الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

الحُجة الشخصيّة

استمع على ساوندكلاود 🎧

في هذه المغالطة، يَطعنُ الشخصُ في المُتحدّث نفسِه، لا في ما يقول؛ فتراه يرفضُ مشروعًا أو خطةً ما، أو يُبدي موافقتَه؛ وَفْقَ نظرتِه هو إلى القائل.

نصلُ اليومَ إلى المحطّة الرابعة من محطّات المغالطات المنطقيّة، وهي مغالطة (الحُجّةُ الشخصيّة). مغالطةٌ شائعة أيضًا، وينشأ منها الكثيرُ من الخلافات الجانبيّة، غيرِ الموضوعيّة.

هذه المغالطةُ قد تكون تهجُّمًا مباشِرًا على الشخص، أو تلميحاتٍ تُشكّك في شخصيّتِه؛ مما يُضعفُ موقفَه وحُجّتَه دون أسباب موضوعيّة.

إنّ الحكم على أمرٍ ما أو عبارة ما، يكونُ عامّةً أمرًا لا علاقةَ له بقائلِ العبارة أبدًا، فعبارة (1+1=2) عبارةٌ صحيحة، سواءً كان قائلُها عدوًّا أو مُغْرِضًا، معتوهًا أو ذكيًّا. وإنّ ما يحدِّد صدقَ عبارة (السماءُ تمطر) هو ببساطة الطقسُ المحلّيّ، وهو شيءٌ قائم، ومستقلٌّ تمامًا عن شخص القائل.

الوقوع في مغالطة الحُجّة الشخصيّة يكون بأن ترميَ سهامَ النقد على المتحدّث (خصمِك)، دون المَساسِ بالحُجّة!

ومثالُ ذلك أنّ موظّفًا في إحدى المؤسسات قد أشار على صاحب العمل بفكرة من شأنها أن تزيد نسبة أرباح المؤسسة، لكنّ المدير رفضها، أو لم يأخذْ بها؛ لأنه يكره هذا الموظف، وعندما طُلب منه توضيحُ سبب الرفض، لم يناقش الفكرة، بل اتّجه إلى الموظف، وشَرع يطعن فيه، وفي نفسيّته، وشخصيّتِه، وحَوّل مِنَصّةَ مناقشةِ الفكرة إلى حَلْبةِ صراعٍ ضدّ ذاك الموظّف.

ولمغالطة الحُجّة الشخصيّة أربعةُ أنواع:

1- القدحُ الشخصيّ (السبّ).

2- التعرُّضُ إلى (الظروف الشخصيّة).

3- مغالطةُ (أنتَ أيضًا تفعلُ هذا).

4- تسميمُ البئر.

• القَدْحُ الشخصيّ (السبّ):

إنّ القَدْحَ الشخصيَّ ليس مغالطةً في حدِّ ذاتِه، لكنّ المغالطةَ تأتي حين نجعلُ العيبَ الشخصيَّ أساسًا للرفض، أي عندما نشتِّتُ الانتباهَ عن الحُجّة الأصلية إلى شخص قائلها وعُيوبِه؛ حتى يبدوَ من خلال التداعي النفسيّ أنّ حُجّتَه هي أيضًا مَعِيبةٌ مثلُه!

مثال:

«لا يُمكننا تطبيقُ خطّةٍ وضَعها شخصٌ سِكّيرٌ وفاسد!».

قد يكونُ القَدْحُ الشخصيُّ غيرَ مُغالِطٍ عندما تكونُ للشخص القائل صلةٌ وثيقةٌ بالكلام؛ فمن غير المنطقيِّ في حملات الانتخاب مثلًا، وفي القضاء، ومقابلاتِ التوظيف؛ أنْ ينتخبَ الناسُ شخصًا غيرَ ذكيّ، أو لصًّا، أو غيرَ مخلص.

• التعرُّضُ إلى الظروف الشخصيّة:

في هذه المغالطة، يُشار إلى أنّ ظروفَ الخصمِ هي ما دعاه إلى أنْ يطلقَ حكمًا ما، أو يتبنّى رأيًا ما. ولا نستطيع إنكارَ أنّ للمصالح الشخصيّةِ سطوةً وتأثيرًا كبيرًا على الفرد، ولكنْ إذا أردنا أن ننظرَ إلى الحُجّة بعين المنطق، فقد نجدُ أنْ لا علاقةَ للظروف الشخصيّةِ بها.

مثال:

«إنك حتمًا ستقفُ مع هذا الشخص؛ فهو ابنُ مدينتِك!».

• «أنت أيضًا تفعلُ ذلك»:

في هذا النوع، يُنقَدُ المتحدّثُ وَفْقًا لسلوكٍ أو فعلٍ يفعلُه، ينافي أو يعاكسُ ما يقولُه.

مثال:

«كيف سأقلعُ عن التدخين وَفْقًا لنصيحة الطبيب وهو نفسُه مدخّن؟!».

• تسميمُ البئر:

أي الإفصاحُ عن معلومات غيرِ جيّدةٍ عن الطرف الآخر؛ لتشويه سمعة الكلام الذي سيقولُه لاحقًا. وهي ليست مغالطةً بالمعنى الدقيق، لكنّها ضربةٌ استباقيّة؛ تكونُ قبل أن يتحدّثَ الخَصْم، أو يعرضَ قضيّتَه.

مثال:

«لا تصدّقْ ما سيقولُه فلان، إنّه وغد!».

المصدر:

المغالطات المنطقية، عادل مصطفى، 2007، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى.