أنَّ السعالَ البسيط قد يكون المؤشرَ الوحيدَ على الإصابة بذات الرئة.

كيف يُعالَجُ مرضى السغل؟

يُعالَج مرضى السغل كما يُعالَجُ مرضى كواشيوركور، إذ يتمُّ تعويضُ السوائل وضبطُ مستويات الشوارد ثمَّ إمدادُ الطفل بالمغذيات التي سبق ذكرها.

ملخص المقال:

ينجم كوارشيوركور عن عدم كفاية الوارد البروتيني، ومن أبرز أعراضه الوَذَمَاتُ وانتفاخُ البطن والتعبُ المستمرُّ وفشلُ النمو، كما تحدث عدّةُ تغيُّراتٍ في البشرة والشعر والأظافر، أمَّا بالنسبة للسغل، فينجم عن عدم كفاية الوارد البروتيني ونقص السعرات الحرارية من الغذاء، ومن أعراضه: الهزالُ والإسهالات، في حين تغيب الوَذَمّات التي تُميّز مرض كوارشيوركور.

وفي النهاية، لا بدَّ من تأمين نظامٍ غذائيٍّ متوازنٍ والاهتمامِ بصحة الأطفال وتغذيتهم لأنَّ إهمالَ مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى إعاقاتٍ ذهنيةٍ وجسديةٍ، وربما يُفضي إلى الموت.

المصادر:

هنا

هنا

هنا