الهندسة والآليات > التكنولوجيا

أسلاك سائلة مستوحاة من خيوط العنكبوت

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعدُّ شبكةُ العنكبوت من الظواهر المُبهرة في الطبيعة، فبالرغم من مظهرِها الذي يُوحي بأنها ضعيفة، إلا أنَّها تملكُ مرونةً كبيرةً في مواجهةِ الرياح، وقدرةً هائلةً على الإيقاع بالحشرات. لكن لماذا لا تمتطُّ شبكة العنكبوت عندما تتعرَّض للرياح أو عندما تصطادُ الذباب مثل الترامبولين؟ تخيَّل معنا خيوطاً تشبه خيوطَ شبكة العنكبوت يمكنُ استخدامُها في مجالِ علمِ الهندسةِ والموادِّ والطب، تُحاكي نفسَ خصائصِ ونوعيةِ خيوطِ هذه الشبكة.

يكمن الجواب في فيزياءِ المادةِ النسيجية الهجينة التي تُنتجِها العناكبُ لشبكاتها. إن الضغطَ على خيطٍ لزجٍ في شبكة العنكبوت وتركَه بعد ذلك ليعودَ إلى وضعه الأصلي، يُظهر لنا أنَّ هذه الخيوط لا ترتخي وتبقى دائماً مشدودةً حتى لو تمَّ سحبُها لعدةِ أضعافِ طولِها الأصلي. ويعودُ السبب في ذلك إلى أن أي ارتخاءٍ في الخيوط يتمُّ لفُّه من قِبَل قطراتٍ صغيرة من الغراء المائي، والتي تعمل كبكرةٍ تَلفُّ عليها الخيوطَ المتفكِّكة وتمنعُها من التدلِّي أو التمدُّد، وهذه القطرات تُغطي وتحيطُ بأليافِ النسيجِ الرقيقِ لشبكةِ العنكبوتِ الحلزونيةِ المركز كما في الفيديو التالي:

فيديو (1) يوضح عملية الانكماش والاستطالة في خيط العنكبوت الطبيعي.

هنا

تمَّ وصفُ هذه الظاهرة في مجلة (PNAS) من قِبَل علماءَ من جامعةِ أوكسفورد في المملكة المتحدة وجامعةِ بيير ماري كوري في فرنسا، وقام هؤلاء الباحثون بدراسةِ تفاصيلَ تقنيةِ السلكِ السائلِ في شبكاتِ العنكبوت، حيث قاموا باستخدامِ هذه التقنية من أجلِ صناعةِ أليافٍ تركيبيةٍ مشابهةٍ لأليافِ خيوط العنكبوت المُحتجَزة، فهي موجودةٌ بشكلٍ مضغوطٍ وسائلٍ ضمن الكيس، وبشكلٍ صُلبٍ و مُتمدِّد في الخارج، هذا الاكتشاف الثوري قد يؤدِّي إلى تقنيةٍ جديدة مستوحاةٍ من الطبيعة كما في الفيديو التالي:

فيديو (2) يوضح كيف قام الباحثون بمحاكاة حركة الانكماش والاستطالة في خيط العنكبوت.

يقول البروفيسور (Fritz Vollrath) من جامعةِ أوكسفورد المختصُّ بعلومِ الحيوان: "المئاتُ من القطراتِ الصَّمغيةِ الصغيرة الموجودةِ في خيوط شبكة العنكبوت، مهمَّتُها ليس فقط اصطيادَ الحشراتِ كما نظن، ولكنها -وبشكلٍ مدهش- تحملُ كلُّ واحدةٍ منها كيساً صغيراً في جلودِها المائية لتلفَّ في داخلِها الارتخاءَ المُتشكِّل في الخيط، ويُستخدَم هذا الأسلوبُ من أجلِ الحفاظِ على الخيوط بحالةٍ مشدودةٍ بشكلٍ دائم، وهذه ظاهرةٌ يُمكنُنا اكتشافُها ومشاهدتُها في حدائقنا جميعاً".

تعتمد الخصائصُ المُكتشَفَة والتي تمَّ تحليلُها من قِبَل العلماء بشكلٍ كبيرٍ على التوازنِ الدقيقِ بين مرونةِ الأليافِ والتوتُّر السطحيِّ للقطرة، وتجدُر الإشارةُ إلى أنَّ الفريقَ قام بإعادةِ صُنع هذه التقنية وتطبيقِها في المَخبر، باستخدام قطراتِ النِّفط على خيوطٍ بلاستيكيةٍ تتمدَّدُ وتنكمشُ داخلَ قطرةِ النِّفط، ويعمل هذا النظام الاصطناعي تماماً مثل الخيوطِ الطبيعية للعنكبوت.

يقول الدكتور (Hervé Elettro) وهو أولُ كاتبٍ ودكتور باحثٍ في معهد لورن دالمبير في جامعة ماري كوري في فرنسا: "منذ أربعينَ سنة كانت تُعْرَف خيوطُ العنكبوت بأنها موادُّ فريدةٌ من نوعها وحتى الآن ما زالت تفاجئُنا، حيث أن الشبكةَ عبارةٌ عن فخٍّ ذو تقنيةٍ عاليةٍ من وجهة نظر العناكب، لكن من وجهةِ نظرنا فإنها تحملُ الكثيرَ من العلوم في جعبتِها، من علمِ الموادِّ إلى الهندسةِ والطب. خيوطُنا الهجينة المستوحاةُ من الطبيعة يمكن تصنيعُها عملياً من أيةِ مكوناتٍ نريدُها، هذه الاكتشافاتُ قد تؤدِّي إلى مجالٍ واسعٍ من التطبيقاتِ مثلَ التصنيعِ الدقيقِ للهياكلِ المُعقَّدة، محركاتٍ صغيرةٍ قابلةٍ لعكسِ جهةِ دورانها أو أنظمةِ الأوتارِ الذاتيةِ القابلةِ للمط".

لا نعرف ما ستصل إليه صناعة التكنولوجيا وباقي العلوم بمساعدة نوعٍ كهذا من الخيوط، ربما ستُحدث ثورةً تقودُ البشريةَ نحو الأفضل.

المصدر: هنا