التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

أوشفيتز، معسكرُ الموتِ الأكبر في تاريخِ البشرية... رمزٌٍ لوحشيةِ الإنسان مع أخيه الإنسان في القرنِ العشرين

استمع على ساوندكلاود 🎧

افتتح معسكرُ أوشفيتز _أو ما يعرف أيضًا بأوشفيتز بيركينو_ سنة 1940م في جنوب بولندا، وهو أكبر معسكرٍ نازيٍّ للاعتقال والإبادة. خُصص في البداية للسجناء السياسيين، ولكنه تطور لاحقًا ليصبحَ مخصصًا لاعتقال جميع أعداء الدولة النازية وإعدامهم في غرف الغاز غالبًا أو إجبارهم على أداء الأعمال الشاقة.

تم تعريض بعضِ السجناءِ لتجاربَ طبيةٍ بربريةٍ تحت إشرافِ جوزيف مينغيليه، وتشير التقاريرُ إلى خسارةِ ما يقاربُ المليون شخصٍ حياتَهم خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945). مزيد من التفاصيل نقدمها لكم ضمن مقالنا التالي...

قام المستشارُ الألمانيُّ أدولف هتلر بعدَ بدايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ باعتماد سياسة (الحلِّ الأخير)، فقد كان واثقًا بأن الحل الوحيد لـ "المشكلة اليهودية" لن يقتصرَ على عزل اليهودِ وإخضاعِهم لأعمالِ عنفٍ غير إنسانية، بل بالقضاء على كل يهوديٍّ في البلدان التابعة لسيطرة ألمانيا النازية، بالإضافة للفنانين والمعلمين والغجرِ والشيوعيين ومثليّي الجنسِ والمعوقين ذهنيًا وجسديًا وكل من لا يصلح للعيش ضمن ألمانيا النازية.

ولتحقيق هدفه أمر هتلر بتجهيز مخيماتِ الموت، والتي كانت وعلى عكس معسكرات الاعتقال مخصصةً لقتل جميع "غير المرغوبين"، والتي عرفت لاحقًا باسم المحرقة.

افتُتِح أكثر معسكرات الموت وحشيةً وحجمًا في ربيع سنة 1940م، وكان أولُ مدير له هو رادولف هوس، الذي ساعد في إدارة معسكر زاكسن هاوزن في أورانيبورغ- ألمانيا. وقد بُني أوشفيتز فوق قاعدةٍ عسكريةٍ سابقةٍ جنوبَ بولندا قرب مدينة كراكوف، وخلال إنشاءِ المعسكر أُغلقت جميعُ المعامل وأجبرَ سكان المناطق المجاورة على إخلاءِ منازلهم لهدمِها.

كان من المخطط أن يكون أوشفيتز معسكرَ اعتقالٍ للبولنديين المعتقلين بعد احتلال ألمانيا لبولندا سنة 1939م، ولكن بعد البدء بالعمل بخطة (الحل الأخير) اعتبر أوشفيتز المكانَ المناسبَ لإنشاء معسكر الموت بسبب وقوعِه في مركز جميع البلدان المحتلةِ من قِبَلِ ألمانيا النازيةِ في القارة الأوروبية، بالإضافة لقربه من الشبكة الحديدية التي استُعمِلت لنقل المحتجزينَ للمعسكرات النازية.

وخلافًا للمعتَقَدِ، لم يتم قتلُ كل من وصل إلى أوشفيتز على الفور، فقد تم إجبار القادرين على العمل على إنتاج الذخيرة والمطاط الاصطناعي والعديد من المنتجات الأساسية التي احتاجتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

تألّف أوشفيتز من عدة أقسام في ذروة عمله، ومنها المعسكر الأصليُّ والمعروف بأوشفيتز الأول، بسعة 15000 إلى 20000 سجينٍ سياسي، وكان شعارُه الموجودُ على البوابة الرئيسية هو (Arbeit macht frei)أو (العمل سيجعلكم أحرارًا).

بالإضافة لأوشفيتز الثاني في قرية بيركينو قرب كراكوف، والذي أُنشئ سنة 1941م بأمرٍ من هنريك هيملر، قائدُ القواتِ الألمانية الخاصةِ والمشهورةِ بالـ (س س) التي أدارتْ معسكراتِ الاعتقالِ والموت. وقد قُدِّرت سعةُ أوشفيتز بيركينو بحوالي 90000 سجينٍ، واحتوت على غرف حمامات والتي استُعمِلت لحرق عدد لا يحصَى من المعتقلين، وعلى أفرانٍ استعملت لحرق الجثث.

ويوجد أيضًا حوالي 40 معسكرًا آخر، أطلق عليها اسمُ المعسكرات الفرعية، أشهرُها مونوفيتس، والذي لُقِّبَ بأوشفيتز الثالث، افتُتِحَ سنة 1942م واستوعب حوالي 10000 شخصٍ.

الشكل (1): غرف الغاز

الشكل (2): المحرقة من الداخل والخارج

كان يتم فحص الأسرى من قبل الأطباءِ النازيين فورَ وصولِهم لمعسكر الاعتقال. وكان يتم إرسال المساجين الذين لم يصلحوا للعمل، كالأطفال والنساء الحوامل والعجزة والمرضى على الفور إلى المحارق، والتي اعتقد السجناء أنها غرفٌ للاستحمام اعتمادًا على كلمة "حمام" المكتوبةِ على الأبواب بلغاتٍ أوروبيةٍ عديدة.

من الصعب تقدير عدد الأرواح التي أُزهِقت في أوشفيتز بسبب عدم تسجيل مَن لم يصلحوا للعمل كسجناء.

وأما هؤلاء الذين صلحوا للعمل وتجنبوا غرف الغاز في البداية، مات معظمهم بسبب الأعمال الشاقة والأمراض وقلة التغذية والتعذيب الوحشيَّ اليومي الذي تعرضوا له.

أُخضع بعض السجناء في أوشفيتز لتجارب طبية لا إنسانية، على يد قائد تلك الأبحاث جوزيف مينغيليه (1911-1979)، وهو طبيبٌ ألماني بدأ العمل في أوشفيتز سنة 1943م. لقب مينغيليه بملاك الموت، وقام بتنفيذ تجاربَ واسعةٍ على السجناء. على سبيل المثال، كان يحقن إبرًا في أعين الأطفال مسببًا آلامًا لا تطاق وذلك لدراسة لون العينين، كما قام أيضًا بحقن الكلوروفورم في قلوب التوائم ليحدد إن كان التوأمان سيموتان في نفس الوقت وبنفس الطريقة.

في سنة 1944م وعندما لاحت هزيمةُ النازيين في الأفق، بدأ مسؤولو أوشفيتز بتدمير أدلة العنف والرعب الذي دار داخلَه، فدُمرت الأبنية وحُرقت وتم التخلص من الوثائق.

دخل الجيش السوفيتي كراكوف في كانون الثاني سنة 1945م، وأمرَ الألمان بإخلاءِ أوشفيتز في ما سمي "مسير أوشفيتز المميت"، حيث أُمر حوالَي 60000 سجين بالسير قسرًا إلى بلدات بولندية مجاورة على بعد 30 ميلًا، ومات العديد من السجناء أثناء تلك العملية، ومن لم يمت تم إرساله إلى معسكرات اعتقالٍ في ألمانيا.

عندما دخل السوفييت أوشفيتز في 27 كانون الأول وجدوا حوالَي 7600 سجين من المرضى والمعاقين تُركوا في الخلف، وعثروا على أكوام من الجثث ومئات الألوف من الأحذية والملابس وأطنان من الشعر البشري الذي حُلق من السجناء قبل حرقهم.

الشكل (3): بعض من آثار السجناء

حسْبَ بعض الإحصائيات والبحوث التاريخية، فإن ما يقاربُ 1.1 مليون إلى 1.5 مليون شخصٍ معظمهم من اليهود، وما يقارب 70000 إلى 80000 بولندي بالإضافة إلى 19000 إلى 20000 من الغجر وعدد أقلُّ من سجناء الحرب السوفييت جُوِّعوا بصورة منظمة وتعرضوا للتعذيب وقُتلوا في هذا المخيم.

أُدرِج معسكرُ أوشفيتز بيركينو كأحدِ مواقع التراث العالمي في بولندا عام 1979م، لتحقيقه المعيارَ السادس من معايير التسجيل، فعلى الرغم من محاولة التخلص من الوثائق والسجلات، إلا أن الأسوار والأسلاك الشائكة والمراقب والمعسكرات وغرف الغاز ومحارق المعسكر كلها تشهدُ على الظروف التي كانت تجري في ظلها الإبادةُ الجماعية الهتلرية.

المصادر:

هنا

هنا